لقد عكف الإنسان، منذ عشرات الآلاف من السنين، على مراقبة سير القرص النيّر العجيب الذي يضيء الأرض ويدفئها. نظر إليه بإعجاب ومحبة وخشية. وصلّى له كإله. فهم الإنسان أنّ أشعة الشمس هي مصدر كلّ حياة وحرارة وطاقة، وأنّه لولاها لما كان هو ولا الحيوان ولا النبات. ثمّ دفعه حب المعرفة والروح العملية إلى التساؤل عن أصل تلك الكرة المشتعلة وجوهرها وما تؤديه للكون. وهكذا تحوّلت الشمس من موضوع عبادة إلى مادّة للبحث العلمي.
* الشمس والأبعاد الهائلة:
عندما نفكّر بنبتة أو محرّك، نتصوّر أشياء ذات أبعاد متناسبة مع مقاييس الإنسان، لكن الأمر يختلف عندما نفكّر بالكواكب، وخاصّة الشمس. فنحن لا نعلم سوى القليل عن تلك الكرة المتوهّجة، أمّا المعطيات العلمية التي تحدّد خصائصها فيُعبّر عنها بأرقام هائلة تكاد لا تُصدّق.
* حجمها يساوي أكثر من مليون مرّة حجم الأرض:
لنتكلّم قليلاً عن الشمس بالأرقام ومغزها. إنّها موجودة على مسافة تناهز الــ150 مليون كلم من الأرض، أي ما يوازي 400 ضعف المسافة بين الأرض والقمر، أو على مسافة 17 سنة من الطيران المتواصل بواسطة أسرع طائرة ركّاب. ويبلغ قطرها ما يقارب 1392400 كلم، أي 109 أضعاف قطر الأرض (12735 كل)؛ يُستخلص من ذلك أنّ الشمس لو كانت مجوّفة لأمكنها أن تستوعب في باطنها الأرض والقمر (قطرهما يساوي 3476 كلم) أو بالأحرى مليون جسم بحجم الكرة الأرضية! ولو صففنا 300 كرة أرضية جنباً إلى جنب لقاربت أن تلف دائرة الشمس. كتلتها تربو على 300000 ضعف كتلة الأرض. ولمثل هذه الكتلة الهائلة من المادة، قوة جاذبية نادرة الوجود: 28 ضعف جاذبية الأرض. والرجل الذي يزن 70 كلغ على الأرض، يصبح وزنه 2000 كلغ على سطح الشمس؛ وبالتالي يصعب عليه المشي ويثقل عليه وزنه.
* مفاعلة نوويّة:
لتفسير مصدر الطاقة الشمسية الذي لا ينضب، صاغ العلماء النظرية الفرضية التالية: منذ مليارات السنين، انجذبت ذرات الهيدروجين المكوّنة لغالبية كتلة الشمس الغازية، باتجاه مركزها بسرعة فائقة، وذلك بفعل الجاذبية. وأثناء عملية الجذب هذه، تولّدت حرارة شديدة سبّبت ظاهرة طريفة تشبه ما حقّقه إنسان اليوم باختراع القنبلة الهيدروجينية: وبدأت ذرّات الهيدروجين تتحوّل إلى ذرّات هليوم، وهذه بدورها تحرّر طاقة شعاعية أقوى من احتراق هيدروجين الهواء بتسعين مليون مرّة.
هذه الطاقة حصيلة مفاعلة نووية على نطاق واسع وليس ظاهرة احتراق عادية في الفضاء.
* أسرار الشمس:
بالنسبة إلينا تعتبر الشمس نجمة من نوع خاص فهي تشغل مركز نظامنا وتسيطر عليه بقوة جاذبيتها. ولقربها من الأرض وتأثيرها عليها أصبحت محوراً لدراسات علم الفلك والفيزياء الفلكية. وإن كان لا وجود لأيّ شبه بنيوي بينها وبين سائر النجوم، فهي تساعد على تكوين نماذج تفسيرية لطبيعة بعض الكواكب ودورانها في أفلاك أبعد من الشمس.
* بنية الشمس الطبيعية:
ليست الشمس كتلة ماديّة صلبة وملساء كما تبدو لنا. بل هي كتلة ضخمة من الغاز الملتهب، ولا يوجد على سطحها لا أرض ولا بحر ولا كائنات حية. والغازات التي تتكون منها الشمس متجمّعة حول مركزها بوضع التناظر الكروي، وهي في غليان دائم وتكوّن سطحاً مُسَفّعاً حثرياً.
وهذه الغازات التي تكوّن الكرة الشمسية لا تتوقف عند حدّ معيّن. شأنها بذلك شأن سائر الغازات؛ تنتشر ما وراء منطقة تركيزها الأقصى الذي يتناقض تدريجياً. وحول نواة الشمس ومصدر طاقتها يبدو سطحها النيّر لنا وكأنّه دائرة تامّة، فتبلغ سماحة هذا الطوق 5000 كلم وهو الذي يرسل لنا الطاقة الشمسيّة بشكل أشعّة ضوئية وحرارية وإشعاعات غير منظورة (أشعة فوق البنفسجية ودون الحمراء والأشعة المجهولة ف وأشعة غاما وموجات هرتزية). وقد اتضح من المراقبة أنّ بعد السطح أو الطوق النيّر يوجد جوّ الشمس الشبيه بمرعى مشتعل، تندفع منه فوّارات من الغاز المحترق تقذف لمسافة آلاف الكيلومترات ارتفاعاً وبصورة دائمة.
وبعد الطبقة السابقة، يمتدّ "التاج الشمسي" إلى ملايين الكيلومترات في الفضاء، وهو هالة برّاقة تحيط بالشمس. لا نستطيع مراقبتها إلاّ في حالات الكسوف التام، لأنّ السطح النيّر يعطّل لمعانها في الحالات العادية.
* لو انطفأت الشمس..
تستغرق رحلة النور من الشمس إلى الأرض 8 دقائق ونصف تقريباً. فلو فرضنا أنّها انطفأت، فإن آخر خيوطها الضوئية تصل إلى الأرض بعد ذلك بــــ8 دقائق، وتبدأ الأرض مرحلة الاحتضار: فسرعان ما يختفي كلّ أثر للحياة على وجه الأرض، إذ يتوقّف تبخّر المياه وتنقطع الأمطار وتهدأ الريح.
ولكن هل يحتمل أن تنطفئ الشمس يوماً؟ أجل، ويمكننا أن نؤكّد ذلك؛ لكنّه لن يحصل إلاّ في أجل بعيد جداً. فقد أشارت أرقام الإختصاصيين إلى أنّ الشمس موجودة منذ ما يزيد عن 4 مليارات من السنين وسوف تبقى زمناً آخر طويلاً. وليس على الإنسان أن يقلق إلاّ بعد أن تتحوّل كلّ كميّة الهيدروجين الموجودة فيها إلى هليوم؛ لكن ذلك لن يحصل إلاّ بعد انقضاء حوالي 40 مليار سنة تقريباً!
* الظاهرات الشمسية:
إنّ الغليان المستمر في سطح الشمس النيّر ينفث ألسنة ضخمة من الغاز المشتعل الذي يرتفع إلى ما فوق جو الشمس ويغزو التاج الشمسي: إنّها من المقذوفات الشمسية، تنفجر بصورة مفاجئة ويبلغ ارتفاعها مئات الآلاف من الكيلومترات، ثمّ تتلاشى وتتبدّد أثناء تحليقها أو ترجع إلى سطح الشمس راسمة ما يشبه قنطرة الجسر.
باستعمال آلات خاصّة، نستطيع أن نميّز على سطح الشمس مناطق شديدة التألّق وغير مستقرّة زمناً طويلاً على حال واحدة: إنّها فيض من الجو الشمسي ينبلج بصورة مفاجئة، ووميض من النور الشديد اللمعان والسريع. ولقد دلّت التجارب في السنوات الأخيرة أنّ بعض المقذوفات تبثّ إشعاعات يمكن أن تقتل الإنسان لو وصلت إلى الأرض؛ لكن فلك الأرض لا تخرقه تلك الإشعاعات لحسن الحظ!
أمّا خارج الفلك الأرضي فإنّ هذه المقذوفات تكون خطيرة، ولقد هدّدت حياة روّاد الفضاء في رحلتهم الثانية إلى القمر.
* البقع الشمسية:
لما ابتدأ غاليليه يراقب الشمس، منذ أكثر من أربعة قرون، مستعملاً أول منظار فلكي صُمّم ونُفّذ بإشرافه، لاحظ وجود مساحات مظلمة على سطح الكوكب النيّر، عُرفت بالسُفع الشمسية.
ظنّ أولاً أن لا علاقة لها بالشمس وأنّها جزيئات منتشرة في الفضاء صدقة بين الشمس والأرض. ثم تبيّن من المراقبة المتكرّرة أنّ تلك البقع العجيبة موجودة فعلاً على القرص الشمسي عينه.
أمّا اليوم فأصبح جوهر تلك البقع الشمسية معروفاً: إنّ أعمدة الغاز الضخمة التي تؤلّف رؤوسها سطح الشمس النيّر ليست متراصة بتباعد منتظم وليست كلّها بارتفاع احد؛ بل يختلف طولها، ما يؤدّي إلى وجود فراغ وظلال على سطح الشمس؛ وهذه الظلال ليست إذاً سوى نتيجة لتفاوت الإشعاع الضوئي، لذلك تبدو لنا وكأنّها بقع تلطّخ وجه الشمس.
قد أصبح في حوزة العلماء اليوم مجموعة كبيرة من المعطيات العلمية الدقيقة حول السّفَع الشمسية، فهم يعلمون حجمها ومدّة بقائها والأشكال التي تتخذها.
ومن دراسة تنقلات السّفَع الشمسية اليومية، تبيّن أنّ الشمس تدور هي أيضاً على ذاتها. فالفارق الزمني في دوران تلك السفع المتباعدة بصورة غير منتظمة جعلَ المراقبين الفلكيين يستنتجون أن المساحات غير المتراصة من سطح الشمس تدور بسرعة متفاوتة: تتزايد هذه السرعة عند خط الاستواء (تستغرق الدورة الكاملة 25 يوماً) وتتناقص عند القطبين (حيث تستغرق الدورة 34 يوماً). واكتشفت كذلك دورة تلك السّفعِ بين سرعتها القصوى وسرعتها الدنيا: مدّة هذه الدورة إحدى عشرة سنة.
رغم توافر كلّ تلك المعطيات اليقينية، ما زالت بعض الأسرار تكتنف السفع أو البقع الشمسية. فلقد أدرك العلماء أن دورة الإحدى عشرة سنة تتوافق مع دورات أخرى لظاهرات أرضية تدوم لفترة مماثلة: منها النمو النباتي وذوبان الجبال الجليدية والأمطار الغزيرة وحتّى الوقت الطبيعي لحصول تغييرات نوعيّة في فكر الإنسان وتصرّفه. إلاّ أنّ أسباب هذا التوافق لم يزل يكتنفها الغموض.
* هوية الشمس
المسافة بين الأرض والشمس: 149631000 كلم.
قطرها: 1392400 كلم.
حجمها: 1300000 مرة حجم الأرض.
كتلتها: 333000 ضعف كتلة الأرض.
كثافتها: 1410 كلم/م3 (بينما كثافة الأرض 5520 كلغ/م3).
جاذبيتها: 28 ضعف جاذبية الأرض.
حرارتها السطحية: 5800 درجة مئوية؟
حرارتها الجوفية: 15000000 درجة مئوية
عمرها: 4 أو 5 مليارات من السنين.