مع الإمام الخامنئي | الحوزويّون روّاد قضايا الأمّة(2)* ظهور الإمام المهديّ والملحمة الأخيرة فقه الولي | من أحكام الغشّ في المعاملات أخلاقنا | لا تظنّوا بالآخرين سوءاً* الشهيد على طريق القدس مهدي زهير مرعي (عبّاس) الشعب الإيرانيّ: كلّنا مع الوليّ تسابيح جراح | نورٌ من بعد الألم عيتا الشّعب: تلالٌ لم تنحنِ الأكزيما: الأسباب والعلاج وصاياه الأخيرة في عاشوراء (2): انصـروا الحــقّ*

مهارات | كيف تدعم صديقاً انطوائيّــاً؟

داليا فنيش

هل تساءلت يوماً لماذا يفضّل بعض الأشخاص الجلوس وحدهم على الاختلاط بالأصدقاء؟ ولماذا يُظهر بعضهم هدوءاً ظاهريّاً بالرّغم من عمق المشاعر بداخلهم؟
إنّها طبيعة خاصّة، لا تعني العزلة أو القطيعة الاجتماعيّة فحسب، بل تحمل في داخلها عالماً غنيّاً من التفكير العميق والإبداع والتأمّل. نحن هنا بصدد الشخصيّة الانطوائيّة التي سنتعرّف إلى بعض جوانبها، التي لا تعني أنّها طبيعة سلبيّة دائماً.

 
• تعريف الانطواء

يشرح الفيلسوف كارل غوستاف يونغ أنّ الشخص الانطوائيّ: «يميل إلى التأمّل والتفكير والعزلة، والتعامل مع العالم من منطق الذات بدلاً من التفاعل المباشر مع الخارج»(1)، لذلك يوصف بالعُزلة عن المجتمع.
وعمليّاً الشخصيّة الانطوائيّة هي تلك التي تميل إلى استعادة طاقتها من خلال التوجّه نحو الداخل، أي الذات، وخاصّة في أوقات الشدائد؛ فهي خجولة وغير اجتماعيّة وقليلة الأصدقاء وحسّاسة المزاج، وقد لا تظهر هذه الحساسيّة على شكل انفعال ظاهريّ سريع، بل تكبت انفعالها في نفسها، وهذا ما يدفعها إلى الابتعاد أكثر عن الواقع. تميل هذه الشخصيّة إلى التأمّل وتجنّب الاحتكاك بالواقع، وهي قليلة الاهتمام بالجوانب الماديّة المحيطة، وتفضّل الاعتبارات النظريّة والمثاليّة. وعلى الرغم من انطوائيّتها، فإنّها تتميّز بالرزانة وعمق التفكير.

• صفات الشخص الانطوائيّ
يتّصف الشخص الانطوائيّ بالعديد من الصفات، التي تظهر معنى العزلة، منها:
1. يفضّل الانغماس في العالم الخياليّ، بالإضافة إلى التفكير في الأمور الإبداعيّة.
2. هو شخص منتج، ويتمحور وعيه حول «الأنا»، مع اهتمام محدود بالعالم الخارجيّ.
3. يخفي مشاعره ويميل إلى عدم إبراز عواطفه.
4. يحتفظ بمشاعره وأفكاره لنفسه، بخاصّة في أوقات الصراع، ولا يُظهر ما يشعر به للآخرين بسهولة.
5. يحبّ أن يجري تحليلاً لنفسه، وينتقد نفسه وأفعاله باستمرار.
6. هو شخص حسّاس جدّاً للنقد، وتبقى تجاربه الشخصيّة محفورة في ذاكرته بقوّة، خاصّة تلك التي نال فيها ثناءً أو لوماً.
7. يتّصف بالهدوء والتركيز.
8. يواجه صعوبة في تذكّر الأسماء ووجوه الأشخاص.
9. يمكنه التركيز والعمل على خطّة واحدة لفترة طويلة من الزمن من دون أن يقطع عمله.
10. يهتمّ بمعرفة الهدف من وراء العمل.
11. يكره المقاطعات.
12. يحبّ العمل بمفرده.
13. لا يُظهر انفعالات واضحة كالفرح والضحك والبكاء والحزن.
14. لا يتأثّر بالانتقادات أو التشجيع والمدح.
15. لا يتأثّر بالنصح والإرشاد والتوجيه.
16. يعاني من ضعف في التعبير عن نفسه، سواء من خلال الكلام أو من خلال الإيماءات والتعابير الجسديّة.
17. لا يحبّ الزيارات العائليّة والاجتماعيّة.

o أسباب الانطوائيّة
ثمّة مجموعة أسباب تسهم في خلق الشخصيّة الانطوائيّة، وتختلف نسبة تأثيرها من شخص لآخر، كما أنّها حتّى لو توفرت قد لا تسبب الانطوائيّة، منها:
1. العامل الوراثيّ: عندما ينشأ الفرد في عائلة تميل إلى العزلة والانزواء عن الناس، فإنّه يرث هذا النمط السلوكيّ من عائلته، لكن يمكن أن يتغلّب على هذا العامل في حال نشأ في ظروف اجتماعيّة وتلقى تربية تُشجّع على الاختلاط وتكوين الصداقات والمشاركة الفاعلة.
2. العامل البيئيّ- الاجتماعيّ: يشير إلى نشأة الشخص في بيئة منعزلة عن المجتمع المحيط به، ما يسهم في تشكيل شخصيّة انطوائيّة لديه.
3. العامل التربويّ: يتمثّل في الخوف الزائد من الأهل على طفلهم، ما يؤدّي إلى تربيته على الابتعاد عن الاختلاط بالآخرين ومنعه من المشاركة في النشاطات المدرسيّة والمجتمعيّة، ما يعزّز من انطوائه.
4. العامل النفسيّ: يتمثّل في معاناة الشّخص من مشكلات نفسيّة مثل ضعف الثقة بالنفس، والتوتّر، والقلق المستمرّ، ما يؤدّي إلى انطواء شخصيّته.
5. العامل الفسيولوجيّ: إنّ التغيّرات التي تطرأ على المراهقين باختلاف أنواعها تكون سبباً في رغبتهم في العزلة وعدم التواصل مع الآخرين.

• مميّزات الشخصيّة الانطوائيّة
الشخصيّة الانطوائيّة لا تعني بالضرورة العزلة الكاملة أو الانفصال عن الحياة الاجتماعيّة، بل هي نمط من الشخصيّة يتميّز بصفات عدّة، بعضها إيجابيّ، مثل: تقدير الآخرين واحترامهم، التوجّه نحو الأصالة والتفرّد، التمتّع بالتفكير النقديّ، القدرة على حلّ المشكلات، التقييم الدقيق للآخرين، القدرة على التحليل، الإصغاء للآخرين بشكل جيّد، القدرة على التركيز لفترات طويلة، والاعتماد على الذات والاستقلاليّة.

• الصعوبات التي يعاني منها الانطوائيّ
ثمّة صعوبات حقيقيّة ترخي بظلالها على الشخص الانطوائيّ، وأحياناً تدفع الآخرين إلى الابتعاد عنه، مثل:
• الغضب الشديد، خصوصاً إذا قطع أحدهم عليه عزلته.
• الخوف والقلق والخجل من مواجهة الآخرين.
• الفشل في ممارسة بعض اللياقات وآداب التعامل مع الآخرين.
• الصراحة في الحديث، ويمكن أن تكون جارحة.
• عدم الرغبة في الظهور في المناسبات الاجتماعيّة.
• قضاء فترات طويلة في استخدام الإنترنت أو القراءة أو العمل أو مجرد التفكير.

• طرق مساعدة
تظهر مشكلة الانطوائيّ في عدم تحقيق توازنه النفسيّ والاجتماعيّ، فمن جهة يرتاح في عزلته ويركّز في ذاته وأعماله، ومن جهة أخرى قد يفتقد للرفقة أو يصعب عليه طلب المساعدة إن احتاجها. وعليه يمكن تقديم الدعم له عبر:
1. منح الشخص بعض الوقت والمساحة اللازمة للراحة الجسديّة والعقليّة، بحيث يساعد ذلك في تخفيف التوتّر والضغط الذي يشعر به، ويوفّر له فرصة لإعادة شحن طاقته.
2. تجنّب الإلحاح على الشخص الانطوائيّ للاندماج في المجتمع بسرعة، بل منحه الوقت والمساحة الكافية لذلك.
3. تشجيعه بحكمة ومرونة على الاختلاط الاجتماعيّ تدريجيّاً.
4. البدء في الاختلاط الاجتماعيّ بخطوات بطيئة ومريحة تساعد في التأقلم من دون شعور بالضغط.
5. ممارسة نشاطات يوميّة طابعها المشاركة ضمن فريق صغير، تعزّز الشعور بالثقة.
7. دعم الشخص لتنمية قدراته في التواصل الشفهيّ من خلال ممارسة الحوار الهادئ والمباشر مع أشخاص مقرّبين، لتعزيز ثقته في التعبير عن نفسه.
قد توجد بعض الحالات التي يصعب فيها زوال المصاعب نهائيّاً، لكن يمكن للشخص أن يتعلّم التحكّم فيها من خلال التدريب والتأهيل، وذلك بتغيير نمط التفكير وتطوير طريقة التعامل مع الآخرين.
كما يُمكن للشخص استشارة أخصّائيّ في حال رغب في تحقيق توازن نفسيّ واجتماعيّ سليمين.
ولا ينبغي أن ننسى قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ (الحجرات: 13).
فالانغماس في العُزلة قد يفوّت على صاحبها الخير الكثير.

1- Psycholgical Types/ الأنماط النفسيّة، كارل غوستاف يونغ، ص 413 (PDF).
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع