نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

منبر القادة: صدقوا... فأجيبوا (2/1)

الشيخ راغب حرب

قال الله تبارك وتعالى: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿إذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلاَ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأقْدَامَ * إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلاَئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (الأنفال: 9–12) صدق الله العليّ العظيم.

هذه الآيات القرآنية خاصة بمعركة بدر. والتي حصل قبلها نقاش بين المسلمين حول خروجهم إلى القتال أم لا. وقد اختلفت آراؤهم بين قائلٍ بالقتال وقائلٍ بعدمه، فيما كانت حركة النفاق تعمل على تثبيط العزائم، ولذلك قال الله تعالى: ﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ  (الأنفال: 5).

*معركة بدر: إرادة وعمل
وفي النهاية انتصر قرار الخروج إلى المعركة، وخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع ثلاثماية وثلاثة عشر رجلاً على أصح الروايات، وكانوا هم مقاتلي بدر. خرجوا مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بنيّة أن يقطعوا الطريق على إبل قريش، وقد وعدهم الله سبحانه وتعالى بالنصر، وبأنه سوف يمكّنهم من إحدى الطائفتين، وكانوا يتمنّون أن يتمكّنوا من طائفة الإبل ومَنْ يرافقها، لأنها الأضعف، ولأنها تتناسب مع إمكاناتهم ولكنَّ الله اختار لهم الأصلح، وكان اللقاء مع الجيش القوي.
ولما وصل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى موضعٍ قريب من آبار بدر، وجد أنَّ أجواء المعركة أخذت تتهيّأ، فأراد اختبار المقاتلين الذين معه، وكأنَّه أراد أن يُسْكِتَ آخر صوت من أصوات الدعوة إلى عدم القتال، فوقف صلى الله عليه وآله وسلم قائلاً: ما هو رأيكم؟ أجابه المهاجرون: يا رسول الله، نحن معك، نقاتل دونك، وقد تركنا أهلنا وبيوتنا في سبيل الله.
ثمّ أعاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم القول، فوقف زعيم من زعماء الأنصار، وقال: كأنك تقصدنا يا رسول الله، وتريد أن تعرف رأينا؟ قال: نعم، فقال: سِر لما أمرك به ربك، فوالله لو خضت بنا البحر، لخضناه معك.

*لكل احتمال خطّة

استعد المسلمون للمعركة، ودخلوا في مرحلة الاستغاثة بالله بعد أن أعدُّوا كل ما يملكون من قوة، ونظّموا صفوفهم، وفكّروا في كل الاحتمالات. ومع أنهم كانوا موعودين بالنصر، ولكنَّهم أعدّوا لكل احتمال خطّة، وحتى فكرة احتمال الاضطرار إلى سحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من المعركة، وإرجاعه إلى المدينة. فكلّفوا مجموعة لتكون حول العريش الذي بنوه له، وهو غرفة القيادة، وقالوا لحماته: سوف يكون الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في العريش، فإذا رأيتم منّا الهزيمة، فاحملوا العريش وارجعوا، وليس لكم شغل آخر، أي: لا تدافعوا عنّا.

يصف الله تعالى حالة الاستغاثة به بقوله: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ (الأنفال: 9). ولأنهم كانوا صادقين استجاب الله لهم. والصدق شرط للإجابة.

لنفرض إنساناً يحرث أرضه، ويزرعها بغير اهتمام، ويقول: يا ربّ، ارزقني، لا شكّ في أنَّ هذا الدعاء غير صادق، لأن الداعي الصادق هو الذي يطلب الرزق بجدّ، فيهيئ للرزق أسبابه، ثم يطلب من الله تعالى أن يجعل فيه البركة والنمو.

استغاث هؤلاء الأصحاب بالله صادقين، فاستجاب لهم، وكانت الاستجابة أن أمدّهم بألفٍ من الملائكة مردفين، أي بألفين، إذ عندما يقولون: إنَّ مع الفارس رديفاً، يقصدون أنَّ هناك شخصاً آخر وراءه، وإن كان المدد - كما تذكر آية أخرى - ﴿بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ (آل عمران: 125) فكيف يمكن الجمع بين عدد الألفين وعدد الخمسة آلاف؟ ربما يكونون قد نزلوا على دفعتين، وربما يكون غير ذلك، والله العالم.

*الملائكة بشرىً وتثبيتاً للقلوب

على أي حال، أيّد الله المسلمين بالملائكة، تقول الآية: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى (الأنفال: 9 – 10) أي: كانت الغاية أن يَطْمَئِنَّ المسلمون إلى أنهم غير متروكين، فالملائكة جاؤوا من أجل أن يُطمئنوا المسلمين بأن أقدِموا، ولا تخافوا، وإذا حصل - لا قدّر الله - أمر تكرهونه، فسوف نكون معكم، هذا ما جرى.

والكلام القرآني يؤكّد أن الملائكة كانوا بشرى وتثبيتاً للقلوب: ﴿وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلاَ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ. بعد ذلك، تأتي الحتمية الإلهية: ﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلاَ مِنْ عِنْدِ اللهِ.

النصر أمرٌ من الأمور التي خلقها الله تعالى، وقد ربطه بأسباب. يتصوّر بعض الناس أنَّهم مسلمون، وأنَّ فلاناً هو غير مسلم، فيظنّون أنَّهم متميّزون في الرزق، ولكنَّ الله تعالى لم يلتفت في سننه التي بسطها للعباد جميعاً إلى كون الإنسان مسلماً أم غير مسلم. بطريقة أخرى، نستطيع القول: إن الله هو الذي خلقني وخلقك، وربما يكون أحدنا ضالّاً، والآخر مهتدياً، إلّا أن الله لا يأخذ من بين يدي الضالّ القوانين والسنن التي وضعها في الأرض، لأنه إذا أخذها سقطت الحجّة.

*شروط النصر

فإذا كان الله تعالى يريد أن يحاسبني في يوم القيامة لأنني أخطأت، فأقول: يا ربّ، أنا أخطأت مرّة، فأخذت من بين يديَّ أبواب الهدى، فلم تمتّعني، ولم تُعطني مجالاً. ولذلك ينبغي أن ندرك أنَّ النصر حتى يتحقق لا بدّ أن تتوفر له الأرضية اللّازمة، فإذا تحققت، نزل النصر. كما إذا تحقَّقت أرضية الرزق، أفاض به الله على طالبه. هذا هو أسلوب فهم الإسلام لكل أسرار الموجودات، بما تحتويه من قوانين بشأن الطبيعة والاجتماع.

عندما تبذر القمح مثلاً، تقول وفقاً لتعبير الفلاحين القُدامى: يا ربّ، "أنا العزّاق، وأنت الرزّاق". صحيح أن الإنسان يعزق التراب، ويبذر الحبوب، ولكنَّ الله هو الذي يرزق، فمن هو الذي يهب الحبَّة القدرة على النموّ؟ إنَّ الله هو الذي يعطيها القدرة، وأمّا أنت، فعندما تحرث، تهيئ لها ظروفاً معينة، وشروطاً. فإذا تحققت شروط الإنبات، يهب الله الحبّة قدرةً على النموّ والإثمار.

*ينصر من يشاء

وهكذا النصر، توجد له شروط موضوعية، وهي الطرق التي خلقها الله، ومنها: الإعداد والقوة والقتال من أجل هدف كبير، ولكنَّه يبقى من عند الله.

لذا، تحقّق سبب النصر عند غير المؤمنين، فأنزل الله النصر عليهم، كما حصل في حنين﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (التوبة: 25).

ففي تلك اللحظة، أُنزل مقدار من النصر على غير المسلمين، لأنهم حققوا شروطه، وأعدوا واستعدوا ورتبوا أحوالهم، بينما كان المسلمون يستكثرون أنفسهم، ويمشون بتبختر ولسانُ حالهم يقول: من يقدر علينا؟ لذلك عبَّر الله تعالى عن ذلك قائلاً إن هذا خطأ غير جائزٍ، لذا يجب أن تؤدَّبوا، وأن تعاقبوا عليه.

وفي معركة أُحد، قاتل المسلمون قتال الشجعان والأبطال، فلما أخلَّ الرماة بشرطٍ من شروط النصر، دفعوا ثمنه مباشرة، فالله تعالى لا ينصر بالمعاجز.

أتريدون أن ينصركم الله بالمعاجز والملائكة، وأنتم تخالفون مقدّمات النصر؟! إنَّ الذي يُخلّ بمقدّمات النّصر لا يمكن أن ينصره الله تعالى. لأنه لا يستحقّ ذلك.


1- تاريخ الطبري، الطبري، ج2، ص140 و141.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع