مع الإمام الخامنئي | الحوزويّون روّاد قضايا الأمّة(2)* ظهور الإمام المهديّ والملحمة الأخيرة فقه الولي | من أحكام الغشّ في المعاملات أخلاقنا | لا تظنّوا بالآخرين سوءاً* الشهيد على طريق القدس مهدي زهير مرعي (عبّاس) الشعب الإيرانيّ: كلّنا مع الوليّ تسابيح جراح | نورٌ من بعد الألم عيتا الشّعب: تلالٌ لم تنحنِ الأكزيما: الأسباب والعلاج وصاياه الأخيرة في عاشوراء (2): انصـروا الحــقّ*

مع الإمام الخامنئي | الحوزويّون روّاد قضايا الأمّة(2)*


تأسيس الحكومة الإسلاميّة، كان من الإنجازات البارزة للإمام الراحل قدس سره في مباحث “ولاية الفقيه” في أثناء نفيه إلى النجف، ما فتح طريق البحث أمام فضلاء الحوزة، وقد تكاملت أبعاد النظريّة نظريّاً وعمليّاً بعد قيام الجمهوريّة الإسلاميّة؛ لكنّ هذا العمل لا يزال غير مكتمل في العديد من النظم الاجتماعيّة للبلاد. لذا، تقع على الحوزة مسؤوليّة ملء هذا الفراغ؛ وهذا يندرج في عداد مسؤوليّاتها الحتميّة. اليوم، وبعد حاكميّة النظام الإسلاميّ وإرسائه، غدت مسؤوليّة الفقيه والفقاهة ثقيلة، إذ إنّ الفقه الذي يصنع الأمّة ليس محصوراً في حدود الأحكام العباديّة والواجبات الفرديّة وأبعادها.

• المشاركة في إنتاج النظم الاجتماعيّة
تُدار الدول والمجتمعات البشريّة في جميع شؤونها الاجتماعيّة عبر نظم محدّدة؛ فشكل الحكومة، وأسلوب الحكم (الاستبداد، التشاور، و...)، والنظام القضائيّ والتحكيم في النزاعات والمخالفات والقضايا الحقوقيّة أو الجزائيّة، والنظام الاقتصاديّ والماليّ ومسائل العملة وغيرها، والنظام الإداريّ، ونظام إدارة الأعمال، ونظام الأسرة، وغيرها، كلّها تُعدّ من الشؤون الاجتماعيّة للدولة، والتي تُدار في مجتمعات العالم بأساليب مختلفة، وفي إطار نظم متنوّعة.
وتستند هذه النظم إلى قاعدة فكريّة، نابعة إمّا من عقول المفكّرين أو من التقاليد الموروثة. أمّا في الحكومة الإسلاميّة، فينبغي أن تُستمدّ هذه الأنظمة من الإسلام ونصوصه المعتبرة، وأن تُستخرج منها نظم إدارة المجتمع.

• الاستفادة من مكتشفات العالم المعاصر
إنّ الحوزة تحتاج في عمليّة صياغة النظم الاجتماعيّة وتنظيمها، إلى أن تكون على دراية كافية بمكتشفات العالم المعاصر بشأن هذه النظم. هذه الدراية ستمكّن الفقيه عبر إدراك صوابيّة هذه المكتشفات أو خطئها، من الاستحضار الذهنيّ اللازم لتوظيف تصريحات الكتاب والسنّة وإشاراتها في صياغة هيئة النظم الاجتماعيّة لإدارة شاملة وكاملة للمجتمع على أساس الفكر الإسلاميّ. ويمكن أن يكون هذا أحد مجالات التعاون بين الحوزة والجامعة. المهمّة الكبرى للجامعة هي أن تنهض بمسؤوليّة تمييز الآراء الصحيحة والخاطئة في المعارف الرائجة عالميّاً في مجال العلوم الإنسانيّة، وأن تعمل بالتعاون مع الحوزة العلميّة على تقديم مضمون الفكر الدينيّ ضمن قوالب مناسبة.

• توصيات لعمل أفضل
تعدّ حوزة قم رائدة وفي الطليعة، ولكي تكون بقيّة الحوزات على مسافة ملحوظة منها، ينبغي الالتفات إلى النقاط الآتية:
1. يجب أن تكون الحوزة مواكبة للعصر، وأن تخطو دائماً بما ينسجم مع الزمان، بل أن تتعدّى الزمان في حركتها.
2. يجب الاهتمام بتربية الطاقات في المجالات كلّها. فمن يرسم مسار حركة هذا الشعب ومستقبل الثورة الإسلاميّة هي الطاقات التي تتربّى اليوم في الحوزة العلميّة؛ فليُعزّز الحوزويّون علاقتهم بالناس.
3. يجب على مديري الحوزات، وعبر التدبير المناسب، أن يحبطوا المغالطات المغرضة التي تجعل الطلّاب الحوزويّين الشباب محبطين تجاه المستقبل. يتمتّع الإسلام وإيران والتشيّع اليوم بعزّة وحرمة على مستوى العالم لم يسبق أن كان لهما مثيل في الماضي. على الطالب الحوزويّ الشابّ أن يدرس ويتنامى وهو يمتلك هذا الشعور.
4. ينبغي أن يُنظر إلى جيل الشباب في المجتمع بعين التفاؤل، وأن يجري التعامل معهم من هذا المنظور. إنّ فئة واسعة من شباب اليوم، من الذين يمتلكون معدّل ذكاء مرتفعاً، أوفياء للدين ومدافعون عنه، بالرغم من كلّ المغالطات الهدّامة للفكر والإحساس الدينيّ؛ وثمّة كثيرون آخرون أيضاً ليس لهم أيّ معاندة مع الدين والثورة الإسلاميّة. يجب أن لا تؤدّي الأقليّة الضئيلة جدّاً المُعرضة عن المظاهر الدينيّة إلى وقوع الحوزة في التحليلات غير الواقعيّة.
5. يجب أن تُصاغ المناهج الدراسيّة في الحوزة بنحو يُدرَّسُ فيه الفقه النيّر والمواكب للعصر، والمبنيّ طبعاً على المنهج الاجتهاديّ، إلى جانب الفلسفة الواضحة ذات الامتداد الاجتماعيّ والرؤية المؤثّرة في هيئة الحياة المجتمعيّة، ومعها علم الكلام البليغ والمتين والقادر على الإقناع، وذلك على يد أساتذة ماهرين. وتكسب هذه الثلاثيّة كشفاً ونورانيّة وعمقاً في ظلّ فهم القرآن ودروس التفسير.
6. ينبغي أن تتولّى الحوزة بنفسها -لا جهة خارجة عنها- منح الشهادات العلميّة إلى خرّيجيها. ويمكن بطبيعة الحال استخدام تسميات مألوفة ومعروفة في الأوساط العلميّة داخل البلاد وخارجها، مثل البكالوريوس والماجستير والدكتوراه البحثيّة وما إلى ذلك، بدلاً من المستويات الحوزويّة الأوّل والثّاني والثّالث والرّابع.

وأخيراً، لطالما كان الزُّهد والتقوى والقناعة والاستغناء عن غير الله، والتوكّل، وروحيّة التقدّم، والاستعداد للجهاد، من توصيات الإمام الجليل قدس سره وأبرز الشخصيّات الأخلاقيّة والمعرفيّة إلى الطلّاب الحوزويّين الشباب، والآن أنتم أيّها الشباب الأعزّاء في الحوزة العلميّة مخاطبون بهذه التوصيات ذاتها.
 

* من نداء سماحته دام ظلّه إلى المؤتمر الدوليّ الذي عُقد بمناسبة مرور مئة عام على إعادة تأسيس الحوزة العلميّة في قم، بتاريخ 07/05/2025م.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع