مع الإمام الخامنئي | المبعث حيّ... ونحن مخاطَبون* بأيّ جديد سيأتي الإمام المهديّ عجل الله فرجه؟ * أخلاقنا | لا تُفسد قلبك بالحسد (1)* الشهيد سليماني...كيف قدّمته الصحافة العالميّة؟ زوجة الجريح... شريكة الجهاد إقصاء الشيعة من التاريخ اللبناني!* «كيــف سأعيش من دون والديّ؟» آخر الكلام | أوّل اختبار نصيحة زوجين: ليتنا تعارفنا جيداً! عقد الزواج عهدٌ والتزام

زوجة الجريح... شريكة الجهاد

تحقيق: هناء نور الدين الموسويّ


في خضمّ المعارك الكبرى التي تُخاض على الأرض، ثمّة معركة صامتة تُدار داخل الجدران الأربعة، تقودها امرأة عظيمة، تصبح جنديّاً مجهولاً بصمت وحبّ وكثير من الرحمة، هي زوجة الجريح التي بدأت تشقّ طريقاً صعباً إلى جانب زوجها لتصبح يديه وعينيه وعكّازه، تشاركه الألم والعون، والفرحة حين يخطو خطوات العلاج والشفاء.
جلنا بسؤال على زوجات الجرحى المجاهدات: من أين تستقين قوّتكنّ وصمودكنّ؟


• بين ألم الجراح والتربية
حين يُصاب الزوج المجاهد في ساحات المواجهة، تنطلق معركة جديدة داخل البيت، تستدعي من الزوجة أن تكون محور استقرار العائلة، وتتحمّل المزيد من المسؤوليّات والواجبات. ومقتضيات الأمومة تفرض عليها أن تتابع مهام الأمّ وشيئاً من مهام الأب، إضافة إلى الاهتمام بزوجها لناحية الدعم المعنويّ والمساعدة في تخطي صعوبات الجراح.
تقول أم حسن: «حين أُصيب زوجي، لم أسأل نفسي ماذا سأفعل؟ كنت أعرف أنّ عليّ أن أبدأ بشيء ما. لم أتعلّم التمريض، لكنّني تعلّمت كيف أكون قويّة وحاضرة لمساعدته في ما يحتاج إليه بحسب طبيعة إصابته. صحيح أنّ البيت صار مستشفى، لكن من ناحية أخرى بتنا كعائلة نراه محراباً للصبر والثبات».
وتشاركها أمّ محمّد الموقف نفسه، وهي أمّ لخمسة أبناء، فتقول: «زوجي أُصيب في الاعتداءات الإسرائيليّة، وقد بُترت ساقه اليمنى ويده اليسرى. جراحه كانت بالغة جدّاً، وكانت تنزف من حين لآخر، ما يستدعي أن أساعده في تضميدها وتعقيمها دائماً، وتقليب جانبيه على السرير. وبطبيعة الحال، أنا أمّ لخمسة أولاد، وما زلت أؤدّي دوري المعتاد؛ أهيّئ الأولاد صباحاً للذهاب إلى المدرسة، وأقوم بالأعمال المنزليّة، وأدرّسهم حينما يعودون، وأهتمّ بزوجي الذي كان يهتمّ بنا جميعاً قبل جراحه». وتتابع لتجيب عن سؤالنا عن جهدها وتعبها: «زوجة الجريح كأيّ امرأة يمكن أن تتعب أو تشعر بالعجز أحياناً، هكذا يكون الحال في البدايات، لكن مع الصبر والإيمان والقناعة بأنّ هذه الجراح المباركة كانت حصننا، أعود لأستمدّ العزم والقوّة، والباقي يتولّاه الله تعالى الذي يمدّنا بالعون دائماً».

• بركات الجريح على عائلته
تقول أمّ حسين عن تجربتها مع زوجها الجريح: «أشعر بالسّعادة عندما أضمّد جراح زوجي، فأهيّئ له وسائل الراحة لإيماني أنّ هذا العمل يقرّبني من الله، وأنّه باب جهاد خاصّ في سبيله فتحه لنا نحن النساء لنشارك مجاهدينا جهادهم وتعبهم وآلامهم وتضحياتهم». وعند سؤالها عن الصعوبات التي واجهتها، أجابت: «الألم الحقيقيّ يتجلّى عندما أراه حزيناً أو متألّماً، ولكن سرعان ما يتبدّد هذا الشعور عندما أراه يثابر على تخطّي إصابته متحدّياً هذا الظرف، فتهون كلّ الصعوبات الأخرى، حتّى تلك التعليقات المثبّطة للعزيمة التي يقولها بعض الناس، من قبيل أنّني صغيرة على حمل هذه الهموم، هي في الواقع قاسية جدّاً، وأقسى من الجراح نفسها. في الواقع، إنّ رعاية جريح مجاهد هي سببٌ لنزول هذه الطمأنينة الكبيرة التي يهون معها كلّ ما نعانيه».

• أقوى من الجراح
بعض الإصابات تكون أشدّ صعوبةً على الجريح وعائلته مقارنةً بجراحات أخرى، ما يستدعي ثباتاً وتعاوناً وتعاملاً إيجابيّاً من جميع أفراد الأسرة، تقول السيّدة أمّ عبّاس عن مصدر قوّتها في تلك المرحلة الصعبة: «كانت جراح زوجي حرجة جدّاً، خاصّة أنّه كان نشيطاً وحيويّاً قبل الإصابة ولم يعتد السكون أو القعود، ولكن إصابته أجبرته أن يلزم الفراش. لم أعلم في البداية كيف سنكمل حياتنا، خصوصاً مع ما واجهته من مسؤوليّات كبيرة. أحياناً كان يستيقظ في اللّيل من شدّة الألم، وكنت أسمعه يقرأ زيارة عاشوراء غيباً، وهو في تلك الحال، حتّى علّمني بسلوكه العباديّ هذا أن أكون قويّة لمواجهة المصائب. كما إنّ شكره لي عند مساعدتي له يمدّني بالدّعم المعنويّ حتّى أمضي قُدماً».
أردفت قائلة: «قرأت عن الإمام الصادق عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من سقى مؤمناً من ظمإٍ سقاه الله من الرحيق المختوم»(1) فكنت أسأل نفسي: «فكيف بمن يسقي الجريح ويرعاه؟».

• لأكون أهلاً له
قد يتسلّل إلى عائلة الجريح شعورٌ بالتعالي على الظروف ليكونوا أهلاً لهذا الوسام، وهو سبب قوّتهم الحقيقيّة. هذا ما روته أم حسن عن أحوالهم عندما نزحوا أيّام الحرب: «أصيب زوجي بتفجير أجهزة (البايجرز)، ثمّ ما لبثت أن بدأت الحرب واضطررنا للنزوح. عادةً، كان هو من يتولّى تدبير كلّ شيء، لكن يومها، بعد أن قدّم تضحيات عظيمة، أدركت أنّ عليّ أن أكون أهلاً له ولتضحياته، فتدبّرت أمور أفراد العائلة، ورحت أعمل على تقوية معنوياتهم حتّى نصمد ونتمكّن من لقائه عندما يتماثل للشفاء. كنت طيلة تلك الفترة أقسّم وقتي بين زيارته في المستشفى والبقاء إلى جانب أبنائي. وبالفعل، لقد صمدنا وثبتنا على الرغم من هذه الصعوبات كلّها، وأدركنا بعد هذه التجربة الصعبة أنّ التضحيات ليست شيئاً مقابل الصمود في وجه أعدائنا».

• صعوبات وتحدّيات
تختلف الحياة الواقعيّة عمّا ترويه الكتب والمثاليّات؛ فحياة عائلة الجريح قد تغيّرت كلّيّاً، بحيث أصبح الأب القويّ اليوم بحاجة إلى دعم عائلته واحتضانها. هنا، تظهر بعض الصعوبات التي تجاوزتها تلك العائلات وتغلّبت عليها بتمسّكها بقداسة الأسرة وإيمانها بالجهاد واستعدادها لبذل التضحيات. ويمكن تلخيص هذه الصعوبات من خلال ما روته زوجات الجرحى، بالآتي:
1. رحلة العلاج التي تشمل التنقّل إلى المستشفيات، وتلبية واحتياجات البيت، تشكّل جميعها أعباءً متزايدة على الأسرة.
2. نظرة المجتمع إلى زوجة الجريح تأخذ شكلين: إمّا أنّها تشجّعها على مواصلة هذا الدرب الشاقّ من خلال كلمات الدعم وبثّ المعنويات، أو أنّها تضعف من عزيمتها بحجّة أنّ الحالة تتطلّب علاجاً طويلاً ومتابعة مستمرّة.
3. صعوبة توزيع المهام بين رعاية الزوج، واحتضان الأبناء، والقيام بأعباء المنزل.
4. شعور الزوجة بالوحدة عند مواجهة مسؤوليّة العائلة، خاصّة إذا تسبّبت الجراح في دخول الزوج الجريح في غيبوبة لفترة طويلة.
5. الحاجة إلى دعم الزوج معنويّاً للمساهمة في رحلة شفائه.

• مواجهة الصعوبات
كيف تستطيع المرأة المقاومة أن تنهض من الجراح وتواصل المسيرة؟
بما أنّ تجربة الزوجات المجاهدات مكلّلة بالصبر والصمود وتذليل الصعوبات، جمعنا منهنّ بعض الحلول الناجعة في طريق مواجهة هذه التحدّيات، مثل:
1. استحضار جرحى كربلاء، خاصّة الإمام زين العابدين عليه السلام، وإدراك أنّ في مواساة الجريح أجراً عظيماً، وأنّ المواساة طريق للنضج المعنويّ والقرب من الله تعالى.
2. الصبر والثبات عبر اللجوء إلى الدعاء.
3. تشجيع الأبناء ليكونوا شركاء في الصبر، وتدريبهم على الإعانة والمساعدة كلّ وفق قدرته.
4. تذويب المسافة بين الطفل ووالده الجريح الذي قد يواجه اختلافاً في ملامح والده أو صوته، أو اختلافاً في قدرته على حمله ومداعبته، ويفضّل استشارة مختص في حال مواجهة صعوبة.
5. حفظ ذكرى جهاد الزوج في الأسرة؛ من خلال قيام الزوجة بسرد قصصه الجهاديّة، وسهره في اللّيل، وكفاحه واهتمامه بأسرته وشوقه إليها أثناء غيابه.
6. التوجّه إلى الجريح بكلمات تمدّه بالدّعم المعنويّ، مثل: «أنفاسك تسبّح وتهلّل».
7. التعاطي معه بعطف وحنان، وإظهار الاحترام والتقدير لعطائه وجراحه في سبيل الله؛ فهو في أمسّ الحاجة للشعور بهذا التقدير.
8. تخصيص الزوجة جزءاً من وقتها لنفسها، صحيح أنّ خدمتها لزوجها كلّها عبادة، ولكنّ عبادتها الخاصّة، مثل قراءة دعاء أو وتلاوة القرآن، تمدّها براحة تستمدّ منها القوّة والعزيمة لمواصلة الحياة.
9. الحفاظ على مكانة الزوج الجريح كربّ أسرة وقيّم عليها؛ فيجب عرض أمور العائلة عليه دائماً، وتنفيذ إرادته، وحثّ الأبناء على مشورته وإظهار طاعته كما كان يحصل قبل الجراح تماماً.
10. تنمية النفس بالعلم والمعرفة والثقافة الإسلاميّة، لما لذلك من أثر في توسيع الأفق وتعزيز قدرات النفس والعقل.
11. استشارة زوجات الجرحى السابقات للاستفادة من تجاربهن.
12. إشراك العائلة الكبيرة في الدعم والمساندة لما لها من أثر في صمود الزوجة والأبناء واستمداد القوّة.

• على العهد
تعكس شهادات زوجات الجرحى عامّة عمق الإيمان والتصميم على مواجهة تحدّيات الجراح، فتقول إحداهنّ: «إنّ وجوده بيننا نعمة في حدّ ذاتها، كان يمكن أن يرحل عنّا، لكنّ الله منّ علينا ببقائه بيننا، وهي نعمة نشكره عليها، وسنبقى على العهد». وتقول أخرى ما زال زوجها الجريح في المستشفى: «نحن لا نهاب الموت، ومستعدّون لتقديم أولادنا وأرواحنا كي تبقى مسيرة المقاومة ورايتها خفّاقة».
ويبقى دورٌ كبير لمجتمع المقاومة الذي يحتضن ويعزّز ويقدّر عطاءات هؤلاء المجاهدين وعائلاتهم الذين لم يتوقّف يوماً جهادهم.
فهل ثمّة من لا يزال يتساءل عن سرّ صمود هذه الفئة من الناس؟!


1. وسائل الشيعة، العاملي، ج 25، ص 253.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع