اخرج إلى الضوء | عندما يكون القائد والداً للمجاهدين مهارات | المساندة النفـسيّة في الأزمات والحروب الملف | كيف نواجه إشاعات الحرب؟ الملف | بصبركنّ... ننتصر الملف | دعاء أهل الثغور: مدد المجاهدين الملف | الشهداء المستبشرون معالم المجتمع الصالح في نهج البلاغة الملف | قيم المقاومة آخر الكلام | تحت الركام.. الافتتاحية | الصبر حليف النصر

حكمة الأمير: حقٌّ لك... وواجبٌ عليك

الشهيد مرتضى مطهري

عن أمير المؤمنين عليه السلام: "أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ جَعَلَ اللهُ لِي عَلَيْكُمْ حَقّاً بِوِلاَيَةِ أَمْرِكُمْ، وَلَكُمْ عَلَيَّ مِنَ الْحَقِّ مثْلُ الَّذِي لِي عَلَيْكُمْ" 1.

*ملاك الحق.. العمل

بدأ الإمام عليه السلام ببيان وصف الحق بقوله: "فَالْحَقُّ أَوْسَعُ الأشْيَاءِ فِي التَّوَاصُفِ، وَأَضْيَقُهَا فِي التَّنَاصُفِ". ويقصد بذلك أن الحق كلمة سهلة في النطق رحبة في الوصف، ولكن المشكلة في التطبيق والعمل. فالحق ميدان فسيح لمن يريد التحدث عنه بياناً، وخطابةً، ومقالةً. ولكنه في مقام العمل أو التسليم له، والإذعان إليه ضيق جداً، بل من أضيق الميادين. وقد نبّه الإمام عليه السلام إلى ذلك في تأكيده على العمل بالحق لمن يطلبه، واعتبر أن ملاك الحق هو العمل به لا الحديث عنه.

والنقطة الأخرى أن هناك تبادلاً في الحقوق بين الناس، وفي مقابل كل حق واجبٌ متعيّن، فللفرد على المجتمع حقوق، وللمجتمع على الفرد حقوق.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ملعون من ألقى كلّه على الناس" 2.


*حقوق وواجبات

فللوالد حقّ على ولده، وفي مقابل ذلك هناك حق للولد على والده، للوالد الطاعة والاحترام، وللولد الكفالة والرعاية والتربية.

كذلك الزوج والزوجة، المعلم والتلميذ، الجيران فيما بينهم، الحاكم والرعية والمسافر ورفيقه في السفر.

وهذه الحقوق المتبادلة لا تنحصر بين الناس وحدهم، بل تشمل دائرة أوسع، فحيث يستفيد الإنسان من شعاع الحق، يمتد معه شعاع الواجب عليه.

يقول أمير المؤمنين في خطبة في أوائل خلافته: "اتَّقُوا اللهَ فِي عِبَادِهِ وَبِلاَدِهِ، فَإنَّكُمْ مَسْؤُولُونَ حَتَّى عَنِ الْبِقَاعِ وَالْبَهَائِمِ" 3.

إن دائرة الواجب تمتد وتتسع لتشمل العباد والبلاد والبهائم وبقاع الأرض. فكل شيء خلقه الله في خدمة الإنسان، عليه أن يستفيد منه الفائدة الصحيحة. قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ (الأعراف: 10).

فحق الأرض في زراعتها وعمارتها وأن لا تبقى خراباً أو بواراً، وحق الحيوان في رعايته والمحافظة عليه.

*وجودنا دَين للذّات المقدّسة

ثم يقول الإمام عليه السلام: "وَلَوْ كَانَ لأَحَد أَنْ يَجْرِيَ لَهُ وَلاَ يَجْرِيَ عَلَيْهِ، لَكَانَ ذلِكَ خَالِصاً لله سُبْحَانَهُ دُونَ خَلْقِهِ4 ذلك أن قانون الحقوق المتبادلة أو الحق والواجب إنما يصدق على مخلوقات الله، أما الله سبحانه وتعالى فهو الغنيّ المطلق والفيض المطلق وهو الذي وضع قانون الخلق؛ لكي يساعد الإنسان أن يطوي مساره نحو الكمال المنشود.

إن الذات الإلهية المقدسة منزّهة عن ذلك، فكلّ ما أفاض الله به على عباده هو تفضّل منه، ورحمة، وإحسان، وجود. ولذا، فإن نفحة الوجود في هذا العالم إنما هي دَين للذات المقدسة، وبالتالي فهي مسؤولية في أعناق الخلق ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (الأنبياء: 23).


*حقوق متبادلة بين الحاكم والرعيّة

ثم يقول عليه السلام مشيراً إلى الحقوق المتبادلة بين الحاكم والرعية: "وَأَعْظَمُ مَا افْتَرَضَ - سُبْحَانَهُ - مِنْ تِلْكَ الْحُقُوقِ حَقُّ الْوَالِي عَلَى الرَّعِيَّةِ، وَحَقُّ الرَّعِيَّةِ، عَلَى الْوَالِي، فَرِيضةً فَرَضَهَا اللهُ - سُبْحَانَهُ - لِكُلّ عَلَى كُلّ، فَجَعَلَهَا نِظَاماً لِأُلْفَتِهِمْ، وَعِزّاً لِدِينِهِمْ، فَلَيْسَتْ تَصْلُحُ الرَّعِيَّةُ إِلاَّ بِصَلاَحِ الْوُلاَةِ، وَلاَ تَصْلُحُ الْوُلاَةُ إِلاَّ بِاسْتِقَامَةِ الرَّعِيَّةِ" 5.

وقد استنتج من ذلك أحد المؤرخين المعاصرين في بحث حكومة الإمام علي عليه السلام قائلاً: "إن حديث الإمام يدل دلالة واضحة على أن حلّ المشكلات لا يتطلب فقط خليفة عادلاً فطناً وإدارياً ناجحاً فحسب، بل يتطلب أيضاً مجتمعاً متيقّظاً مدركاً لحقوقه وواجباته محبّاً للخير طالباً للعدالة".

يقول أمير المؤمنين في كتابٍ له إلى أحد عمّاله:

"أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ حَقّاً عَلَى الْوَالِي أَلّا يُغَيِّرَهُ عَلَى رَعِيَّتِهِ فَضْلٌ نَالَهُ، وَلاَ طَوْلٌ خُصَّ بِهِ، وَأَنْ يَزِيدَهُ مَا قَسَمَ اللهُ لَهُ مِنْ نِعَمِهِ دُنُوّاً مِنْ عِبَادِهِ، وَعَطْفاً عَلَى إِخْوَانِهِ.

أَلاَ وَإِنَّ لَكُمْ عِنْدِي أَلاَّ أَحْتَجِزَ دُونَكُمْ سِرّاً إِلاَّ فِي حَرْب، وَلاَ أَطْوِيَ دُونَكُمْ أَمْراً إِلاَّ فِي حُكْم، وَلاَ أُؤَخِّرَ لَكُمْ حَقّاً عَنْ مَحَلِّهِ، وَلاَ أَقِفَ بِهِ دُونَ مَقْطَعِهِ، وَأَنْ تُكُونُوا عِندِي فِي الْحَقِّ سَوَاءً" 6.


*الشورى حقّ الرعيّة

إنّ أحاديث أمير المؤمنين عليه السلام وخطبه لتزخر بالإشارة والتأكيد على الاتحاد والمشورة، خاصّة في ميدان العمل الاجتماعي. قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (الشورى: 35) ويخاطب القرآن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في قوله تعالى: ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ (آل عمران: 159)، فبالرغم من كونه رسولاً من قبل الله وأن الناس لا يتوقعون منه أن يطلب منهم رأياً أو مشورةً أو مشاركة، ولكنه كان يفعل ذلك لكي يربي في المجتمع قوة الشخصية ويجعل له احتراماً وأهمية، لتبقى بعده سنّةً متّبعة، وإن غزو الأحزاب وما أشار به سلمان الفارسي في حفر الخندق حول المدينة شاهد على ذلك.


*النصيحة... حقٌ لله

ثم يتحدث الإمام عليه السلام عن جانب التعاون في إقامة الحق قائلاً: "مِنْ وَاجِبِ حُقُوقِ اللهِ عَلى العِبَادِ النَّصِيحَةُ بِمَبْلَغِ جُهْدِهِمْ، وَالتَّعَاوُنُ عَلَى إقَامَةِ الْحَقِّ بَيْنَهُمْ. وَلَيْسَ امْرُؤٌ - وَإنْ عَظُمَتْ فِي الْحَقِّ مَنْزِلَتُهُ، وَتَقَدَّمَتْ فِي الدِّينِ فَضِيلَتُهُ - بِفَوْقِ أَنْ يُعَانَ عَلَى مَا حَمَّلَهُ اللهُ مِنْ حَقِّهِ. وَلاَ امْرُؤٌ - وَإِنْ صَغَّرَتْهُ النُّفُوسُ، وَاقْتَحَمَتْهُ الْعُيُونُ - بِدُونِ أَنْ يُعِينَ عَلى ذلِكَ أَوْ يُعَانَ عَلَيْهِ" 7.

وعلى أساس هذه الروح في معاملة الرعية يرى بعضهم حكومة الإمام علي عليه السلام واحدة من أرقى أشكال الديمقراطية في الإدارة والحكم، ذلك أنّ الإمام وبالرغم من سلطته الزمنيّة والروحيّة كان يحثّ الناس على الانتقاد ويشجعهم على الاعتراض. والاعتراض الذي يريده الإمام عليه السلام ذلك الذي ينطلق من أساس الحق بشرطيه:

الأول: حسن النية أي أن لا يكون وراء الاعتراض مصلحة شخصية كطمع في مال، بل الإصلاح.

الثاني: حسن التشخيص، أي أن يكون الاعتراض مبنياً على أساس من الإدراك والتشخيص الصحيح، بعيداً عن الانتقادات الجاهلة المدمّرة، التي تؤدي إلى الفوضى والقضاء على النظام.


1- نهج البلاغة، خطبة 216.
2- الوافي، الفيض الكاشاني، ج10، ص438.
3- نهج البلاغة، خطبة 176.
4- م.ن، خطبة 216.
5- نهج البلاغة، الرسالة 50.
6- م.ن.
7- م.ن.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع