مع الإمام الخامنئي | المبعث حيّ... ونحن مخاطَبون* بأيّ جديد سيأتي الإمام المهديّ عجل الله فرجه؟ * أخلاقنا | لا تُفسد قلبك بالحسد (1)* الشهيد سليماني...كيف قدّمته الصحافة العالميّة؟ زوجة الجريح... شريكة الجهاد إقصاء الشيعة من التاريخ اللبناني!* «كيــف سأعيش من دون والديّ؟» آخر الكلام | أوّل اختبار نصيحة زوجين: ليتنا تعارفنا جيداً! عقد الزواج عهدٌ والتزام

أخلاقنا | لا تُفسد قلبك بالحسد (1)*

السيّد الشهيد عبد الحسين دستغيب قدس سره 


من الذنوب القلبيّة والأمراض النفسيّة القاتلة، مرض الحسد؛ فهو بلاء مهلك يفتك بدين من ابتُلي به وبدنياه.

• بين الحسد والغبطة
الحسد هو أن يتألّم المرء لرؤية نعمةٍ لدى غيره كالمال أو الولد، أو فضيلةٍ كالعلم أو الشجاعة أو الكرم، فيستاء ويشعر بضيق، ولا يحتمل ذلك، ويتمنّى زوال تلك النعمة عن صاحبها، سواء اكتفى بتمنّي زوالها مطلقاً، أم تمنّى انتقالها إليه. إنّ صاحب هذه الحالة الباطنة حاسد، والشخص الذي أنعم الله عليه هو المحسود.
أمّا إذا لم يتأذّ الشخص من نعمة أنعم الله بها على غيره، ولم يتمنَّ زوالها عنه، بل اقتصر تمنّيه على أن ينال هو أيضاً مثل تلك النعمة التي حصل عليها غيره، فإنّ هذه الحالة تسمّى «غبطة».
والغبطة في النِّعم الدنيويّة مباحة، وفي النِّعم الأخرويّة مطلوبة. ويجب الانتباه إلى أنّ جميع الناس: الرجل والمرأة، العالم والجاهل، الوضيع والشريف، الثريّ والفقير، القادر والعاجز، معرّضون للتلوّث بهذا المرض القاتل (الحسد)، لذا، على كلّ مسلم أن يعرفه حتّى لا يُبتلى به، وإذا كان قد ابتُلي به فليعالج نفسه حتّى لا يحترق بناره في الدنيا والآخرة.

• الحسد في ضوء القرآن الكريم
تطّرق القرآن الكريم في آيات عدّة إلى الحسد، وحذّر من أفعال الحاسد السيّئة:
1. الحاسد يردّ المؤمن عن دينه: قال تعالى: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (البقرة: 109)؛ فبعد أن تبيّن لأهل الكتاب أنّ الإيمان بالنبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم نعمةٌ عظيمةٌ منحها الله للمؤمنين، وأنّ من ثمراته اتّحاد قلوبهم وتماسكهم، أخذهم الحسد، فتمنّوا زوال هذه النعمة عنهم، وسعوا إلى صرفهم عن دينهم.


2. الحاسد ينكر فضائل أهل البيت حسداً: كثير من الذين كرهوا فضائل أهل بيت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، أنكروا حقّهم وفضائلهم، بل وضعوا روايات كاذبة في فضائل أعدائهم حسداً: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ﴾ (النساء: 54). في هذه الآية توبيخٌ شديدٌ وإنكارٌ صريحٌ للحسد، ونهيٌ عن تمنّي زوال النِّعم التي أنعم الله بها على غيرهم، سواء أكانت نعماً ظاهرة كالمال والولد والجاه، أم مقاماتٍ معنويّة كالنبوّة التي خصّ الله بها نبيّه محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم، أم الولاية التي منحها سبحانه لآل محمّدٍ عليهم السلام، والتي كان أعداؤهم يحسدونهم عليها.


3. الحاسد يتمنّى نعمة غيره لنفسه: ﴿وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾. (النساء: 32).
أي لا يقل أحدكم: «ليتني كنت مكان فلان»، أو «ليت هذه النعمة تُنزع منه وتُعطى لي»، كحسد الأخت أخاها على سهمه من الإرث الذي هو ضعف نصيبها، أو الجاهل الذي يحسد غيره على بيته أو ثروته، ويتمنّى أن تزول تلك النعمة عن صاحبها ويحصل على مقامه ومكانته.


4. الحاسد شرّ يُستعاذ منه بالله: ﴿وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾ (الفلق: 5). في هذه الآية الشريفة، شبّه الله الحاسد الذي هو في حقيقته شيطانٌ إنسيّ، بالشيطان الجنيّ في العداوة والضرر؛ فهذا الأخير عدوّ خفيّ يغتنم غفلة الإنسان ليوقعه في الشرّ، ولا ملجأ منه إلّا بالاستعاذة بالله. وكذا الحاسد، فإنّ شرّه لا يُدرَك قبل أن يقع، إذ لا يمكن التنبّؤ به أو التعرّف عليه قبل أن ينفذ حسده إلى المحسود. ولو عُرف مسبقاً، لاتّخذ المحسود الحيطة منه. ولعلّ الإنسان يكون له حسّاد كثيرون، وهو غافل عن المؤامرات الدقيقة التي تُحاك ضدّه بخبثٍ وخفاء. ولذلك، فإنّ الوسيلة الوحيدة للنجاة من هذا الشرّ الخفيّ هي اللجوء إلى الله تعالى والاستعاذة به، سائلاً إيّاه أن يحميه بقدرته من شرّ الحاسدين.

• الروايات الشريفة تذمّ الحسد
ذكرت أحاديث كثيرة بعض آفات الحسد، منها:
1. الحسد يأكل الإيمان: الحسد يقضي على الإيمان، قال الإمام الصادق عليه السلام: «إنّ الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب”(1)؛ ذلك أنّ الحسود ينشغل قلبه بالغضب على المحسود، فلا ينصرف إلى ذكر الله والآخرة، ولا يوفّق للحصول على نور الإيمان. إنّه لا يرى عيوب نفسه ليصلحها، ولا يتذكّر ذنوبه التي لا تُحصى حتّى يتوب إلى الله منها، ولا يعرف حضور القلب في الصلاة، وسائر العبادات حتّى يكون له عمل صالح.

2. الحسد آفة الدين وعلامة النفاق: قال الإمام الصادق عليه السلام: «آفة الدين الحسد والعجب والفخر»(2). و «إنّ المؤمن يغبط ولا يحسد، والمنافق يحسد ولا يغبط»(3).

3. الحسد سببٌ في الإخراج من الجنّة: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «معاشر الناس، إنّ إبليس أخرج آدم من الجنّة بالحسد، فلا تحسدوا فتحبط أعمالكم وتزلّ أقدامكم»(4).

• الحسد في فتاوى فقهاء
قال الشيخ المفيد: «ولا تُقبل شهادة الفاسق ولا ذي الضغن والحسد»(5). وقال ابن إدريس في السرائر: «الحسد حرام وكذا بغض المؤمن، والتظاهر بذلك قادح في العدالة»(6). وقد عدّد الشهيد الأوّل في الدروس الكبائر، وذكر أنّ منها: «إظهار الحسد للمؤمن والبغضاء»(7).
ومن الذين سلّموا بحرمة الحسد المحقّق المازندراني في شرح أصول الكافي.
وقال العلامة المجلسي في شرح الكافي وبحار الأنوار إنّ المشهور بين الفقهاء أنّ الحسد حرام مطلقاً، سواء أظهره الحاسد أم لم يظهره.

• مراتب الحسد
قال الفاضل النراقي في كتابه جامع السعادات: تنقسم نظرة الحاسد إلى المحسود ثلاثة أقسام:
1. أن يفرح بوقوع البلاء فيه، أو يكتم فرحه من دون أن يُظهره بالقول أو الفعل، أو أن يُقدِم على إيذائه لفظاً أو عملاً. وهذا القسم حرامٌ مطلقاً، وصاحبه عاصٍ حتماً.
2. أن يشعر بسرورٍ داخليّ بما يؤذيه، لكنّه عقلاً يكره هذه الحالة، ويتألّم لوجودها في نفسه، ويتمنّى لو تخلّص منها لو استطاع. وهذا القسم معفوٌّ عنه باتّفاق الفقهاء.
3. أن لا يُظهر حسده، ولكنّه لا يستاء منه، ولا يطلب زواله من نفسه، وهذا القسم محلّ خلاف، والحقّ أنّه حرام وصاحبه عاصٍ(8).

التتمّة في العدد القادم بإذن الله.


*مقتبس من كتاب: القلب السليم، للشهيد دستغيب، ج 2، ص 393 - 407.
1. الكافي، الشيخ الكليني، ج 2، ص 306.
2. المصدر نفسه، ج 2، ص 307.
3. المصدر نفسه.
4. مستدرك الوسائل، الشيخ الطبرسي،
ج 12، ص 16.
5. المقنعة، الشيخ المفيد، ص 726.
6. قواعد الأحكام، العلامة الحلّي، ج 3، ص 495.
7. يمكن القول إنّ الشهيد وسائر الفقهاء الذين حرّموا إظهار الحسد، لا يصحّ أن يُستنتج من كلماتهم أنّهم لم يحرّموا الحسد نفسه، لأنّهم كانوا بصدد تعداد الذنوب التي توجب الفسق وتسقط العدالة. ولأنّ الحسد أمر خفيّ لا يُعلم إلّا إذا أُظهر، فلم يذكروه. والخلاصة: إنّ عبارة الشهيد الأوّل ترجع إلى معنى عبارة الشهيد الثاني نفسها، وعليه، فحرمة الحسد محلّ اتّفاق.
8. انظر: جامع السعادات، النراقي، ج 2، ص 209 – 212.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع