اخرج إلى الضوء | عندما يكون القائد والداً للمجاهدين مهارات | المساندة النفـسيّة في الأزمات والحروب الملف | كيف نواجه إشاعات الحرب؟ الملف | بصبركنّ... ننتصر الملف | دعاء أهل الثغور: مدد المجاهدين الملف | الشهداء المستبشرون معالم المجتمع الصالح في نهج البلاغة الملف | قيم المقاومة آخر الكلام | تحت الركام.. الافتتاحية | الصبر حليف النصر

نصوص تراثية: يا نفس... هذه هي الدنيا

الشيخ تقي الدين إبراهيم الكفعمي

يا نفس!
إن الدنيا لمفسدة الدين، ومسلبة اليقين، وإنها رأس الفتن، وأصل المحن، وإنّ خير المال ما اكتسب ثناءً وشكراً، وأوجب ثواباً وأجراً، وإنّ أخيبَ الناس سعياً رجل أخلق بدنه في طلب أمانيه، ولم تسعده المقادير على ما أراده واجتهد فيه، فخرج من الدنيا بحسراته، وقَدِم على الآخرة بتبعاته، والكيّس من كان لشهوته مانعاً، ولنزوته عند الحفيظة قامعاً .

يا نفس!
إنّ تقوى الله عمارة الدين، وعمادُ اليقين، وإنها لمفتاح الفلاح، ومصباح النجاح، وهي في اليوم الحِرز والجُنّة، وفي غدٍ الطريق إلى الجنة، مسلكها واضح، وسالكها رابح، وإنّ المتقين ذهبوا بعاجِل الدنيا والآخرة، شاركوا أهل الدنيا في الدنيا ولم يشاركهم أهل الدنيا في الآخرة. بالتقوى ينجو الهارب، وتنجح المطالب، وتنال الرغائب .

يا نفس!
إنّ من هوان الدنيا على الله: أنْ لا يُعصى إلا فيها، ولا يُنال ما عنده إلّا بتركِ ما لديها، فعيشها عناء، وبقاؤها فناء، لذَّاتها تنقيص، ومواهبها تغصيص، سريعة الزوال، وشيكة الانتقال، تُقبل إقبال الطالب، وتُدبر إدبار الهارب، وتصل مواصلة الملول، وتُفارق مفارقة العجول، تصل العطية بالرزيّة، والأمنية بالمنيّة، خيرها زهيد، وشرّها عتيد، وملكها يُسلب، وعامرها يخرب .

يا نفس!
إنّ الدنيا لهي الكنود العنود، والصدود الجحود، والحيود الميود، عزّها ذل، وجدّها هزل، وكثرها قل، وعلوّها سفل، غرور حائل، وظلٌ زائل، وسناء مائل، عيشها قصير، وخيرها يسير، وإقبالها خديعة، وإدبارها فجيعة، ولذّاتها فانية، وتبعاتها باقية، في حلالها حساب، وفي حرامها عقاب، من استغنى فيها فتن، ومن افتقر فيها حزن .

يا نفس!
إن الدنيا دار شخوص، ومحلة تنغيص، ساكنها ظاعن، وقاطنها بائن، وبرقها خالب، ونطقها كاذب، وأموالها مخروبة، وأعلاقها مسلوبة، ولذّاتها قليلة، وحسرتها طويلة، غرّارة غرور ما فيها، فانية فانٍ مَن عليها، تشوب نعيمها ببؤس، وتقرن سعودها بنحوس، وتصل نفْعها بضر، وتمزج حلوها بمرّ.

يا نفس!
إنّ الدنيا دار محن، ومحلّ فتن، غرارة خدوع، معطية منوع، ملبسة نزوع، تدني الآجال، وتباعد الآمال، وتبيدُ الرجال، وتغيّر الأحوال، لا يدوم رخاؤها، ولا ينقضي عناؤها، ولا يركد بلاؤها، قد أمرّ منها ما كان حلواً، وكدر منها ما كان صفواً، من صارعها صرعته، ومن غالبها غلبته، ومن أبصر إليها أعمته، ومن أبصر بها بصّرته، ومن عاصاها أطاعته، ومن ساعاها فاتته، ومن تركها نالته [أتته].

يا نفس!
إن الدنيا دار بالبلاء معروفة، وبالغدر موصوفة، لا تدوم أحوالها، ولا يسلم نزّالها، العيش فيها مذموم، والأمان فيها معدوم، ألا وهي المتصدية للعيون، والجامعة للحزون، والمائنة [الكاذبة] الخؤون، تعطي وترتجع، وتنقاد وتمتنع، وتوحش وتؤنس، وتطمع وتؤيس، يعرض عنها السعداء، ويرغب فيها الأشقياء .

يا نفس!
إن الدنيا ظلّ الغمام، وحلم المنام، والفرح الموصول بالغمّ، والعسل المشوب بالسمّ، سلّابة النعم، أكّالة الأمم، جلّابة النقم، نعيمها ينتقل، وأحوالها تبتدل، لا تفي لصاحب، ولا تصفو لشارب، ولا تبقى على حالة، ولا تخلو من استحالة، تصلح جانباً بفساد جانب، وتسر صاحباً بمساءة صاحب.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع