نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

ماذا لو حايد الإمام الحسين عليه السلام؟

تحقيق: غدير مطر


ماذا لو اتّخذ الإمام الحسين عليه السلام موقف الحياد، ولم تكن واقعة كربلاء؟ ماذا لو لم ينتفض الحسين عليه السلام في وجه يزيد؟

هل راودكم هذا السؤال الافتراضيّ يوماً؟ بأيّ حال كنّا اليوم، وأيّ مسلك سننتهج؟

* ثورة الحقّ
حفظنا كلماته، وبتنا نردّدها كلّ حين: "هيهات منّا الذلّة"، و"إنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي صلى الله عليه وآله وسلم...". فهذه الكلمات الحسينيّة توقظ فينا روح الثورة في وجه الظلم؛ ففي معركة الحقّ والباطل، لا حياد.

من وحي هذه الكلمات الخالدة، جُلنا بسؤالٍ نبحث من خلاله عن موقف شُيّد عليه بنيان أمّة، لو تبدّل وكان رماديّاً، أين كنّا؟!

* الثورة الحسينيّة تاريخ
ترفع تتيانا (مسلمة روسيّة الأصل) كفّيها نحو السماء، وبتنهيدة ملؤها الفخر، تشكر فضل الانتماء إلى نهج الحقّ، وتقول: "لو لم تكن ثورة الإمام الحسين عليه السلام، لكنّا خارج الإسلام. الثورة الحسينيّة تاريخ يجب تدريسه في أنحاء العالم كلّه. هي مدرسة لغير المسلمين أيضاً، مدرسة أصلها الحقّ. فلو لم يخرج الإمام الحسين عليه السلام وحيداً بلا ناصر في وجه يزيد وظلمه، لمات الحقّ".

* الحياد وسيلة للانكفاء
بالنسبة إلى زينب ناصر الدين (طالبة طب)، فإنّ "الحياد هو بداية الابتعاد عن الناس والمجتمع، وبداية للوحدة والانكفاء على الذات وكلّ ما يحدث من حولنا، سواء كان ما يجري خيراً أم شرّاً، وسواء كان في ذلك تطبيق للتعاليم الإسلامية أم لا". وتعتبر أنّ للوقوف على الحياد أسباباً عدّة، "منها: الجبن والوهن، وحبّ الدنيا وكراهيّة الموت، والهروب من المسؤوليّة...". وهي ترى في الحياد في حال كان بين قضيّة حقّ وباطل "مرضاً من الأمراض التي إن أصابت المسلم ضعُف، لذلك يجب أن يكون للمسلم طاقة متحرّكة في وجه الفساد والظلم". وعليه، "لو اتّخذ الإمام الحسين عليه السلام موقف الحياد، لعمّ الفساد منذ ذاك الوقت وصولاً إلى زماننا الحاليّ، وما كان لدين محمّد صلى الله عليه وآله وسلم أيّ أثر، وللازمنا زمن الجاهليّة".

* الإمام عليه السلام صاحب مشروع إلهيّ
فاطمة عبد الله (طالبة علوم دينيّة وعلوم حياة) ترفض طرح السؤال: "ماذا لو حايد الإمام الحسين عليه السلام "؟ وتعدّه غير مشروع: "فالحياد هو نأيٌ بالنفس، والإمام عليه السلام كان صاحب مشروع إلهيّ، فيستحيل أن يقف جانباً دون أن يكون له دور فاعل في المجتمع، أو أن ينصر الحقّ"، مستنبطة عبراً من الحركة الحسينيّة العظيمة: "بهذه الثورة الحسينيّة، ترك لنا الإمام درساً عظيماً في تشخيص التكليف ومعرفة الدور المطلوب منّا، انطلاقاً من الأوضاع والظروف الحاكمة، فحادثة كربلاء هي مجرى لسنّة تاريخيّة على الساحة، فكلّما كان الخطر المحدق بالإسلام واضحاً وصريحاً ومشخّصاً، كلّما كانت المواجهة الصريحة هي أداء التكليف. ومع تضاعف الأخطار، تتضاعف التضحيات".

* قيام الإمام الحسين عليه السلام أحيا الإسلام
يتحدّث الدكتور كمال وهبة (دكتوراه حقوق)، فيقول: "هذه الثورة أحيت الرسالة الإسلاميّة، وحفظتها من طغيان رغبات الحكّام الفاسدين، وأثارت في الأمّة الإسلاميّة وعياً للمطالبة بإعادة الحقّ إلى موضعه. ولو كان الإمام عليه السلام محايداً، لخارت عزيمة الأمّة الإسلاميّة، ولقيّدت حركتها". ويؤكّد أنّ: "الثورة الحسينيّة اجتثّت جذور الفساد الذي كان ينمو، وهذا ما يجعل منها رمزاً حيّاً ينبض بالحياة حتّى اليوم".

بدوره، يرى الأستاذ فادي مطر أنّه لو انتهج الإمام الحسين عليه السلام الحياد، لكان ذلك يعني: "موت الرسالة الإلهيّة المحمّديّة منذ ذلك الحين، فهذه النهضة الصادقة هي سبب الحفاظ على الدين المحمّدي الأصيل والهويّة الإسلاميّة".

* مع الحقّ... لا حياد
الكاتبة والمخرجة أروى الجمّال تسرد الحكاية بروح ثوريّة، فتستهلّ حديثها بقوّة الحقّ: "كلمة حياد لا وجود لها في قاموس دولة الحقّ، فكيف إذا كانت هذه الكلمة في زمن الإمام الحسين عليه السلام، الذي كان شعاره إعلاء كلمة لا إله إلّا الله، محمّد رسول الله، عليّ وليّ الله؟"، مؤكّدة أنّ: "في ثورة الحسين عليه السلام عبرة استخلصها أعظم أحرار العالم، من غاندي وصولاً إلى الإمام روح الله الموسويّ الخمينيّ قدس سره".

* الوقوف مع الحقّ الخيار الوحيد
الإعلاميّة حياة الرهاوي، تجود بما عرفت وتعلّمت خلال رحلة بحثها عن مسير الإمام الحسين عليه السلام. فقد عاينت تاريخ معركة كربلاء عن كثب، واطّلعت على أدقّ تفاصيلها، واستخلصت: "الإمام الحسين عليه السلام ابن مدرسة الإمام عليّ عليه السلام، ذلك الإنسان العظيم قال قبيل استشهاده: (كونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً)(1). إذاً، في هذه المدرسة لا وجود لمصطلح الحياد، بل الوقوف دائماً إلى جانب الحقّ هو الخيار الوحيد".

بدورها، الأستاذة الجامعيّة فاطمة عرار تستشهد بالقرآن الكريم، مستهلّة حديثها بقوله تعالى: ﴿أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ﴾ (الأعراف: 165)، "فالقرآن خير دليل على أن الذين يقفون على الحياد ولا ينصرون الحقّ ليسوا بناجين، ويشملهم عذاب الظالمين". وتتابع، مستشهدة بـ"أصحاب السبت"، ومستدلّة بهم على صوابيّة قناعتها، أنّ "مقام المحايد كمقام القائم بالمعصية، والنجاة في قصّة أصحاب السبت، كانت فقط لمن نهى عن المنكر". وتضيف عرار: "عن الإمام عليّ عليه السلام: (مَن لا ينفعه الحقّ يضرّه الباطل)(2)، وهذا خير دليل على أنّ إحقاق الحقّ يقينا شرّ الباطل".

* الحياد نصرةٌ للباطل
بالنسبة إلى أمّ البنين مصطفى (إجازة في الصحافة)، فإنّ "الإمام الحسين عليه السلام كقائد، واجه الموقف بالوقوف مع الحقّ. أمّا الأشخاص الرماديّون الذين لا موقف لهم، فهم مع الباطل ومن أنصاره".

* خروج عن الأخلاق
يعرج الشيخ الدكتور فؤاد بلّوق (دكتوراه حقوق) إلى موضوع الحياد من وجهة نظر أخلاقيّة: "يُعدّ الحياد منهجاً ووسيلة للخروج من دائرة الحرج وعدم الوقوف مع الحقّ، وذلك ربّما يكون خوفاً على النفس أو المصالح، ولكن بعض المحايدين الواقفين على التلّ، يقطفون ثمار المعركة عند حسمها، فينحازون للمنتصر، وهم أصحاب سياسة تتنافى مع الموقف الأخلاقيّ، فإمّا انتهاج الحقّ في أوّل طريقه، وإمّا خيار الباطل".

* ماذا لو كان يزيد حاكماً؟
نترك لكم حريّة تخيّل تبعات هذا الموقف: أنّ الإمام الحسين عليه السلام ترك يزيد حاكماً للأمّة ولم يقم ضدّه، والعياذ بالله، وكذلك لم يقم الأئمّة عليهم السلام من بعده بمواصلة مسيره، فيما سيتاح لأتباع منهجه أن يعيثوا في الأرض فساداً، وينشروا نمطه وفساده وفجوره، وبالتالي: تشويه الدين. فما هو رأيكم بهذا السيناريو؟! حبّذا لو نقف قليلاً عند بعض آراء من استطلعناهم:

1- حكم الفَجَرة الفَسَقة: تقترح فاطمة عبد الله هذا "السيناريو المعاكس: ماذا لو بايع الإمام عليه السلام يزيد، أو حتّى لم يقم ضدّه؟! لنتخيّل أنّه بعد شهادته عليه السلام، استمرّ حكم يزيد وأتباعه للأمّة الإسلاميّة، ويزيد هو ذاك المتجاهر بفسقه وفجوره واستهتاره للدين، فكيف سيكون عليه حال الأمّة في ظلّ حكم أولئك الفسقة الفجرة؟! ندرك جيّداً أنّ حركة الإمام عليه السلام العظيمة كانت لوضع حدّ لذلك الفساد بالدم المقدّس الطاهر".

2- خيانة الأمانة: تؤكّد الإعلاميّة حياة الرهاوي على "الخيارات الواسعة والمتعدّدة التي طُرحت على الإمام الحسين عليه السلام حينها، فمضافاً إلى نُصح أصحابه، فقد نصحه أخوه محمّد ابن الحنفيّة، وعبد الله بن العبّاس وغيرهما، بالبقاء في مكّة أو الذهاب إلى اليمن، فإنّ له شيعة هناك، وأن لا يقصد العراق؛ لأنّ الذهاب إليه يعني التصادم مع بني أميّة، لكنّ الإمام لم يفكّر حتّى في هذه الخيارات؛ لأنّ أيّ خيار غير مواجهة الباطل يعني الحياد؛ أي خيانة أمانة الله الذي أراد من خلال تجربة الإمام عليه السلام في الأرض، أن يكون صاحب موقف مع الحقّ ضدّ الباطل، وهذه هي فلسفة الحياة الأسمى".

وتضيف: "لذلك أصرّ الإمام عليه السلام على موقفه بمواجهة الباطل بكلّ حزم ووضوح. وهذا درس لكلّ من أراد المسير على طريق الإمام الحسين عليه السلام: أنّ في الحقّ لا حياد، لا مهادنة".

3- كما تعلّمنا "أن تكون مظلوماً فتنتصر": في موقفها حول أن يكون يزيد حاكماً، تؤكّد الكاتبة أروى الجمّال أنّ نهضة الإمام الحسين عليه السلام هي التي أوصلت إلينا الإسلام الأصيل الذي لا يشوبه الفساد، فتقول: "ولو حايد الإمام عليه السلام، لما استطعنا الانتصار في ثورة الإمام الخمينيّ قدس سره، والذي اتّخذ من مساره عليه السلام مدرسة ونهجاً وفكراً، على قاعدة: أن تكون مظلوماً فتنتصر".

* لا للحياد.. سنّة النصر والتغيير
وهكذا، في ثورة الحسين عليه السلام نبض حياة، واستمرار للدين، وإعلاء كلمة الحقّ في وجه سلطان جائر. أمّا لو حايد الإمام عليه السلام، فكان يعني ذلك نهاية تاريخ أمّة مؤمنة بماضيها وحاضرها ومستقبلها. ففي الإسلام لا مجال للحياد، فإمّا أن تكون مع الحقّ فتنصره، وإمّا أن تكون مع الباطل، فتستسلم له.


1- نهج البلاغة، من وصيّة له عليه السلام للحسن والحسين عليهما السلام لمّا ضربه ابن ملجم (46).
2- (م. ن.)، الخطبة (28).

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع