مع الإمام الخامنئي | المبعث حيّ... ونحن مخاطَبون* بأيّ جديد سيأتي الإمام المهديّ عجل الله فرجه؟ * أخلاقنا | لا تُفسد قلبك بالحسد (1)* الشهيد سليماني...كيف قدّمته الصحافة العالميّة؟ زوجة الجريح... شريكة الجهاد إقصاء الشيعة من التاريخ اللبناني!* «كيــف سأعيش من دون والديّ؟» آخر الكلام | أوّل اختبار نصيحة زوجين: ليتنا تعارفنا جيداً! عقد الزواج عهدٌ والتزام

الشهيد سليماني...كيف قدّمته الصحافة العالميّة؟

 

في تلك الليلة التي اهتزّ فيها الشرق، طُرح سؤال صعب: ماذا سيحدث في العالم بعد غيابه؟

الشهيد قاسم سليماني (رضوان الله عليه) لم يكن مجرّد شخص في معادلة الصراع؛ بل كان وزناً استراتيجيّاً يُلقي بثقله على خرائط بأكملها. فجأةً، وجد الإعلام العالميّ نفسه أمام حدثٍ يشبه انهيار عمود من أعمدة التوازن الإقليميّ، لا يعرف أحد ما الذي كان يُبقيه قائماً.

هذا المقال يعيد قراءة تلك اللحظة التاريخيّة من خلال صفحات وكالات الأنباء والصحف العالميّة، حين أدرك العالم أنّ غياب رجلٍ واحد قادر على إعادة تشكيل معادلة إقليميّة كاملة.

* بين الأسطورة العسكريّة والهندسة السياسيّة
تابعت الصحافة الغربيّة الشهيد قاسم سليماني متابعة دقيقة، لأنّه أحد أكثر الشخصيّات تأثيراً في شكل الصراع الإقليميّ، إذ رأت فيه مزيجاً من القائد الظلّ والمهندس الاستراتيجيّ. ففي تحقيق طويل نُشر في مجلّة New Yorker وُصف بأنّه «استراتيجيّ ذكيّ إلى حدّ يثير الخوف»(1)، بينما نقل التقرير نفسه عن مسؤولين إسرائيليّين وأميركيّين وصفاً له بأنّه عقل يعمل في ساحات المنطقة كلّها تقريباً(2). في الوقت نفسه، وضعته مجلّة Time ضمن قائمة أكثر مئة شخص تأثيراً في العالم العام 2017م(3).

الصحافة الأميركيّة، مثل Washington Post، قدّمت قراءة أكثر مباشرة لدوره العسكريّ– السياسيّ، إذ رأت فيه «محوريّاً في دعم حلفاء إيران في المنطقة والتنسيق في ما بينهم، ولا سيّما في العراق»(4)، وهو توصيف يعكس إدراك واشنطن بأنّ نفوذه شبكيّ وعابر للحدود لا يُختزل في جبهة واحدة.

وأظهرت التغطيات الدوليّة لشخصيّة الشهيد قاسم سليماني أنّ الإعلام، على اختلاف لغاته ومدارسه، لم يتعامل معه كقائد عسكريّ فحسب، بل كـظاهرة مركّبة تتداخل فيها الهندسة السياسيّة مع الحضور الشخصيّ والرمزيّة الاجتماعيّة. فقد اتّجهت الصحافة الغربيّة إلى صياغة صورة «القائد– العقدة»، أي الشخصيّة التي تُفسَّر من خلالها شبكة معقّدة من التحالفات الإقليميّة.

* سليمانيّ «القائد العمليّاتيّ»
رأت الصحافة الدوليّة في الشهيد سليماني قائداً ذا حضور مباشر في ساحات القتال. فوكالة رويترز Reuters وصفته بأنّه «كان يستحوذ على ولاء رجاله أينما ذهب»(5)، وهي عبارة تكشف عن كاريزما قياديّة متجذّرة. هذه الجملة التي تبدو بسيطة، تمثّل في القراءة الغربيّة عاملاً مضاعفاً لخطورته؛ فالخصم الذي يمتلك قدرة على تعبئة المقاتلين وخلق ولاء طويل الأمد، يُصنَّف استراتيجيّاً ضمن خانة «القادة صانعي الولاء»، وهي فئة قليلة في العالم العسكريّ. من جانب آخر، تُبرز وكالة دويتشه فيله
(Deutsche Welle (DW الألمانيّة بُعداً شخصيّاً في القراءات الغربيّة عندما قالت إنّه «كان يُنظر إليه كشخصيّة بطوليّة تلهم الولاء في الخطوط الأماميّة»(6). هذه القدرة على إلهام المقاتلين جعلته خصماً مستمرّ الحضور في المعارك، لا مجرّد قائد يوجّه العمليّات من بعيد. فالولاء الذي يحظى به القائد في صفوف القوّات الحليفة هو عامل يضاعف فعاليّته في الميدان ويجعله قائداً يصعب تحييد تأثيره، ما يجعل سليماني خصماً استراتيجيّاً أيضاً.

وقد نشرت BBC في ملفّها التعريفيّ عنه أنّه «كان معروفاً بتحرّكه المستمرّ بين الجبهات، وإشرافه على العمليّات شخصيّاً»(7)، ما يُظهر أنّه كان يملك أسلوب متابعة ميدانيّة قائماً على إدارة المعارك من داخلها، لا من مكاتب القيادة.

* سليمانيّ «الخصم الاستراتيجيّ غير النمطيّ»
لم تتعامل الصحافة الدوليّة مع الشهيد قاسم سليماني كقائد عسكريّ ضمن بنية الدولة الإيرانيّة فحسب، بل بوصفه خصماً استراتيجيّاً يتمتّع بقدرات تتجاوز ما هو تقليديّ في الصراع بين إيران والولايات المتّحدة الأميركيّة. في تغطيتها الخاصّة عقب اغتياله، ذكرت BBC أنّ الولايات المتّحدة كانت تعدّه «الشخصيّة الإيرانيّة الأقوى والأشدّ خطورة في المنطقة»(8)، وهي صياغة شديدة الدلالة؛ إذ تشير إلى أنّ خطورته لا تُقاس بالقوّة العسكريّة المباشرة، بل بقدرته على تغيير مسار الأحداث عبر شبكة واسعة من الأدوات.

تُظهر تقارير Reuters أنّ إحدى أهمّ ميزاته كانت قدرته على الربط بين الجبهات (9)، هذه «الهندسة» هي ما جعلته خصماً صعباً؛ إذ كان يُنظر إليه كـنقطة محوريّة في شبكة محور المقاومة في الشرق الأوسط، والمسؤول عن الربط بين ساحات القتال والتحالفات السياسيّة والعمليّات الاستخباريّة.

بالإضافة إلى ذلك، فقد كان الشهيد سليماني، وفق تحليل France24، صاحب القدرة على العمل خارج الحدود(10). هذه القدرة جعلت منه خصماً تخشاه عادة مؤسّسات الأمن القوميّ الأميركيّة التي تعتمد في تصنيف المخاطر على حجم التأثير الجغرافيّ.

* سليماني «الرمز الشعبيّ»
لم يكن حضور الشهيد سليماني الشعبيّ مجرّد انعكاس لدوره العسكريّ، بل نتاجاً لعمليّة تراكميّة طويلة أنتجت رمزاً اجتماعيّاً متعدّد الطبقات. فقد وصفت وكالة Reuters جنازته بأنّها «لحظة وطنيّة نادرة شيّعه خلالها الملايين»، وهي صياغة لا تُستخدم عادة إلّا عند رحيل رموز تاريخيّة أو قادة ارتبطت صورهم بالهويّة الجمعيّة.

لكن ما الأسباب التي أدّت إلى تشكّل هذه الرمزيّة الشعبيّة؟ وكيف حاول الإعلام الدوليّ تفسيرها؟

ثمّة عوامل متعدّدة أسهمت في تشكيل هذه الرمزيّة الفريدة، وقد حاولت وسائل الإعلام العالميّة تفسيرها من خلال مشاهد وتفاصيل لافتة، يمكن تلخيصها في ثلاثة محاور رئيسة:

1. ولاء رجاله: لاحظت العديد من الصحف الأجنبيّة أنّ ولاء رجال الشهيد سليمانيّ له لم يكن عاديّاً، بل نبع من نمط قياديّ خاصّ. هذا النوع من الولاء لا يتحقّق عادة في القيادات العسكريّة التقليديّة، بل يتشكّل عندما يشارك القائد جنوده المخاطر نفسها.

2. محبّة الناس له: لم يكن الإعلام الغربيّ متّفقاً على تقييم دوره السياسيّ، لكنّه كان واضحاً في توصيف البُعد الاجتماعيّ لشعبيّته. فقبل اغتياله بسنوات، ذكرت BBC في تقرير موسّع عنه أنّ الشهيد سليماني كان «معروفاً بزيارته المستمرّة لعائلات شهداء الحرب ودعمه لهم»(11). هذه التفاصيل الصغيرة التي قد تبدو هامشيّة في التحليل السياسيّ، كانت مركزيّة في بناء شعبيّته داخل إيران.

3. حشود التشييع الهائلة: تناولت معظم الصحف الكبرى ووكالات الأنباء مشاهد التشييع في طهران، فوصفته Reuters بأنّه «أكبر تجمّع تشهده البلاد منذ عقود»(12)، ورأت أنّ الحشود جاءت نتيجة «الصدمة التي أحدثها الاغتيال»، وتأثيره على الشعور الوطنيّ.

بالتالي، فإنّ التشييع كان نتاجاً لصورة تمتدّ عبر المجتمعات الحليفة في العراق ولبنان وسوريا. وفي قراءة BBC، رُبطت الحشود بـ«الحضور المتجذّر لسليماني في الوعي الشعبيّ»(13)، وهي إشارة إلى أنّ رمزيّته سبقت اغتياله بوقت طويل.

* رمزيّة معقّدة: قائد، شهيد، وصورة ثقافيّة
من منظور الإعلام الدوليّ، لا ترتبط رمزيّة الشهيد سليماني بسبب واحد، بل تنبع من تداخل عوامل متعدّدة شكّلت صورته كشخصيّة استثنائيّة، أبرزها:

- القيادة الميدانيّة المباشرة. (Reuters، DW)

- الحضور الاجتماعيّ لدى العائلات المكلومة. (BBC)

- الدور الإقليميّ السياسيّ– العسكريّ. (France24، Al Jazeera English)

- الصدمة الوطنيّة الناتجة عن اغتياله. (Reuters)

- الصورة الأخلاقيّة– الوطنيّة التي كوّنها داخليّاً. (BBC)

هذه العوامل جعلته، كما تقول BBC، «حاضراً بعمق في الوجدان العامّ»(14).

في النهاية، لم تكن صورة الشهيد قاسم سليماني في الصحافة العالميّة مجرّد انعكاس لوقائع عسكريّة؛ بل كانت مرآة لقلق العالم إزاء رجل أعاد تعريف مفهوم القوّة؛ فقد رأته الولايات المتحدة الأميركيّة خطراً يفوق الجيوش، ورأته أوروبا رمزاً قادراً على تحريك الناس، فيما رأته آسيا مهندساً لمعنى النفوذ الإقليميّ.

وهكذا، لا تنتهي قصّة الشهيد سليماني إعلاميّاً عند آخر يوم من حياته، بل تُعاد كتابتها مراراً في كلّ تحليل يتناول الأمن والهويّة والردع، بعدما تحوّلت صورته إلى علامة فارقة في التاريخ الإعلاميّ للصراع الحديث.

 

 

 

1- New Yorker -"The Shadow Commander, Dexter Filkins, 30 September 2013.Ibid.
2- Time-100 Most Influential People (Qasem Soleimani)
3- Kenneth M. Pollack, “Qasem Soleimani”, Time 100 – 2017.
4- Washington Post – دور سليماني في تنسيق الحلفاء, Op-ed on Iran strategy noting Soleimani’s role in coordinating allies, The Washington Post, 9 January 2020.
5- Reuters - “U.S. killing of Iran’s second most powerful man”.2019.
6- DW-“Who was Iran’s Qassem Soleimani?", Jan 3, 2024.
7- BBC-“Qassem Soleimani:Who was he?”, Jan 3, 2020.
9- 8- BBC-“Iran general Qasem Soleimani killed", 3 January 2020.
10- Reuters – “How Iran’s network of Middle East power faded", 12-6-2025.
11- France24-“General Qassem Soleimani: key to Iranian influence". 03/01/2020.
12- BBC – “Qassem Soleimani: Who was he?”, Op. Cit.
13- Reuters-“Huge crowds in Iran for commander’s funeral", January 6, 2023.
14- BBC-“Iran general Qasem Soleimani killed", Op. Cit.Ibid.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع