رامي بليبل
للفن حياة، كحياة العلم والفلسفة، تزهو حيناً وتخمد حيناً آخر... نشأ أوّل ما نشأ بدائياً ساذجاً. ثمّ أخذ ينمو ويتعقد .. كشف عن ذوق الفرد ومدى ابتكاره، ونزل عند حكم المجتمع وسلطانه... بدأ مختلطاً بالدين والسحر والعرافة، ثمّ أخذ يتحرّر شيئاً فشيئاً، إلى أن تمّ له وجوده واستقلاله. وما الفن إلاّ تعبير عن بعض العواطف والوجدانيات تقتضي استعداداً فطرياً لتذوق الجمال، وقدرة على التعبير عنه والناس متفاوتون في أذواقهم، فمنهم من يحسّ بالجمال في مختلف صوره. ومنهم من لا يكاد يشعر به وقديماً قالوا: "من لم يحركه الربيع وأزهاره، والعود وأوتارهن فهو ناقص المزاج ليس له علاج".
الذوق دعامة كبرى من دعائم الفن، لا ينمو ولا ينهض بدونه.. نريده لدى الفنان ليدرك الجمال على وجهه ويشعر بخفاياه ودقائقه وكلّما قوي هذا الشعور لديه، استطاع أن يعبر عنه بحركات وأصوات هي منشأ الفنون المختلفة... ونريده لدى الجمهور الذي يتذوق الفن وينتقده، فيحكم له أو عليه.
والحياة الفنية الصحيحة تتطلب جمهوراً ذواقاً يتأثر بالفن ويؤثر فيه، والتربية الشعبية الكاملة لا تتعهد الجسم والعقل فقط، بل تهدف أيضاً إلى تنمية الذوق وترقيته، ويوم يصل الذوق الفنّي إلى قمته نستطيع أن نبلّغ رسالة القيم لشتّى شرائح الناس حيث قال الإمام الخميني الراحل قدس سره:"الفنانون هم المبلغون الحقيقيون لرسالة القيم والحقيقة".