إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد

من القلب إلى كلّ القلوب: كورونا: ساحة نخوضها بمسؤولية

سماحة السيّد حسن نصر اللّه حفظه الله


إنّ فيروس "كورونا المستجدّ"، هو القضيّة الأولى اليوم التي لم تشغل لبنان أو دول وشعوب منطقتنا فحسب، بل شغلت العالم كلّه، وأصبح الهمّ الأوّل والأساس والحاكم على كلّ شيء. انطلاقاً من هذا الأمر، ما هي مسؤوليّاتنا الشرعيّة والدينيّة أمام هذه الأزمة؟

•الحفاظ على النفس البشريّة مسؤوليّة
نحن في لبنان عموماً، مسلمين ومسيحيّين، نؤمن بالله، وبيوم القيامة، وبيوم الحساب، وأنّنا سنُسأل. وكلٌّ حسب ديانته، يعرف أنّ الله سبحانه وتعالى أمر في تعاليمه السماويّة بالحفاظ على النفس البشريّة، واعتبرها أعلى شيء في القيمة، حتّى في الأحكام الشرعيّة والفقهيّة عندما يحتاط الفقهاء، فإنّهم يطلبون الاحتياط في الأموال، والأعراض، ولكنّ أعلى مستوى احتياط هو الاحتياط في الدماء، والحفاظ على النفس البشريّة، وكذلك الحفاظ على حياة الناس وسلامتهم، وهذا في أعلى سُلّم الواجبات بشكلٍ قاطع وحاسم.

إذاً، الواجب هو الحفاظ على نفسك، وعلى حياتك، وعلى سلامتك، وأيضاً على سلامة عائلتك، والناس من حولك. هذا واجبك الدينيّ، والإلهيّ، والشرعيّ. هذا الواجب ستُسأل عنه يوم القيامة، ومن يتخلّف عنه يرتكب معصية، وليس معصيةً عاديّةً، بل من أكبر المعاصي.

•الالتزام بالتوجيهات الصحيّة واجب
هذا الأمر لا يدخل في دائرة المستحبّات، بل في دائرة الوجوب، إذ يجب الالتزام بالتعليمات والتدابير المفروضة كافّة. من أجل ذلك، تصدّى مراجعنا الكبار لهذا الأمر، وأصدروا بيانات، وأجابوا على استفتاءات، والكلّ أفتى بوجوب الالتزام -وليس الاستحباب أو حريّة الاختيار- بالتوصيات الصادرة عن الجهات المسؤولة والمعنيّة الصحيّة والطبيّة والرسميّة التي تدير هذه المعركة، وخصوصاً في المجال الصحيّ.

•لا مفرّ من الحساب الإلهيّ
نحن لا نتحدّث بالقانون، وأنّه إن لم يلتزم أحد سيقوم الجيش أو القوى الأمنيّة أو القضاء بتوقيفه ومحاكمته؛ هذه محكمة الدنيا. أريد أن ألفت إلى محكمة الآخرة، وأنّ هذه المسؤوليّة تقع على عاتق الناس كلّهم؛ هذا الكلام ليس للمتديّنين فحسب، وإنّما موجّه للناس جميعاً.

يوم القيامة، أنتم معنيّون أن تجيبوا عن هذا السؤال أمام الله سبحانه وتعالى: هل حافظتم على أنفسكم، وحياتكم، وسلامتكم، وعائلاتكم، والناس حولكم؟ أو أنّكم تساهلتم، وفرّطتم، ولم تهتمّوا، ولم تلتزموا؟ الجواب عن هذا السؤال سيكون صعباً، والحساب عليه سيكون عسيراً.

في الدنيا، يمكن أن تفرّ من القضاء، والأمن، والقوى الأمنيّة، والملاحقة؛ ولكن في يوم القيامة لا يمكنك أن تختفي أو أن تفرّ من حكومة الله وقضائه.

•كما معارك المقاومة: المسؤوليّة الشرعيّة هي المنطلق
أعتقد أنّ الوازع الدينيّ والمسؤوليّة الدينيّة، هما من أقوى العوامل المساهمة في الانتصار في هذه المعركة، كما كان يحصل أيضاً في معارك المقاومة.

المعجزة التي صنعتها المقاومة ليس في عتادها فقط، ولا في عديدها، ولا في خبراتها، هذا عامل مهمّ وأساسيّ، ولكنّ العامل الأهمّ هي روحها العارفة، العاشقة، التقيّة، الورعة، المسؤولة، التي تتجاوز حدود الدنيا إلى الآخرة، التي تعمل ألف حساب لذلك الوقوف بين يدي الله سبحانه وتعالى عندما سنُسأل عن أرضنا المحتلّة، وعن مقدّساتنا، وأعراضنا، وخيراتنا، ومياهنا، وكرامتنا، وسيادتنا. هذه كانت الخلفيّة في المقاومة، ويجب أن نواجه هذه المعركة بهذه الخلفيّة نفسها أيضاً.

•الأهمّ لا يزاحمه مهمّ
وأمام هذا الواجب، قد يذهب بعض الناس إلى المزايدات؛ فعندما تطلب المرجعيّات الدينيّة الإسلاميّة الكبرى تعطيل صلوات الجمعة، والجماعة، وكذلك عندما يطلب العلماء والمرجعيّات الدينيّة المسيحيّة تعطيل الصلوات في الكنائس؛ فهذا يعني أنّه يجب الالتزام، لأنّ ثمّة أمراً أهمّ يجب أن نأخذه بعين الاعتبار، ونضع جانباً كلّ ما يزاحم هذا الأهمّ من دون أيّ تحفّظ أو تردّد، ولا يجوز أن يُفتح الباب فيه للمزايدات أمام أحد؛ لأنّه عنوان إنسانيّ تعبّر عنه الشريعة والأديان السماويّة.

•الصدق والشفافيّة
إذا شعر أيّ شخص أنّه أُصيب بهذا الفيروس، أو ظهرت عليه العوارض، يجب أن يكون شفّافاً وصادقاً، ويجب أن يكشف عن حقيقة الأمر للجهات المعنيّة، ويجب أن يذهب إلى المستشفى، ويقدّم نفسه للفحص، ليعرف هل هو مصاب أم لا، ويجب أن يذهب إلى العزل، أو الحجر الصحيّ المنزليّ إذا كان مصاباً.

أيّها الناس، هذا ليس مستحبّاً، بل هو واجب عقلاً، وأخلاقاً، وديناً، وشرعاً، ويجب أن لا يتساهل أحد في هذا الأمر، أو يشعر بالخجل من البوح بظهور العوارض لديه أو إصابته، ويجب أن لا يشعر أحد أنّ ذلك لا يناسب كرامته وموقعه. من يتستّر على هذا الأمر، فإنّه يرتكب معصية من أكبر المعاصي؛ لأنّه يمكن أن يؤدّي إلى قتله أو قتل آخرين.

وصل الأمر بأحد المراجع الكبار في قم المقدّسة أن أفتى، طبعاً ضمن معطيات وشروط معيّنة، بأنّ من ينقل العدوى إلى شخص آخر ويؤدّي إلى موته، يجب عليه أن يدفع دية القتيل، هذا حجم الموضوع، فلا يستهيننّ أحد به على مستوى المسؤوليّة الشرعيّة.

•الالتزام بالإجراءات والتدابير الحكوميّة
أيّها الناس، يجب الالتزام الكامل بالإجراءات والتدابير الحكوميّة، ليس فقط ما يصدر عن وزارة الصحّة، بل عن مختلف الوزارات، فعندما تُعلن وزارة التربية والتعليم أنّه يجب تعطيل المدارس، فيجب تعطيل المدارس كافّة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الجامعات، وأيّ مؤسّسات أو مرافق أخرى.

•الانعزال ووقف التجمّعات
أهمّ نقطة بما يتعلّق بالتدابير، وهي الآن العنصر الأهمّ في منع الانتشار أو الحدّ منه، هي وقف التجمّعات، واللقاءات، والأنشطة الثقافيّة، والدينيّة، والسياسيّة، ويجب الانعزال بحيث يجلس الفرد مع زوجته وأولاده في بيتهم، ولا يخرجون إلى أيّ مكان إلّا عند الضرورة.

•المواجهة السهلة
في الحقيقة، صحيح أنّ هذا المرض خطير، لكنّ مواجهته سهلة؛ وذلك إذا التزمنا بالإجراءات التالية:
غســل اليديــن باستمــــرار، التعـقيــــم، الانعزال، ووقــف التجمّعــات. هذه الأمــور تحتاج إلى قرار. قد يشكو أحد: إنّنا نشعر بالضجر والملل! هذه حرب، اعتبر نفسك في حالة الحرب، هل تذهب في حالة الحرب إلى التزلّج؟ أو تذهب للشواء على النهر؟ أو تقوم بالسياحة؟ لو سمحتم تعاملوا مع هذه الإجراءات على أنّها إجراءات حرب.

•أوقفوا مسيرات التشييع
أتوجّه إلى عوائل الشهداء، اسمحوا لي أن أطلب منكم، حينما تحين ذكرى سنويّة شهدائكم، أن لا تُقيموا الاحتفالات، أو الاجتماعات، أو مجالس العزاء في الحسينيّات والبيوت. وإذا ما سقط شهيد، أو توفّي أحد، يجب أن يحصل حدّ أدنى من التشييع، يُقتصر على عدد قليل من المشيّعين، وهم الأهل والخواصّ، الذين يقومون بإجراءات التشييع.

وكذلك الأمر بالنسبة إلى أسبوع الثلاثة، أو أسبوع السبعة،... يجب أن ننتهي من قضيّة أنّ أهل البلدة يشعرون بالحرج أمام العائلة، وأنّ عليهم الخروج كلّهم إلى التشييع. هذه من العادات الجميلة في بلداتنا وقرانا، لكن اتركوا هذا الجميل الآن جانباً، لأنّه لم يعد جميلاً في هذه المعركة. الجميل هو حدّ أدنى من المعزّين، وأقلّ عدد ممكن حتّى في التشييع، ولندع المجاملات والعادات والتقاليد جانباً. أنا أتمنّى عليكم حتّى نعبر هذه المرحلة، أن تخفّفوا هذا الأمر على الناس وعلى أنفسكم، أنتم أهل العزاء.

تناقلت بعض مواقع التواصل، أنّ إحدى العائلات قامت بإلغاء التعازي وذكرى الأسبوع الذي كان مقرّراً إقامته على روح أحد أمواتها. هم مشكورون وبارك الله بهم، هذا هو التصرّف المسؤول. إذاً، على عائلة المتوفَّى أو عائلة الشهيد أن تبادر وتقول للناس: اقرأوا الفاتحة لفقيدنا من بعيد، وادعوا له، وبارككم الله، لا نريد أكثر من ذلك.

•انعزلوا في قراكم أيضاً
ثمّة الكثير من الناس ممّن توجّهوا نحو قراهم وخفّفوا الضغط عن المدن، هذا شيء جيّد، ولكنّ الذهاب إلى القرى لا يعني أن نختلط بالناس، ونقوم بتجمّعات وسهرات وحفلات، وسياحة، لا، من يذهب إلى بيت القرية عليه أن يقفل الباب على نفسه وعائلته؛ لأنّ الفيروس قد انتشر في القرى أيضاً، كما هو حال المدن، على الرغم من أنّ خطورته في المدن أكبر بسبب الكثافة السكانيّة.

•التحيّة للفرق والأطقم الطبيّة
جميع أفراد الأطقم الطبيّة والإسعافيّة موجودون اليوم في الخطّ الأماميّ، ومن واجبنا أن نوجّه الشكر والتحيّة لكلّ الذين تحمّلوا مسؤوليّتهم خلال هذه الفترة، ونخصّ بالذكر وزير الصحّة، والفريق العامل في وزارة الصحّة، والمستشفيات الحكوميّة، وتحديداً مستشفى الرئيس رفيق الحريري الحكوميّ في بيروت، وإدارة المستشفى والأطبّاء والممرّضين والممرّضات، ويجب أن ندعمهم معنويّاً، وندعو لهم بالسلامة والحفظ، ويجب تأمين كلّ ما يمكن أن يساعد هذه الأطقم.

يضاف إلى ذلك فرق الإسعاف في المؤسّسات كلّها؛ الصليب الأحمر اللبنانيّ، والهيئات المختلفة، الكشفيّة، والصحيّة كلّها، هؤلاء يجب أن نوجّه لهم الشكر أيضاً.

•سوف نعبر هذه المرحلة
أسال الله سبحانه وتعالى العافية والسلامة للجميع، والنصر في هذه المعركة إن شاء الله.

فبالدعاء، والجهد، والعمل، والسهر، والصدق، والإخلاص، وبالتكاتف، سوف نعبر هذه المرحلة الصعبة، ونخرج من هذه الحرب منتصرين مرفوعي الرأس، بعون الله وبفضله سبحانه وتعالى.
 

(*) من كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) حول كورونا، الجمعة 13/3/2020م.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع