اخرج إلى الضوء | عندما يكون القائد والداً للمجاهدين مهارات | المساندة النفـسيّة في الأزمات والحروب الملف | كيف نواجه إشاعات الحرب؟ الملف | بصبركنّ... ننتصر الملف | دعاء أهل الثغور: مدد المجاهدين الملف | الشهداء المستبشرون معالم المجتمع الصالح في نهج البلاغة الملف | قيم المقاومة آخر الكلام | تحت الركام.. الافتتاحية | الصبر حليف النصر

تربية: الحضانة... أمومةٌ مصطنعة


تحقيق: فاطمة الجوهري غندورة

مفترق طريق صعب، بين أمومة تضجّ حباً وحناناً وتعلّقاً يأبى الفراق وبين غياب ربما يستمر لأكثر من أربع ساعات، تضطرّين فيها للابتعاد عن أطفالك. قد تتعدد أسباب غيابك عن المنزل واضطرارك إلى وضع طفلك في دار للحضانة. وأحياناً تكون الحضانة خياراً جيّداً وبيئة خلاقة تنمّي مواهب أطفالك وقدراتهم وتفتح أمامهم دروباً وأساليب للعيش لا توفّرها لهم البيئة المنزليّة.

حول دور الحضانة، الإيجابي أو السلبي، بالنسبة للأمهات وأطفالهن كان لنا هذا اللقاء مع عدد منهن..

* بيئة خلاّقة

تشجّع السيّدة أم خليل (والدة لطفلين، معلّمة) الأمهات على وضع أطفالهن في الحضانة، وتقول: "إنّ تجربتي مع دور الحضانة ناجحة بنسبة سبعين بالمئة. فعلى الرغم من أن الدّافع الأول لوضع أطفالي في الحضانة كان مادياً؛ نظراً لما تتطلّبه ظروف المعيشة الصّعبة، إلاّ أنني اكتشفت أن للحضانة فوائد ومنافع كثيرة لا بدّ لكلّ أم من أن تعمل على توفيرها لطفلها، فالحضانة بيئة خلّاقة، إنّها مكان مميّز لاكتشاف الطفل قدراته الجسديّة لناحية اعتماده على نفسه، والنفسيّة، لناحية تحمّله المسؤوليّة، والتعوّد على التّعاطي مع الآخرين. وبالطبع، أقصد هنا حضانة تتمتّع بشروط ومعايير جيّدة: مرخّصة، تتوفر فيها شروط السّلامة والصحّة والأمان".

* حادثة لن أنساها

على عكس السيدة أم خليل كان للسيّدة أم علي (أم لولدين، عملت محاسبة في سوبر ماركت) رأي مغاير حيث قالت: "إني أنصح جميع الأمهات أن لا يُقدمن على هذه الخطوة؛ فتجربتي مع الحضانة كانت قاسية حيث اضطررت لوضع طفلي في واحدة منها، وكانت تكلفتها الماديّة مناسبة لراتبي، وهذا ما راقني فلم ألتفت لأمور السلامة التي يفترض بهم مراعاتها. ووضعت طفلي البالغ من العمر سنة ونصفاً فوقعت الحادثة المؤلمة حين مدّ ولدي يده إلى مفتاح كهربائي غير مؤمّن وقديم، وتعرض لمسّ من التيار ما أدى إلى ظهور عدد من الحروق في أصابعه. وقد كان ذلك أمام مرأى الأولاد والمعلّمتين المسؤولتين المشغولتين بعشرين طفلاً آخر".

تتابع: "ثم وضعته في حضانة أخرى، ظننت أنها أفضل من الأولى بسبب إعلاناتها عن شروطها المميزة. وعلى الرغم من أسعارها المقبولة إلا أنّ ذلك كان حبراً على ورق، وتعرّض ابني للتّسمّم الغذائي جرّاء عدم نظافة المطبخ وعدم المحافظة على الأكل بطريقة صحية".

*الطرف الآخر

وبعد أن عرضنا آراء عدد من الأمهات، كان لا بدّ لنا من الاستماع للرأي الآخر وهم أصحاب دور حضانة أو من لهم تجربة عمليّة، فكان حديثنا مع السيدة (آ.ع) وهي مشرفة على إحدى الدّور.

استهلّت حديثها بالتأكيد على أنهم في الحضانة حريصون على تأدية الخدمة بصبر ومسؤولية لراحة الطفل واطمئنان والدته. وأكّدت على ضرورة القيام ببعض الخطوات الإجرائية عند فتح دار الحضانة منها: تبليغ وزارة الصحة العامة عند إنشاء دار حضانة في أي منطقة كانت، مع ما يتبع ذلك من شروط (كأن لا تقل مساحة الشقة عن 200 متر مربع. وأن تتوزع الصفوف حسب عدد الغرف. ومن الشروط أيضاً توفّر ممرّضة بدوام عمل كامل وممرضة مساعدة بالإضافة إلى التعاقد مع طبيب أطفال أو عائلة.

أما بالنسبة لشروط الأمان، فقد اعتبرت السيدة (آ.ع) أنه لا بد من علاج مسببات ومكامن الخطر في الشقة، سواء الكهرباء، أم المياه الساخنة، وذلك بالإضافة إلى مراعاة سلامة الغذاء والاهتمام بنظافة الطعام وحليّته وطهارته.

*هاجسنا النظافة والمراقبة الصحية

وأفادت السيدة (آ.ع) أنّ هناك معدّلاً عاماً كأن يحتسب لكل طفل متر مربع، وأن يخصّص لكل 20 طفلاً حاضنة رئيسة ومعاونة، ولكل خمسة أطفال رضّع ممرضة.

وكما أن الاهتمام بنظافة الأطفال شيء أساسٍ، كذلك موضوع تعقيم الحضانة لا بد أن يكون بشكل يومي. أما فيما يتعلّق بالطعام، فالأفضل اعتماد الحضانة على طهو الطبخ الصحي، وأن تولي عناية بأسنان الطفل من خلال استعمال فرشاة الأسنان حتى يكتسب عادة تنظيف الأسنان.

ولا بدّ من طبيب للحضانة يكشف على صحة الأطفال بشكل دوري، وأن تمتنع الحضانة عن استقبال الأطفال المرضى حتى يشفوا تماماً.

وعن تأثير الأطفال على بعضهم بعضاً بيّنت السيدة المسؤولة عن الحضانة أن الأطفال يؤثرون على بعضهم بعضاً سلباً أو إيجاباً. وعند دخول الطفل الحضانة للمرة الأولى، لا بدّ من منحه الثقة والاطمئنان.

ولفتت إلى أن استمرار بعض الأطفال بالبكاء يحول بينهم وبين المشاركة في أي نشاط أو لعب، وقد يؤثّر على الأطفال الآخرين سلباً.

كما أن الوقت الذي يمضيه الطفل في الحضانة يؤثر على تربيته من الناحية السلوكية، وعلى الأم تعويض الطفل عن فترة الابتعاد عنه بمجالسته والتحدث إليه واللعب معه.

عملياً وبكل واقعية، يستمد الطفل، في الغالب، خلال وجوده في الحضانة تعزيزاً لثقافته التحضيرية قبل المرحلة الدراسية. أما إذا كانت الحضانة لا تراعي الشروط الصحية ولا تمنح الطفل الثقة بالنفس، ستصنع بالتأكيد طفلاً منطوياً منعزلاً على نفسه.

*هل الحضانة حاجة فعلية للطفل؟

وفي لقاء مع الباحثة الاجتماعية ليلى شمس الدين أشارت إلى أنّ الحضانة، وضمن مواصفاتٍ محدّدة، تؤدي دوراً هاماً: "كتعزيز حسّ التّواصل الاجتماعي لدى الطفل مع أقرانه، فتساعده على الاندماج مع المجتمع ليكون أكثر تقبُّلاً للآخرين، كما أنّها تخفّف من عناده وأنانيّته وكذلك تطوّر قدراته".

وأشارت الأستاذة شمس الدين في معرض حديثها، إلى اضطرار بعض الأهل إلى وضع أطفالهم في الحضانة لأسباب كثيرة ... إلاّ أنّ هذه الأسباب لا تعطي لهم الحق في إغفال البحث عن الحضانة المناسبة، التي تؤمّن الجودة، والأمان، والرعاية المطلوبة لحماية الأطفال وتنمية قدراتهم.

فالتواصل والدّمج بين الأطفال هو الهدف الأول، والذي لا يمكن تحقّقه إلاّ إذا توفّرت في الحضانة شروطها الأساسيّة وأبرزها وجود أشخاص مؤهّلين للتعامل مع كلّ الأطفال على اختلاف حاجاتهم ودون تمييز.

* إيجابيات الحضانة وسلبياتها

وأشارت الأستاذة ليلى إلى أنّ هناك دوراً كثيرة ومراكز مختلفة تُسمّى حضانات ولكنّها ليست كذلك بالفعل، فمن المُفترض بالحضانة أن ترعى الأطفال من خلال تأمين حاجاتهم والعمل على تنمية قدراتهم، وهو ما قلّ نظيره.

أما ما يتوجّب على الحضانة الفعلية فهو أن تُسهم بشكل أساس في عدّة أمور:

أوّلاً: تعويد الطفل على الانخراط الاجتماعي، وعلى التعاون مع الآخرين ومشاركتهم.

مثلاً، قد يرى تصرفاً أو يسمع كلمة نابية من طفل آخر، فيقوم بتقليده. وهنا يأتي دور مراقبة الحاضنة لسلوك الأطفال، ثم الأهل.

ثانياً: العمل على تنمية قدرات الطّفل الذاتيّة والنفسيّة، فيتعلم كيفية الاعتماد على نفسه، ويتحمّل مسؤولية الاهتمام بنظافته الشخصية، والمحافظة على أغراضه وأغراض الآخرين.

ثالثاً: إكسابه عادات وسلوكيات إيجابية مثل التعوّد على النظام، ومعرفة حقوقه ومراعاة حقوق الآخرين.

لاإخراجه من بيئة الأسرة والعائلة إلى مكان اجتماعي أوسع، يسمح له بالتعامل مع أطفال وأشخاص آخرين ذوي طبائع وسلوكيات مختلفة.

خامساً: تعويده على فكرة الابتعاد عن والدته، ما يجعل تعلّقه بها طبيعياً وأخفّ وطأة، فيصبح أكثر تقبُّلاً لمرحلة دخوله إلى المدرسة لاحقاً.

وقد تطرّقت الباحثة إلى ضرورة أن لا تتجاوز ساعات إبعاده عن والدته الأربع ساعات يومياً؛ نظراً لحاجته إلى الحنان والرعاية والتي لا يمكن أن تفوقها حاجة أخرى.

كما رأت شمس الدين أنّه من الخطورة بمكان وضع الأطفال في الحضانات غير المستوفية الشروط الصحّية والبيئية والتربوية والترفيهية المطلوبة.


* مواصفات الحضانة

وردّاً على السؤال الذي يطرحه معظم الأهالي، عن كيفية اختيار الحضانة الأفضل لأطفالهم، لحظت الباحثة شمس الدين مساحة الحضانة ونظافتها وإضاءتها وتهوئتها، وصحّة وسلامة جوّها ومحيطها الداخلي والخارجي على حدّ سواء. مع ضرورة وجود مساحات مفتوحة تتيح للطفل ممارسة العديد من النشاطات الضرورية لنموّه.

ومن الضروري أن يتوفّر في الحضانة الألعاب التّربوية التي تنمّي القدرات الذهنيّة والإدراكيّة الحسيّة للأطفال، ناهيك عن ضرورة وجود متخصّصين تربويين، ونفسيين واجتماعيين، ومشرفين طبيين مجازين. ويجب تأكد الأهل من حصول دور الحضانة على ترخيص من قِبل الدولة اللبنانية، وزارة الصحّة.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع