مع الإمام الخامنئي | الحوزويّون روّاد قضايا الأمّة(2)* ظهور الإمام المهديّ والملحمة الأخيرة فقه الولي | من أحكام الغشّ في المعاملات أخلاقنا | لا تظنّوا بالآخرين سوءاً* الشهيد على طريق القدس مهدي زهير مرعي (عبّاس) الشعب الإيرانيّ: كلّنا مع الوليّ تسابيح جراح | نورٌ من بعد الألم عيتا الشّعب: تلالٌ لم تنحنِ الأكزيما: الأسباب والعلاج وصاياه الأخيرة في عاشوراء (2): انصـروا الحــقّ*

محميّة وادي الحجير: كنزُ الجنوب الصامد (2)

تقرير: إيمان قصير قرصيفيّ*


تتعرّض محميّة وادي الحجير إلى عدوان صهيونيّ منذ عام 1978م، وتصاعد ذلك بوضوح في عدوان تمّوز 2006م، حيث تعرّضت لمخاطر القنابل العنقوديّة، وبقي جزء منها حتّى اليوم منتشراً في مناطق متعدّدة منها، وصولاً إلى العدوان الأخير من العام 2024م، والذي لا تزال تداعياته مستمرّة، وتحتاج إلى سنوات طويلة وجهود كبيرة للتعافي منها.
حول هذا الموضوع، يحدّثنا الدكتور أحمد زراقط، المدير السابق للمحميّة وعضو في إدراتها، لنقف عند أضرار العدوان على المحميّة، وسبل التعافي.

• أوّلاً: العدوان الصهيونيّ وتداعياته
في ما يأتي، تحليل لأهمّ الأضرار البيئيّة التي لحقت بالمحميّة، وأثرها في النظام الإيكولوجيّ:
1. الأضرار البيئيّة الناتجة عن العدوان
تعرّضت محميّة وادي الحجير خلال العدوان الصهيونيّ من العام 2024م لأضرار جسيمة، بحيث دُمّرت أجزاء كبيرة من البنية التحتيّة السياحيّة والزراعيّة بسبب القصف والحرائق التي امتدّت على عشرات الدونمات، ولا سيّما نتيجة القصف الفوسفوريّ الحارق، ما أثّر سلباً في التنوّع البيولوجيّ في المنطقة. وقد امتدّت الحرائق على مساحات واسعة، فيما لم تكن أجهزة الدفاع المدنيّ قادرة على التدخّل بشكل سريع.
وما بعد الحرب، شجّع العدوان بشكل غير مباشر بعض المواطنين على التعدّي على المحميّة وقطع بعض أشجارها مستغلّين بذلك استمرار عدم الاستقرار الأمنيّ. وتتراوح أضرار الحرائق ما بين 20 و25 % من مساحة المحميّة.
أمّا بخصوص الثروة المائيّة، فبالرغم من عدم صدور التقارير العلميّة بشأنها حتّى الآن، يقدّر الدكتور زراقط وجهات أخرى معنيّة أنّ ثمّة تلوّثاً في الموارد المائيّة، ما سيشكّل تحدّياً كبيراً أمام جهود الحفاظ على الاستدامة البيئيّة.

2. الإضرار بالتنوّع البيولوجيّ والموارد الطبيعيّة
أدّى القصف والتجريف الصهيونيّان إلى تدمير كبير في النظام الإيكولوجيّ للمحميّة. كما أثّر التلوّث الكيميائيّ الناتج عن الذخائر في جودة التربة والمياه، ما أدّى إلى تراجع التنوّع البيولوجيّ بشكل ملحوظ، حيث يبرز تناقص في أعداد العديد من الأنواع البريّة بسبب التدمير المباشر لمواطنها الطبيعيّة. إضافة إلى ذلك، فقد أدّى التلوّث الصوتيّ (الناتج عن أصوات الانفجارات والقصف) إلى هرب العديد من الحيوانات والطيور، أو تغيير سلوكاتها الطبيعيّة ما يعرّضها للنفوق.

• ثانياً: جهود إعادة التأهيل والتعافي البيئيّ
باشرت لجنة إدارة المحميّة وعدد من المنظّمات البيئيّة المحليّة والدوليّة في وضع خطط لإعادة تأهيل المحميّة وتحقيق تعافيها، شملت برامج لإعادة زراعة الأشجار، وتنظيف التربة والمياه من التلوّث، وإعادة توطين بعض الأنواع الحيوانيّة التي تضرّرت بفعل العدوان. إلّا أنّ هذه النشاطات حاليّاً لم تبدأ بعد بالشكل المطلوب نتيجة استمرار التعدّيات على هذه المنطقة ومخاطر التحرّك فيها. وبحسب د. زراقط، تتضمّن هذه النشاطات:
أ. استكمال العمل عبر إدارة المحميّة على تثبيت خطّة (Management Plan) لتنظيم الموارد الطبيعيّة داخل المحميّة وحمايتها. وتشمل هذه الخطّة استراتيجيّات للحفاظ على التنوّع البيولوجيّ، وإدارة الغابات، وتعزيز السياحة البيئيّة، ودعم المجتمعات المحلّيّة من خلال مشاريع تنمويّة مستدامة.


ب. إقامة خيم زراعيّة لزرع بذور البلوط والسنديان والبطم والخروب، وتوفير الطاقة الشمسيّة اللازمة لتشغيله. ومن المقرّر العمل على زرع 45000 شتلة بهدف إعادة التشجير، وتوزيع الشتول على أبناء المنطقة لزراعتها في القرى المجاورة، لما لهذه الأصناف من قابليّة صمود تتناسب مع طبيعة هذه المنطقة.


ج. السعي لتأمين خمسين قفير نحل للمحميّة (عسل سنديان وصيفيّ)، وذلك يسمح بإيجاد مورد ماليّ، إضافة إلى دور النحل المهمّ في تلقيح النباتات وتعزيز التنوّع النباتيّ والحفاظ على سلاسل الغذاء، وصولاً إلى تحسين جودة التربة بزيادة الغطاء النباتيّ والمساهمة في استدامة الغابات.


د. استكمال التعاون مع عدد من الجامعات لإجراء دراسات علميّة لمعرفة طبيعة النباتات الموجودة، وفي أيّ ارتفاع توجد، ومدى قابليّتها للاحتراق، ما يسمح بتوقّع أدقّ لكيفيّة انتشار الحرائق ووضع خطط لمجابهتها. فضلاً عن إجراء دراسات حول مستوى تلوّث التربة، ورسم خرائط دقيقة تمكّن من معرفة كميّة الخسائر من الأشجار.


هـ. السعي لتنفيذ إجراءات تزيد من الغطاء النباتيّ ما يخفّف من انجراف التربة ومنع التصحّر.


و. البحث عن مصادر تمويل للمشاريع المقترحة، ولا سيّما من المنظّمات الدوليّة.


* العمل مع المجتمع المدنيّ لتعزيز الوعي البيئيّ:
بحسب موقع لبنان 24، نفّذت وزارة الزراعة اللبنانيّة عدداً من الدوريّات في محميّة وادي الحجير لضبط التعدّيات على الغابات، وقد حُرّرت محاضر ضبط بحقّ المخالفين الذين قطعوا الأشجار بشكل عشوائيّ وتعدّوا على الأراضي الحرجيّة، وأُحيلت هذه المحاضر إلى الجهات القضائيّة المختصّة لاتّخاذ الإجراءات القانونيّة المناسبة.

• الحاجة إلى سياسات بيئيّة
تؤكّد هذه المقالة الدور المحوريّ الذي تؤديه محميّة وادي الحجير في تعزيز التنمية المستدامة والحفاظ على التنوّع البيولوجيّ في لبنان. ويُظهر تحليل آثار العدوان الأخير مدى هشاشة النظم البيئيّة في مواجهة الجرائم الصهيونيّة المتعمّدة والمتكرّرة، ما يؤكّد الحاجة الماسّة إلى تنفيذ سياسات بيئيّة متقدّمة لضمان استدامة المحميّة وإعادة تأهيلها، من خلال تعزيز التعاون بين المؤسّسات الحكوميّة، والمجتمع المحلّيّ، والمنظّمات البيئيّة الدوليّة لضمان بيئة مستدامة للأجيال القادمة. فضلاً عن أهميّة تعزيز الوعي البيئيّ وتشجيع البحث العلميّ والدراسات المتخصّصة لكشف مدى تأثير العدوان على المناطق البيئيّة، واقتراح الحلول المناسبة لها.


*مهندسة زراعيّة في مؤسسة جهاد البناء.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع