مع الإمام الخامنئي | لا تنبهروا بقوّة العدوّ* نور روح الله | لو اجتمع المسلمون في وجه الصهاينة* كيف تكون البيعة للإمام عند ظهـوره؟* أخلاقنا | كونوا مع الصادقين* الشهيد على طريق القدس عبّاس حسين ضاهر تسابيح جراح | إصابتان لن تكسرا إرادتي(1) على طريق القدس | «اقرأ وتصدّق» مشهد المعصومة عليها السلام قلبُ قـمّ النابض مجتمع | حقيبتي أثقل منّي صحة وحياة | لكي لا يرعبهم جدار الصوت

التمسك بالثقل الثاني تكليف أساسي


يُختصر منهج الإسلام في التربية التكاملية للإنسان بكلمة العبودية. والتي تعني بجوهرها الخضوع التام والتسليم المطلق لإرادة الله خالق الخلائق أجمعين. فالعبد هو الممتثل المتعبد بأوامر سيده، لا يعترض عليه في شيء. وهو ينظر إلى الأشياء بمنظار مولاه. فما يقدمه المولى يقدمه، وما يؤخر يؤخره.

وإن كل مسلم واعٍ يعلم جيداً- وخصوصاً عندما يجول في رحاب الشريعة الإسلامية- أن بين التكاليف الإلهية مراتب ودرجات. فبعضها مقدم وبعضها متعلق بغيرها، والبضع لا يصح بدون البعض الآخر. وإن مثل هذا التقديم والترتيب هو الذي يقدم الشريعة كمنهاج متكامل في نسيج موحَّد يبدأ في تربية الإنسان ليكون في النهاية إنساناً كاملاً في جميع أبعاد وجوده.
فعظمة الشريعة لا تبرز في شموليتها لكل أبعاد وشؤون البشر فحسب، بل أن هذا الترتيب الرائع والتصنيف المدهش هو الذي أعطاها روحاً باقية قوية.

ومن الشبهات العلمية أو العملية الشائعة بين المهتمين بعالم السلوك والمعنويات شبهة أساسية تتعلق بعدم إدراك العلاقة الحقيقية بين الأحكام. بل يمكن القول أن منشأ الكثير من الانحرافات المسلكية يعود إلى هذه النقطة بالذات.

فكثيراً ما يحار السالكون في سلوكهم حول أي شيء ينتخبون. ولذا تجد البعض منهم يختار كل حين ورداً خاصاً، وما أن ينتهي منه حتى يبدأ برحلة شاقة من جديد، لا تورثه إلا حيرة فوق حيرة. وسبب كل ذلك هو ما أسلفنا، حيث لا ينهض هؤلاء قياماً لله ولا يخطون بقدم العبودية التامة. بل يسلكون بقدم الأنانية وطلب حظوظ النفس وهم يستغلون الشريعة للوصول إلى مرامهم. فما معنى أن يعيش السالك في أذكاره التي تملأ ليله ونهاره منتظراً حصول التجليات وطالباً للمكاشفات!!.
وما معنى أن يفقد بعض برهة ما وصل إليه بقوة الذكر؟!
العبد الحقيقي لله لا يطلب شيئاً، لأنه لا يرى لنفسه استحقاقاً. ولا ينتظر شيئاً من نفسه لأنه يعلم أن عمله الصالح هو محض التوفيق والمنّة من الله تعالى. فالعبد هنا مستغرق في عبوديته لله واقف بين الخدمة والمنّة، فكيف يطلب التجليات والمشاهدات.

نعم، هذا العبد إذا طلب توفيق الشهود، فذلك لأنّ سيده أمره بذلك. وإذا سأل الله الجنة والخلاص من الجحيم فلأن ربه سبحانه يحب له ذلك. بل إن العزيز الجبار سبحانه يأمرنا بأن نرجع إليه في كل شيء لأن في الرجوع دوماً تعبيراً عن العبودية. والسؤال لازم العبودية والفقر. وقد ورد في الأحاديث أن الله تعالى أمر نبيه موسى عليه السلام قائلاً: يا موسى سلني ملح عجينك. وعند أصحاب هذه الطريقة وأتباع الشريعة، فإن ترك السؤال هو نوع من المجافاة ولا يخلو من رعونة.

فإذا استعد القلب بهذا الكلام، نقول: أن الله سبحانه وتعالى قد بين في محكم كتابه، كما على لسان أوليائه "أن محبة الرسول وأهل بيته واجب إلهي". وبأدائه تصح عبودية السالك، وتتخذ أعماله صبغة القبول. وبدون هذه المحبة لا تنفع المجاهدات الكبرى والرياضات العظمى مهما بلغت. وإلى هذا المعنى إشارة في الحديث الشريف المروي عن الإمام الصادق عليه السلام والذي ستتضح معانيه وتنجلي معرفة مصاديقه لاحقاً. يقول الإمام الصادق عليه السلام: "عبد حبر من أحبار بني إسرائيل الله حتى صار مثل الخلال، فأوحى الله تعالى إلى نبي ذلك الزمان أن قل له وعزتي وجلالي وجبروتي لو أنك عبدتني حتى تذوب كما تذوب الآلية في القدر (الوعاء) ما قبلت منك حتى تأتيني من الباب الذي أمرتك".

فكما كان علي عليه السلام باباً إلى مدينة علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يمكن الدخول إليها إلا منه عليه السلام، فكذلك محبته هي باب للدخول إلى عالم التكاليف والشريعة السمحاء.
فالإسلام بدون محبة أهل البيت لا روح له، والشريعة بدون مودتهم فاقدة للطريقة، لا تكون إلا مجموعة من الطقوس والأفعال.
وحب أهل البيت له وجهان في دين الإسلام. الوجه الأول يُطل على العقيدة فيصححها، كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام: "لولاك يا علي ما عُرف المؤمنون ن بعدي".
وأيضاً ما ورد: "حبك إيمان وبغضك كفر ونفاق".

والوجه الآخر يطل على الأعمال فيأخذها إلى وجهتها المطلوبة وغايتها المنشودة، وإلى هذا المعنى إشارة في حديث الإمام الصادق عليه السلام عن محمد بن الفضيل قال: "سألته عن أفضل ما يتقرب به العباد إلى الله عزّ وجلّ قال: أفضل ما يتقرب به العباد إلى الله عزّ وجلّ: طاعة الله وطاعة رسوله وطاعة أولي الأمر. ثم قال عليه السلام: حبنا إيمان وبغضنا كفر".
وقد يُعبَّر عن هذه المحبة مجتمعة بالولاية. لأن في الولاية معنيان هما في المحبة أيضاً. الأول: القرب. فالحبيب قريب من حبيبه. والثاني: الاتباع، لأن المحبة تدفع إلى الطاعة والانقياد.
ومن أجمل ما ورد بهذا الشأن فقرة في الزيارة الجامعة المشهورة "وبموالاتكم عرَّفنا الله معالم ديننا. وأصلح ما فسد من دنيانا"، ويبقى بعد هذه المقدمة، البرهان عليها. فكيف استدلينا على أن محبة أهل البيت تعتبر تكليفاً أساسياً؛ بأدائه يصح إيمان العبد وسلوكه؟ وما هو الدليل على أن المحبة هنا مقدمة على جميع الواجبات الشرعية؟ ثم يتفرع الكلام إلى مسائل مهمة وهي:
1- ماهية المحبة وحقيقتها.
2- دور المحبة وأثرها.
3- تحصيل المحبة وتكاملها.
أما حول البرهان، فيوجد طريقان وكلاهما قوي. فالأول يعرف من خلال مجموع الآيات والروايات والسير في رحاب السُنَّة النبوية
المباركة لأهل بيت العصمة عليهم السلام. والثاني يتضح بعد معرفة حقيقة المحبة ودورها في حياة الإنسان وسلوكه.
ولمزيد من التوضيح نلفت النظر إلى أن بحثنا هذا يرتبط بالدرجة الأساسية في بيان تفاصيل وأبعاد الطريق الوحيد للوصول إلى الله. فالحديث يدور حول معالم هذا الطريق لكي لا يبقى أمام السالك أي نقطة حيرة وضياع. وبالتالي، فإن البحث حول محبة أهل البيت عليهم السلام جاء في سياق بيان حقيقة العبودية التي قوم على أساس أداء التكليف والتعبد المحض. وإن ما ظهر من مجموع التكاليف هو أن محبة أهل البيت عليه السلام تعد إلى جانب التمسك بالقرآن الكريم أعظم تكليف إلهي، بل هي المصححة لكل التكاليف.

ولا بأس أن نذكر في هذا المجال ملاحظة تبادرت إلى الذهن عند كتابة هذه الكلمات. فمن العجيب ما يحمله البعض في نظرتهم إلى التعاليم الأخلاقية من أفكار متهافتة. وهي، بالرغم من عدم صحتها وضعفها، رائجة إلى حد كبير في مجتمعاتنا وبين أوساط المهتمين. بالأبعاد المعنوية أيضاً. فهذه الأفكار والتصورات تُظهر البعد المعنوي في الإسلام هشاً ضعيفاً غير قادر على الإجابة عن كثير من التساؤلات وتلبية الحاجات. إن السمة البارزة للمعتقدين بهذا الفكر هي أنهم يرون المسائل الأخلاقية سيالة مائعة لا تقبل الثبات بمعنى المنهج الواضح والدقيق. وينشأ هذا التصور من مجموعة من التوهمات كاعتبار المسائل الأخلاقية من الأمور المستحبة (عند هؤلاء يكون هذا التوهم في أحسن الأحوال!!) ونظراً لأن المستحبات من السنن التي يُتسامح بشأنها- حسب اعتقادهم- فامرؤ وما اختار! وهذه الأخلاق بحر واسع فليغترف منه الإنسان بقدر سعته وكيفما شاء!

فما أعجب هذا التصور، وما أوضح تهافته وسقوطه. لقد أدرجوا ما يكون عاملاً حاسماً في سعادة الإنسان أو شقائه المصيري في خانة المستحبات. ولم يكتفوا بهذا المقدار، وإنما استفادوا من التسامح في أدلة السنن بما يجعل هذا العامل المصيري عرضة للتلاعب والضياع. وهكذا خرجت التعاليم الأخلاقية عن دورها العظيم في مجتمعنا الإسلامي.
ولكن هذا الضياع لم يستمر. فقد نهض في آخر الزمان رجل من قم وجمع بين الاجتهاد والعرفان في سيرته العلمية والعملية وأعاد للأخلاق الإلهية حرارتها الكبرى حيث ألهب قلوب عشاقه من جمرة بركانه. لقد قال إمامنا الراحل:
"إن البرامج الأخلاقية والدروس التي تهدف إلى تهذيب النفوس وتعليم المعارف الإلهية التي هي الهدف الأساسي لبعثة الأنبياء عليهم السلام، كل ذلك ينبغي أن يكون في صلب المواد التي يدرسها الطلاب" (الجهاد الأكبر).
ثم قال (سلام الله عليه) في تحرير الوسيلة:
"اعلم أنه يجب على كل مكلف غير بالغ مرتبة الاجتهاد في غير الضروريات من عباداته ومعاملاته ولو في المستحبات والمباحات أن يكون إما مقلداً أو محتاطاً... فعمل العامي غير العارف بمواضع الاحتياط من غير تقليد باطل..." (المقدمة) هذا الإمام العظيم قد أخرج التعاليم الأخلاقية من حفرة الضياع وجعلها في صلب البرامج الإسلامية. وعلى فرض أن التعاليم الأخلاقية من المستحبات، فلا تصح بدون الرجوع إلى المرجع والتقليد فيها.

فهل بعد هذا البيان يصح أن نقول أن الإسلام لا يقدم منهجاً متكاملاً وقوياً وواضحاً في مجال التربية المعنوية؟!.
ويوجد شبهة أخرى قد تُوهِمُ باطلاً، حيث يخلط البعض ما بين المنهج والموعظة. فالموعظة هي أسلوب بيانٍ للمنهج، وهي من أقوى الأساليب التي يمكن أن توصل المنهج إلى الآخرين. وصحيح أن الموعظة تتميز بميزة أساسية وهي البعد عن الاستدلالات والقياسات المنطقية والعقلية. ولكن هذا لا يعني أنها لا ينبغي أن تنطلق منها. بل أن المواعظ التي لا ترجع إلى أساس فكري متين وإلى منهج واضح ستصل إلى طريق مسدود، وتترك المستمعين في حيرتهم الأولى بل أشد من ذلك.
وسيأتي الكلام إن شاء الله تعالى.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات: