مع الإمام الخامنئي | المبعث حيّ... ونحن مخاطَبون* بأيّ جديد سيأتي الإمام المهديّ عجل الله فرجه؟ * أخلاقنا | لا تُفسد قلبك بالحسد (1)* الشهيد سليماني...كيف قدّمته الصحافة العالميّة؟ زوجة الجريح... شريكة الجهاد إقصاء الشيعة من التاريخ اللبناني!* «كيــف سأعيش من دون والديّ؟» آخر الكلام | أوّل اختبار نصيحة زوجين: ليتنا تعارفنا جيداً! عقد الزواج عهدٌ والتزام

في التعارف للزواج: أسئلة لا بدّ منها

الشيخ د. عبّاس كنعان*


تعدّ مرحلة التأسيس للزواج من أبرز المحطّات الحيويّة في حياة الإنسان، إذ يسعى من خلالها إلى بناء إطار ليعيش ضمنه مدى الحياة. وقد عظّم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من شأن هذه السنّة قائلاً: «ما بُني بناءٌ في الإسلام أحبّ إلى الله من التزويج»(1).
ولضمان نجاح الأسرة، لا بدّ من تفاهم الطرفين قبل الزواج حول القضايا الأساسيّة، كالإيمان، والقيم، والحياة المعيشيّة، والعاطفة، من خلال طرح أسئلة جوهريّة والحصول على إجابات واضحة وصادقة. فهذا التوافق المسبق يقلّل من خطر المشكلات المستقبليّة التي أشارت دراسات إلى أنّ أسبابها تعود غالباً إلى سوء الاختيار أو التعارف. نطلّ في هذا المقال على بعض الجوانب المهمّة التي يجب السؤال عنها وكيفيّة ذلك.

 
• في الجانب العقديّ والقيميّ
يمكن للطرفين أن يطرحا مجموعة من الأمور العقديّة والإيمانيّة التي من الضروريّ معرفة موقف الآخر منها، ومدى فهمه لها، مثل أولويّة العلاقة مع الله تعالى، ومدى ارتباطه بالتكاليف الشرعيّة في حياته الخاصّة والأسريّة والاجتماعيّة العامّة، ومدى ارتباطه بولاية أهل البيت عليهم السلام، وتجلّياتها في عصر الغيبة، وكيف يمكن للإنسان تشخيص دوره وتكليفه في غيبة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، وهذا ما يمكن أن يحدّد مستوى وعي كلّ منهما، وتوجّههما الإيمانيّ والعقديّ. فضلاً عن الأسئلة التي ترتبط بالقيم الأخلاقيّة التي لا يمكن للطرف الآخر التنازل عنها، لأنّها تشكّل محور علاقته مع الآخرين داخل الأسرة أو المجتمع، كأن يُطرح سؤال عن القيم الأساسيّة التي لا يمكن التغاضي عنها في الحياة الأسريّة، كالصدق، والعدالة، والاحترام، وحفظ الكرامة، والمحبّة، والتعاون، وهذا ما بيّن أهميّته رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: «إذا جاءَكُم مَن تَرضَوْنَ خُلُقَه وَدِينَه فَزَوّجُوه»(2).

• في جانب الطبائع ونمط الشخصيّة
تُشكّل الطبائع والأمزجة الشخصيّة والفرديّة مدخلاً أساسيّاً في بناء العلاقة مع الطرف الآخر داخل الأسرة وخارجها. لذا، فإنّ تحديد المزاج ونمط الشخصيّة لكلّ من المرأة والرجل المقبلَين على الزواج ضرورة لا يمكن إغفالها، إذ يمكن أن يطرح كلّ طرف على الآخر الأسئلة الآتية:
«كيف تتعامل مع الغضب والانفعال؟ إلى أيّ مدى يمكن أن يشكّل الحوار والنقاش ضرورة للتفاهم؟ هل تميل إلى الانسحاب أم إلى أمرٍ آخر؟
ما أهمّ مصادر التوتّر لديك؟ وكيف يمكن التعامل معها؟ أو كيف يمكن معالجتها؟ كيف يمكن أن تتعامل مع الخلافات أو المشكلات الزوجيّة؟».

• في الجانب الحياتيّ
يمكن أن يسعى أحد الطرفين إلى فهم الآخر والاتّفاق معه على جملة من الأمور الحياتيّة، مثل مكان السكن وطبيعته، وطبيعة عمل كلّ منهما، وكيفيّة التوفيق بينه وبين الواجبات الأسريّة والاجتماعيّة الأخرى، والأولويّات التي تؤثّر في هذا الجانب، وكذلك مسألة متابعة الدراسة وتفاصيلها، وطبيعة العلاقات مع أهل كلّ طرف من الطرفين، ومساحة تدخّل الأهل، وغيرها من الأمور الحياتيّة الضروريّة.

• في جانب الأبناء والوظائف الأسريّة
في هذا الجانب، ثمّة مجموعة من الأمور المهمّة التي يجب السؤال عنها، كمسألة الإنجاب ومعدّله (يمكن تأجيل هذا الموضوع إلى مرحلة الخطوبة)، وتربية الأبناء والتعامل معهم، ودراستهم، والتعاون في مسألة تربيتهم.
إنّ ما طرحناه من أمثلة عن الأسئلة هي على نحو المثال لا الحصر، بحيث يمكن للطرفين أن يطرحا كلّ ما يمكن أن يشكّل بالنسبة إليهما أمراً ضروريّاً في حياتهما، خاصّة مع ملاحظة الظروف المحيطة(3).

• الأسئلة للتعارف وليست للتحقيق
إنّ طريقة طرح الأسئلة في مرحلة التعارف هي مفتاح الفهم الحقيقيّ للآخر، ولها مجموعة من الشروط:
1. ينبغي أن تُطرح الأسئلة بأسلوب استكشافيّ وليس اختباريّ؛ بمعنى أن تأتي بطريقة انسيابيّة هادئة، في إطار حوار ونقاش مفتوح.
2. يمكن أن تُطرح الأسئلة بناء على اتّفاق مسبق حول المحور المراد نقاشه.
3. يمكن لكلّ طرف أن يدرك طبيعة الآخر من خلال كيفيّة طرح الأسئلة والإجابة عنها، وطريقة التعامل معها.
4. يمكن اللجوء إلى استشارة علميّة وإرشاديّة لحلّ نقاط الخلاف التي تظهر خلال النقاش، بهدف فهمها وتقديم توجيهات بنّاءة للتعامل معها.
5. بعض الأسئلة لا تُقاس بالكلام بل بالفعل، إذ لا بدّ من ملاحظة السلوك الحقيقيّ والتجارب العمليّة لتأكيد صدق الإجابات وثباتها في الحياة اليوميّة.
6. إذا ظهر اختلاف حول أيّ إجابة، فهذا لا يعني نهاية التعارف، بل قد يصبح فرصة لإعادة التفاهم والتوافق حول كيفيّة التعامل مع المسائل الخلافيّة بروح بنّاءة وواقعيّة.
7. يمكن ترتيب الأسئلة والإجابات حسب الأولويّات، فإذا بقي خلاف حول مسألة معيّنة، ينبغي على كلّ طرف أن يسأل نفسه: كيف يمكن أن أتعامل مع هذه المسألة الخلافيّة؟ إلى أيّ مدى تشكّل ضرورة في حياتنا الأسريّة المستقبليّة؟ هل ثمّة أساليب يمكن اعتمادها لحلّ هذه المشكلة؟ وكيف؟
إنّ الإجابات عن الكثير من الأسئلة يمكن أن تحدّد مدى التكافؤ بين الطرفين وتفاهمهما وتوافقهما، وليس بالضرورة أن يحصل كلّ طرف على إجابات نهائيّة عن السؤال الذي طرحه، لكنّه بالتأكيد سوف يكشف عن جانب من جوانب الشخصيّة الأخرى، وكيف يمكن أن يتعامل معها.

• مسؤوليّة ورسالة
إنّ مرحلة التعارف التي تسبق الزواج ليست مرحلة شكليّة ولا تفصيلاً عابراً، بل الركيزة الأساسيّة التي يُبنى عليها مستقبل الأسرة. فكلّما كانت هذه المرحلة واعية، قائمة على الصراحة والوضوح والحوار المتّزن، ازدادت فرص بناء أسرة متماسكة ومستقرّة، قادرة على مواجهة متغيّرات الحياة وتحدّياتها. إنّ طرح الأسئلة، وفهم الإجابات، واختبار صدقيّة القيم والسلوكات، عوامل تمكّن الطرفين من اكتشاف مستوى الانسجام المعرفيّ والعاطفيّ والسلوكيّ بينهما، وتُسهم في تعزيز القناعة والطمأنينة قبل اتّخاذ الخطوة النهائيّة.
ولا يعني وجود اختلافات بين الطرفين بالضرورة الفشل أو عدم التوافق، بل إنّ إدراك هذه الفروقات في وقت مبكّر يمنح الفرصة لإعادة ترتيب الأولويّات والبحث عن أساليب للتكامل بدل التصادم. فالعلاقة الأسريّة ليست علاقة تطابق تامّ، بل تناغم قائم على الاحترام والتفاهم والمرونة.
كما إنّ الاستعانة بالخبرات التربويّة والاستشاريّة الموثوقة، ومراجعة التجارب الواقعيّة، والرجوع إلى القيم الدينيّة والأخلاقيّة، تشكّل جميعها عناصر دعم أساسيّة لهذه المرحلة الحسّاسة. فالزواج في جوهره مسؤوليّة ورسالة، تقومان على المودّة والرحمة كما قال الله تعالى: ﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ (الروم: 21).
نسأل الله تعالى أن يوفّق كلّ مقبلٍ على الزواج لاختيارٍ سديدٍ مبارك، يثمر سكينةً وطمأنينةً واستقراراً، ويجعل من بيوتنا بيوتَ نورٍ وإيمانٍ ومحبّة وأمان.


* أستاذ جامعيّ وحوزويّ.
1. وسائل الشيعة، الحرّ العامليّ، ج 14، ص 51.
2. تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، ج 7، ص 394.
3. كطرح بعض الأسئلة المرتبطة بالجوانب العقديّة، والسياسيّة، والاجتماعيّة الأساسيّة.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع