الشيخ نعيم قاسم
"وَاجْعَلْ صَلاتَنا بِهِ مَقْبُولَةً, وَذُنُوبَنا بِهِ مَغْفُورَةً, وَدُعاءنا بِهِ مُسْتَجاباً. وَاجْعَلْ أَرْزاقَنا بِهِ مَبْسُوطَةً, وَهُمُومَنا بِهِ مَكْفِيَّةً, وَحَوائِجَنا بِهِ مَقْضِيَّةً. وَأَقْبِلْ إِلَيْنا بِوَجْهِكَ الكَرِيمِ, وَاقْبَلْ تَقَرُّبَنا إِلَيْكَ, وَانْظُرْ إِلَيْنا نَظْرَةً رَحِيمَةً نَسْتَكْمِلُ بِها الكَرامَةَ عِنْدَكَ، ثُمَّ لا تَصْرِفْهَا عنَّا بِجُودِك".
*الإيمان بالله مصدر طمأنينة
خُلق الإنسان ضعيفاً ومحتاجاً، فإذا ما رَكَنَ إلى قوّةٍ يلجأ إليها، اطمأنَّ وسَكَنتْ نفسُه. لذا، كان الإيمان بالله تعالى والارتباط به مصدرَ قوةٍ وطمأنينةٍ للمؤمن في مواجهة البلاءات والتحديات.
وبما أنَّ الإنسان يتأثّر بمن يراه ويعاشره في حياته، فقد كان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بين أصحابه وأنصاره الدور الكبير في قيادَتهم إلى فلاحهم وسعادتهم، وكانت حكمةُ الله تعالى أن تستمرَّ هذه الفعالية في حياة الناس من خلال ولاية وقيادة الأئمة الأطهار عليهم السلام، "لوْ بَقِيَتِ الأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ لَسَاخَتْ"(1).
ومع الوعد الإلهي بنصر المؤمنين، ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ (القصص: 5)، ووعده تعالى بقيادة الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف لمشروع إقامة العدل الإلهي على الأرض, تحوَّلت الغَيبَة الكبرى إلى أملٍ واعد، فعاش المؤمنون حضور الإمام الحجة عجل الله فرجه الشريف في حياتهم، كما لو أنَّه حاضرٌ بشخصه بين ظهرانيهم.
*الإيمان باعثُ الأمل
الارتباط بالولي هو الذي يهدي إلى الصراط المستقيم، وهو الذي يوصل إلى الله تعالى، قال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾(آل عمران: 31)، والوعد بقيادة خاتم الأوصياء لمسيرة الحق يبعثُ الأمَلَ في النفوس، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الأمل رحمة لأمتي، ولولا الأمل، ما رضَّعت والدة ولدها، ولا غَرَس غارسٌ شجراً" (2).
ترتكز منظومة التربية الإسلامية على النَّفس الإنسانية، التي يستهدفها المربُّون للتأثير عليها بحسب قناعاتهم ورؤاهم، ولذا عندما نعزِّر الارتباط بوليّ الله الأعظم صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف، فإنَّنا نضمنُ راحةً نفسيةً واقيةً من المعاصي، ودافعةً للفداء والتضحية، ومستقرةً على الالتزام بالإسلام. فالإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف وسيلةُ النجاة، وحاملُ الراية، ومسدِّد المؤمنين إلى سعادتهم في الدنيا وفلاحهم في الآخرة.
*به صلاتنا مقبولة
في دعاء الندبة: "وَاجْعَلْ صَلاتَنا بِهِ مَقْبُولَةً"، فنحنُ نؤدي صلاتنا قربةً إلى الله تعالى، لتنهانا عن الفحشاء والمنكر، وهي التي يشهد عليها الإمام الحجة عجل الله فرجه الشريف, فدعاؤنا لله تعالى أن يقبلها بولائنا له. "وَذُنُوبَنا بِهِ مَغْفُورَةً"، لأنَّ ارتباطنا به ومناجاتنا له تساعدنا على التوبة، فالقرب من إمامنا له آثاره النَّفسية والمادية التي تنعكس على تخلصنا من آثامنا.
"وَدُعاءنا بِهِ مُسْتَجاباً"، حيث يختزن الدعاء سرَّ النجاح بالصلاة على محمد صلى الله عليه وآله وسلم وآل محمد عليهم السلام، "وَاجْعَلْ أَرْزاقَنا بِهِ مَبْسُوطَةً, وَهُمُومَنا بِهِ مَكَفِيَّةً", فلجوءنا إلى إمامنا ووليّ أمرنا يحقِّق التوفيقات الإلهيّة لنا في حياتنا بعشق الإمام والتعلق به وتوسّل عونه وشفاعته، لتكون "حَوائِجنا بِهِ مَقْضِيَّةً".
*لا حزن ولا يأس معه عجل الله فرجه الشريف
الاعتقاد بصاحب الزمان عجل الله فرجه الشريف يترك آثاره النفسيَّة والمعنوية في حياة المؤمن، وينعكس على أدائه ومسيرته في هذه الدنيا:
1 - الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف خاتم سلسلة الولاية التي تجمع المؤمنين الصادقين تحت راية "حزب الله" الغالب والمنتصر والمرضي عنه: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾ (المائدة: 55 - 56).
2 - الأمل بالشفاعة المعطاة لأهلها، وهم الذين أذن لهم الرحمن بها، ومنهم المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشريف, قال تعالى:﴿وَلاَ يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلاَ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُون﴾ (الزخرف: 86).
3 - الوعد الإلهي في الدنيا بتمكين الدِّين, والنصر, والأمن من الخوف, بما سيكون عليه الحال عند ظهور الحجة عجل الله فرجه الشريف وقيادته للبشرية, ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن مُلئت ظلماً وجوراً، قال تعالى:﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (النور: 55).
4 - رضىً من الله تعالى عن المؤمنين بنهج الإسلام وقيادته والجهاد تحت لوائه، ﴿وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً﴾ (المائدة: 3)، ومنه الانتظار للفرج, والولاء لصاحبه وقائده المنتظر عجل الله فرجه الشريف.
فإذا ما توفرت هذه المعاني المرتبطة بالتسليم لقيادة ولي الله الأعظم عجل الله فرجه الشريف، فإنَّ حالة الطمأنينة والسعادة تكون محيطةً بالإنسان، فلا خوف ولا حزن ولا قلق ولا يأس، وإنَّما ثقة ورجاء واطمئنان وأمل، ﴿لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون﴾ (البقرة: 38).
*واقبل تقرّبنا إليك
ثم نعبرُ من الولي إلى الله تعالى، طلباً لحبِّه ورحمته ومغفرته، ففي دعاء الندبة: "وَأَقْبِلْ إِلَيْنا بِوَجْهِكَ الكَرِيمِ", فإقبالك علينا يا رب هو عنوان القبول، ولا قيمة لنا ولا مكان لنا ولا حياة لنا إن لم تقبلنا يا رب، بحق محمد صلى الله عليه وآله وسلم وآل محمد عليهم السلام، ليكون قبولك اجتيازاً لاختبار الدنيا نحو السعادة الأبدية.
"وَاقْبَلْ تَقَرُّبَنا إِلَيْكَ"، فمحاولاتنا للتقرب منك يا رب تشوبها الشوائب. فقد نقدِّم قرباناً لا تقبله، ولكن مع ارتباطنا بإمام الزمان عجل الله فرجه الشريف نندفع نحو تصحيح مسارنا، "انْظُرْ إِلَيْنا نَظْرَةً رَحِيمَةً نَسْتَكْمِلُ بِها الكَرامَةَ عِنْدَكَ"، فنحن نتَّكل على رحمتك يا ربّ ولا نطلُب عدلك، فـ "لا تَصْرِفْها عَنَّا بِجُوْدِك". أنت المنادي في كتابك العزيز: ﴿قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ قُلْ للهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ (الأنعام: 12).
وأنت الغفور الرحيم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ (الأنفال: 29).
العلاقةُ مع الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف منجاة المؤمنين، فهو قائد المسيرة الإسلامية في عصرنا وفي القادم من الزمان، وهو المسدِّد لنا من عثرات الطريق، وهو الهادي إلى طريق الحق في مواجهة الباطل والمبطلين، وهو أنيس المجاهدين بتحقيق الأمل الموعود في الدنيا قبل الآخرة، وهو الشفيع لمناصريه يوم القيامة.
(1) الكافي, الكليني, ج1, ص179.
(2) بحار الأنوار, المجلسي, ج74, ص173.