نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

احذروا عولمة القيم - د. غسان طه

العادات والتقاليد والأعراف والقيم هي عناصر ثقافيّة تعبّر عن التنظيم الاجتماعي السائد في مجتمع ما لتؤدي وظائف معينة. وأحياناً تدمج هذه العناصر في وحدة للقيام بعدد من الوظائف الاجتماعية ولا سيما الرئيسة منها فتبرز في الزواج والأسرة والدين والتربية والاقتصاد والسياسة، والعلاقات الاجتماعية. وتتعدّد العادات والتقاليد والأعراف بحسب المجتمعات القائمة وتنقسم على نفسها إلى عناصر ثقافية فرعية يحمل كل منها خصائص مميزة.

من ناحية أخرى ليست العادات والتقاليد والأعراف واحدة على الدوام حيث تتعرض للتغيير بين مرحلة وأخرى وإنْ على نحوٍ بطيء بحسب طبيعة التغيرات التي يتعرض لها المجتمع ولا سيما عبر الانتقال من مجتمع بسيط إلى مجتمع يتعرض لتأثيرات الحداثة أو لأن تلك المنظومات تصبح جامدة بحيث لا تعود تضطلع بوظائف تعبّر عن التطلّع نحو الأهداف المجتمعيّة جرّاء التحديات الداخليّة بحيث تستوجب الاستجابة لهذه التحديات إحداث التغيير العفوي أو المقصود في بعض الجوانب الثقافية.

*مفاهيم ودلالات
لا بد من الوقوف على طبيعة استخدام المفاهيم باعتبارها ليست واحدةً وإنما يحمل كل منها سمات مميّزة قلّما يجري استعمالها وفق تحديدات ثابتة، بل يجري الدمج بينها على أنها واحدة في حين أنّ ثمة فروقات بينها يمكن اختصارها وفقاً للسياق الآتي:
1- العادات
هي جملة من الأفعال الإنسانيّة أو الطرائق الشعبية التي تنظّم التفاعل الإنساني باعتبارها أفعالاً اجتماعية متكررة يمارسها أعضاء المجتمع، وتنتقل من جيل إلى جيل.
وتبرز العادات في ميادين شتى من طرق إعداد الطعام إلى اللباس والمظهر، وطرق المجاملات، وتبرز أيضاً في الأسرة وعلاقات الجوار وغيرها.
والعادات، وإن كانت تتّصف بالثبات على نحو ما، لكنها غالباً ما تكون سهلة التغيير قياساً للتقاليد والأعراف والقيم، وحين يعتورها التغيير لا يواجه الفرد أو المجموعة التي تخلّت عنها باعتراض اجتماعي شديد فتبقى بعيدة عن المساءلة الاجتماعية وعن رقابة المحيط الاجتماعي.

2- التقاليد والأعراف
هي عادات بحد ذاتها ولكنها تتحول إلى تقاليد وأعراف حين ينظر إليها المجتمع على أنها أكثر صدقاً وسلامةً من العادات الشعبية، وحين يعطي بعضها وثوقاً للفرد ويفرض عقاباً صارماً حين الاعتداء عليها أو تجاوزها. والعرف في هذه الحال يحدّد الصواب والخطأ. وتتميز التقاليد والأعراف بالبطء الشديد في التغيير بعكس العادات الشعبية التي تتغير بطريقة أسرع ولذلك يندر التفكير في مخالفتها خصوصاً في المجتمعات التقليديّة، بعكس المجتمع الحديث حيث يحلّ القانون ويغلب على تنظيم الحياة الاجتماعية وحفظ النظام، ولكن دون أفول الأعراف بالمطلق.

3- المعتقدات والقيم
يحتاج الإنسان إلى تصوّرات أساسية للعالم وللجماعة والسلوك يساعده على التكيُّف والتوافق مع بيئته، وتقوم الثقافة بتقديم هذه التصورات باسم المعتقدات والقيم التي يندرج ضمنها كيفية خلق العالم ومصدر الخير والشر، وتحديد علاقة الإنسان بالله والكون وبيئته الخارجية. وتمثّل القيم موضوع الرغبة الإنسانيّة بالسموّ والتقدير لتشمل كل الموضوعات والظروف والمبادئ التي أصبحت ذات معنى خلال تجربة الإنسان الطويلة. وفيما يتصل بالمجتمع فثمة قِيم تقوم على أساس ما هو مرغوب وما هو غير مرغوب، وما هو إيجابي أو سلبي، وظيفتها ربط أجزاء الثقافة ببعضها بعضاً. فهناك قيم أسرية، وأخرى دينية، وأخلاقية، ومدنية واجتماعية وبيئية وهكذا... بحيث يصبح نسق القيم يحظى بقبول اجتماعي يصل إلى حد الإعلاء والقداسة، ناهيك عن لزوم التقيّد بما تفرضه حتى لا يتعرّض إلى العقاب الصارم.

*سنن التغيير
في معرض البحث عن التحوّل في منظومة العادات والقيم نجد، وقبل حلول عصر الاتصالات وبلاغة الصورة المرئية وانفتاح العالم على بعضه بعضاً، أن منظومة العادات والأعراف كانت قبل هذا التاريخ أقلّ عرضة للتغيير، وكانت تتّصف بقدر نسبي من الثبات. ولأهمية ثبات تلك العادات والثقافة السائدة، نفطن إلى ما قدّمه القرآن الكريم من وصف رائع للتجارب المريرة للأنبياء والرسل عليهم السلام إزاء تحدي ثبات الأعراف السائدة في جمودها وتخلفها بحجة أنها عادات وتقاليد الآباء والأجداد.
في عصرنا الحالي الناس هم من يطلبون التغيير بحجة التجديد ومواكبة الحداثة والعصرنة وجراء الغزو الثقافي الذي يتعرض له عالمنا الإسلامي. مع ذلك، ثمة ثقافة لا تزال تقف سداً منيعاً أمام ذلك الغزو انطلاقاً من مرجعية الدين أو من مرجعيّة التقليد.

*مرجعية الأخلاق
في مجتمعاتنا الإسلامية لا تزال مرجعية القيم الأخلاقية مستندة بمعظمها إلى النصوص الدينية. فثمة قيم أسرية تتمثل بطاعة الوالدين، واحترام كبير السن وامتداح الكرم والإنفاق على الفقراء والمعوزين وذمّ البخل والجشع والإسراف لأنها تنطلق من مرجعيّة دينيّة ذات قيمة عالية.
من جهة أخرى، لا تزال بعض العادات الجامدة تمارَس بوصفها إحدى القيم الاجتماعية ومنها عادات الثأر غير المتماشية مع منطلقات الدين أو المنطلقات الإنسانية العامة وتحظى بنحو من الثبات انطلاقاً من مرجعيّة اجتماعية استطاعت الوقوف بوجه التغيير ولم تتأثّر بالدعوات الدينية لنبذها ولم تتأثر بمحاكاة العصرنة.

*اللباس بوصفه قيمة حضارية
في مقابل ثبات بعض العادات والقيم، نجد الكثير من التحولات التي تطال هذا الجانب جراء التأثر بثورة التكنولوجيا والاتصالات. وهناك أمثلة كثيرة يصعب تعدادها، ولكننا نقدم اللباس كنموذج لا على سبيل الحصر.
فالشعوب عادة تفخر بزيّها الوطني. واللّباس يعدّ قيمةً حضاريّةً تفخر بالمحافظة عليه. فحين نقرأ اللباس لا نقرأه بوصفه قيمة حياتية ضرورية وحسب وإنما بوصفه صورة ثقافية لها معانيها ودلالاتها التي ترتبط أحياناً بوظيفة عسكرية أو مهنية أو اجتماعية أو تعبر عن انتماء أو عن هوية. وهكذا، كان اللباس لقرون خلَت يحظى بوظائف اجتماعيّة، فعند العرب لم تكن العمائم على رؤوس الرجال ترتبط بأحوال مناخية وإنما تتجاوز وظيفة الحماية من حر الشمس إلى معانٍ رمزية أخرى ترتبط بلون العمامة وحجمها، أي كنوع من الخطاب الرمزي التواصلي. ويصح الأمر على الشعوب كافة في خصوصياتها الثقافية في زيّها الوطني وفي ثقافتها التي تعبّر عن عاداتها وتقاليدها وقيمها.
أما اليوم، في عصر العولمة، فقد سادت القيم العالمية على نحو كبير بدل الخصوصيات الثقافية، فغدا اللباس والطبخ والطعام والعديد من مفردات الحياة اليومية تكاد تكون معولمة، بفعل الدعاية، وعالم الاتصالات وبفعل ما وفّرته هذه الوسائل من مرونة على تغيير الوعي، وتبديل طبائع البشر في وعيهم وقيمهم.

*توصيات
إزاء عولمة القيم ومعايير السلوك علينا أن نقف عند الملاحظات التالية:
1 - الاصغاء إلى تطلّعات الجيل الجديد بما يعيد إليه الأمل بمستقبل يمكنّه من التغلّب على الشعور بالفراغ، والشعور بخلوّ المعنى.
2 - العمل على غرز القِيم الدينية والاجتماعية الملائمة لمجتمعاتنا بما يعزّز الشعور بأهميّة القيم الواجبة والتمييز بينها وبين القِيم الهجينة.
3 - أن نفطن، عبر تعزيز البحث العلمي الجاد والرصين، إلى مخططات مراكز الدراسات المتخصصة لدى الغرب، وأن نعمل على إحراز التقدم في دراسة الواقع الاجتماعي لدينا خصوصاً في مرحلة الانعطاف الحضارية التي نعيش في ظلّها.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع