أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

تسابيح شهادة: أروى‏

ولاء إبراهيم حمود

 



أضواء وجوههم تنير مدرجات القاعة الغارقة بذكراهم. أسماؤهم تضي‏ء عتمة الجدار المقابل وهي تتهادى بين العريف والمذياع وجنبات القاعة.. وتشرق منصة الاحتفال بوجوه أمهاتهم... أجمل الأمهات هيبةً ووقاراً، لأجمل الأسماء... خلوداً وانتصاراً... علي محمد سويدان(1)...

وطال انتظار الجميع لقامتها المهيبة، لطلتها تنير منصة الاحتفال، واستدارت الوجوه باحثةً عنها... قالت إحدى الطالبات لجارتها: كانت أمه أحب مخلوق إليه... اسمها أروى (2)، وكان يحدِّثني عنها كثيراً. وتابعت الفتاة إلتفاتاتها الباحثة بين الوجوه عن وجهها... قومي يا أروى... لقد حان دورك، لقد ذكروا علياً، هيَّا تشجعي يا أم علي... لطالما شاقني حديثه عنك... لطالما تمنيت أن أعرفك، ولكن... اخترق الصمت الباهت صوتُ سيدة بدت أصغر من أن تكون أماً لعلي الذي كان يقف قبل العدوان على عتبة مستقبله خرِّيجاً جامعياً "قدّ الدني" فإذا به بعد العدوان يملأ الدنيا عزاً وانتصاراً، والآخرة عبادةً وحياةً...

وأصغت زميلته لصوتها، وقد سحب الأنظار كلها والآذان عن المنصة الأمامية إلى حيث وقفت تلك السيدة بين الحضور الذي وقع أسير هدوء نبرتها وقد زادها الحزن أناقةً ومهابة: ترفق بحالي يا جناب العريف، واغفروا لي دمعتي يا رفاق علي ورفيقاته... فأروى أخذت بيد علي وسارت معه حتى آخر الدرب... كانت أروى ككل الأمهات... تخشى على عليٍّ وخزَ أشواك الطريق فكانت تمشيها قبله، كي لا تجرِّح قدميه العصفورتين في قلبها... لأجله كانت "أروى" أماً لكل شباب القرية، كان القصف اللئيم ينهمر، وكان حبها لعليٍّ يتوزع عليهم جميعاً. كان اهتمامها به وبأخيه عقيل يهاجر إلى منازلهم ومنازلُهم متاريسُهم يا رفاق الدرب... من لا يعرف أروى لا يعرف أُماً كانت تحنو على أوجاع جراح الفرسان في قريتها، كانت يداها تعجنان لهم الخبز تحت وابل القصف، صدقوني... كانت تعجنه بماء الأمومة الحانية عندما عزَّ الخبزُ وفُقِدَ الماء... كان قلبها ملجأهم جميعاً.. كانت يداها أيضاً ترفآن ملابسهم المقاومة بأنامل الحب... كأنها ضاقت أو وسعت قياساً لعلي أو لعقيل(3)... توقف يا عريف الحفل باللَّه عليك... لا تنادِ علياً أو أمه، فالحياة لمن ناديت... ولكن عند ربهما معاً يرزقان من كرامات الشهادة في جنان اللَّه. إعلم أننا جئنا جميعاً نكرِّمها، لكنها سبقتنا ورافقته بشهادتيهما إلى حفل التكريم الإلهي الأبدي...

نادِها من هناك، عساها مع علي تجيب.. عظم اللَّه لك الأجرَ يا عريف الحفل، ويا رفاق علي، وأمهاتهم... فأم علي هناك معه، قربه، يدها في يده شهيدتان، وقلبها قرب قلبه يشهدان أن الحياة عند اللَّه للشهداء... وأمهاتهم. أوقفت زميلته البحث عن "أروى" وتخطت الحضور الواجم أسيراً للّحظة والصوت، ومضت تعانق طيف "أروى" في شقيقتها(4)... وقد بلَّل دمعهما معاً، عناقاً حميماً أيقظ الحضور من وجومه فاشتعلت الأكف بالتصفيق تشارك في تحية الدمع الحار الصادق وفاءً لعلي وتكريماً لأمه التي فرض استشهادها حضوراً لأم شجاعة خرَّجت من معهد أمومتها شهداءً أحياءً، وذلك بعد أن سلكت بخطاها المقاوِمة درب الشهادة، فكان غيابها عن حفل تكريم الشهداء أكثر قوةً في وجدان من حضروا...
 


(1) علي محمد سويدان: من شهداء الوعد الصادق في عدوان تموز... سنة رابعة إدارة أعمال في الجامعة اللبنانية.
(2) أروى: والدة الشهيد التي بقيت معه في قريتها ترعى شؤونه وإخوانه المجاهدين واستشهدت معه صائمة، أثناء أدائها للصلاة في ثوبها الأبيض، وفي جوارها كتاب اللَّه الذي احتفظ بقطرةٍ من دمها.
(3) عقيل: شقيق الشهيد الأكبر.
(4) شقيقتها: أسماء التي تركت دموعها أمانة في أذنيَّ، فكانت هذه القصة وتلك الدموع... تحية حب لها ولشهيديها العزيزين.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع