صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

آخر الكلام: الحياة في.. غرفة!


نهى عبد الله


كان الراتب مغرياً، فقبل الصديقان الوظيفة التي تنصّ على المداومة ستة أشهر في غرفة صغيرة، في منطقتين مختلفتين. كان عملهما روتينياً وسهلاً: مزاولة الأعمال المكتبية وتلّقي رسائل البريد الورقيّ وإرسالها. وقد صُمّمت الغرفة بنوافذ زجاجية واسعة على الجهات الأربع؛ تطلّ كل منها على جهاتٍ مختلفة: بحر، حديقة، منازل، سوق.

خلال الستّة أشهر، كان المركز يتلقى البريد من الموظَفَين. كانت رسائل الأول متشائمة، مقتضَبة، سلبية، وكثير من متابعاته عالقٌ دون نتيجة. فيما كانت تتسم رسائل الثاني بالإيجابية والأفكار البنّاءة، وجدول واضح بالأعمال التي ينجزها، والتي ينوي تحقيقها خلال الفترة الباقية.

انتهت المدّة، فأرسلت الشركة مراقباً لرفع تقرير عن عملهما، فكتب التالي: الموظف الأول؛ غرفته مُهمَلة، أعماله غير منتهية، يبقى شارد الذهن، يطيل التحديق من خلال النوافذ، يراقب الناس ويتابع أحوال الجيران. شرح لي، دون أن أسأله، أنّ هناك عائلة تسكن المنزل المقابل قد رزقت بمولود جديد اسمه كذا، يجاورها عريسان تزوجا حديثاً، وكان زفافهما أشبه بالخيال، وأخذ يروي تفاصيله... إنّه يتابع الجميع. بينما الموظف الثاني، غرفته مرتبة ومنظّمة، زيّن نوافذها بمزهريّات ورياحين، وضع على مكتبه رزنامة دَوَّن فيها ما يجب عليه إنجازه. سألته: هل تعرفت إلى جيرانك؟ فأجاب: نعم، عند الضرورة كحين أعطيت أحدهم رقم هاتف لطبيب مختصّ فقط لا غير.

ختم المراقب تقريره: أتصور أنّ كلاهما التزم البقاء في الغرفة، لكن أحدهما هرب منها عبر النوافذ، وبات الخارج يشغله عن عمله وواقعه، بينما أدرك الثاني أنّها مدة ستنتهي، وعليه أن يصرفها في إنجاز ما عليه، وفهم محيطه دون أن يسلبه وقته ووعيه.

ربما يكمن خطر العالم الافتراضي في أن نحوّله إلى غرفة كغرفة الأول مَهْرباً من الواقع، بدل أن يكون كغرفة الثاني مَعْبراً لهدف أكبر.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع