اخرج إلى الضوء | عندما يكون القائد والداً للمجاهدين مهارات | المساندة النفـسيّة في الأزمات والحروب الملف | كيف نواجه إشاعات الحرب؟ الملف | بصبركنّ... ننتصر الملف | دعاء أهل الثغور: مدد المجاهدين الملف | الشهداء المستبشرون معالم المجتمع الصالح في نهج البلاغة الملف | قيم المقاومة آخر الكلام | تحت الركام.. الافتتاحية | الصبر حليف النصر

أحب عباد الله: عبدٌ بين الخوف والرجاء

آية الله الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي

* الفرح المطلوب دينياً

كما أُثنيَ في القرآن والروايات على الحزن والخوف البنّاء، كذلك أُثنيَ على الفرح والسرور. وكما أن الخوف والحزن مطلوبيتهما متوقفة على أن يكونا بنّائين لتعالي وكمال الإنسان ولا يتسبَّبا في الإخلال في حياة نفس الإنسان، كذلك السرور والانشراح أيضاً مطلوبيتهما على أن لا يوجبا الغفلة والضياع عنده ولا يحولا دون قيامه بتكاليفه  الاجتماعية والإلهية.
وفي الروايات تأكيدات خاصة على إدخال السرور على الآخرين، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "من سرَّ مؤمناً فقد سرّني ومن سرّني فقد سرّ الله" 1. وفي رواية أخرى يقول الإمام الباقر عليه السلام: "تبسّم الرجل في وجه أخيه حسنة وصرف الأذى عنه حسنة، وما عبد الله بشيء أحب إلى الله من إدخال السرور على المؤمن" 2.
كذلك ورد في رواية عن مطلوبيّة الانشراح وضرورة وجود الانشراح خاصة عند العبادة وطاعة الله، أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يغتسل في الليالي الباردة، للحصول على النشاط والقيام لصلاة الليل.
فالفرح المعقول والسرور والسعادة التي تحصل من إدراك نِعم الله والاستفادة منها أو الفرح الذي يحصل من كسب رضى الله، فهو أمر مطلوب وبنّاء.
فالإسلام لا يخالف الانشراح والسرور، فالحاجة إليهما أمر غريزي وفطري. ومن دون الانشراح لا تكتمل الأمور الدنيوية، ولا الأمور الأخروية عند الإنسان الضعيف أو الكسول والخمول (قليل الهمّة) الذي لا همة لديه على القيام بواجباته الدنيوية التي تتطلب العمل والسعي، ولا الهمّة على عبادة الله والواجبات التي تضمن له آخرته. أما ما يخالفه الإسلام ولا يقبل به، فهو الضياع والبحث عن الملذات والأفراح الدنيوية المطلقة التي تنسي الآخرة والملذات المعنوية لدى الإنسان بالكامل. فالسرور والفرح المكروه هو الفرح المفرط والضياع، الذي يجعل الإنسان غافلاً عن نفسه، وعن الآخرة.

* ضرورة الانتباه للآخرة ونعمها
المشكلة هي أن الإنسان قد حصر الأفراح والملذات في البُعد المادي والدنيوي؛ فعندما نسمع بالفرح واللذة، تتبادر إلى أذهاننا فوراً المسرّات الدنيوية والملذات التي تحصل من الأكل والشرب وجميع الشهوات الدنيوية.
أما عندما نسمع عن الحزن والهم، فيتبادر إلى أذهاننا الهم والحزن الحاصل من ضررٍ دنيوي وخسارة نعمة مادية، ولا نلتفت إلى أن الإنسان يجب أن يحزن ويكتئب لتقصيره في عبادة الله وخسران النعم الأخروية.
 هذا التصرف والتوجّه يتضارب تماماً مع مسلك الأنبياء والأصول التربوية الصحيحة والإنسانية، التي تحكمها نسبة الدنيا إلى الآخرة، وهي نسبة المحدود إلى اللامحدود، والمتناهي إلى اللامتناهي. إذاً ليس بالأمر الحسن أن يتعلّق الإنسان بالملذات والشهوات الدنيوية المنتهية المحدودة، وأن يبعده هذا التعلق عن الملذات الأخروية غير المحدودة.
لذا قال الله تعالى في كتابه المجيد: ﴿لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (الحديد: 23).
القرآن الكريم يعلّمنا أنّ النّعم الماديّة هي أمانات الله. والإنسان عليه أن يسعى جاهداً؛ كي لا يتعلق بها عند التزوّد منها والتّلذّذ بها، فالحصول على البيت والمال والزوجة الصالحة أمر مطلوب، ولكن يجب أن نلتفت إلى أنّها جميعاً "وسائل" للاختبار وأن النعم سواء كانت دنيويّة أم أخرويّة، مطلوبة وقيّمة من ناحية أنّها عطايا ومواهب إلهيّة لترغيب الإنسان بطاعة المعبود التي تكون نتيجتها الحصول على الجنة. والله جلّ وعلا يذكر هذه النعم الأخروية ويصفها بلذّاتها اللامتناهية، كالبساتين والمأكولات والأزواج وحور العين. يقول الله تعالى في كتابه الحكيم عن بعض النّعم الأخروية التي يحصل عليها أهل الجنة: ﴿يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ*وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ*لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ (الزخرف: 71-73).

* ذَمّ التعلّق بالدنيا وملذاتها
إذاً التلذذ بما هو تلذذ مطلوب ويتناسب مع الفطرة الإنسانية. والمقصود من التلذذ المذموم في بعض الأحيان هو التلذذ غير المشروع الّذي يمنع الإنسان من الوصول إلى الملذّات الأخرويّة والأبديّة؛ كالّلذة المؤقتة التي يصل إليها الإنسان من استعمال المخدرات، والتي تسبب الكثير من المتاعب والآثار السيّئة والحرمان من ملذّات الحياة. فالأمر المذموم هو رجحان الملذات المحدودة الدنيوية على الملذات اللامحدودة الأخرويّة عند الإنسان. 
حقاً، ألا يعتبر جنوناً أن يرضى الإنسان بتدمير حياته من أجل الحصول على لحظات من التلذّذ وإرضاء شهواته؟ أو أن يلهب نيران جهنم والعذاب الأخروي للوصول إلى لذة مؤقتة كالنظر المحرم أو سماع الأغاني؟!
لقد سعى الأنبياء عليهم السلام إلى أن يعرّفوا الإنسان شأنه ومنزلته السامية، وأن يوصلوه إلى هذا اليقين بأن ملذات الإنسان لا تنحصر بالملذات الدنيوية والحيوانية ويستطيع الإنسان أن يحصل على الملذات اللامتناهية الأخروية والمعنوية والفرح والسرور المفرط عندما يبعد الإنسان عن القيام بواجباته الدنيوية والأخروية، يلام ويذَم ويكون مخالفاً للفطرة الإنسانية.

*الاعتدال ضرورة
في حالات كالخوف، والحزن، والسرور يجب أن نلتفت إلى ثلاثة أمور:
الأول: ما هو منشأ وسبب حدوث هذه الحالات؟
الثاني: ما هو متعلق هذه الحالات؟
الثالث: ضرورة أن يراعي الإنسان الاعتدال في إظهار وبروز هذه الحالات من دون إفراط ولا تفريط.
أحياناً، نرى أن بعض الأشخاص يفقدون السيطرة على أنفسهم بسبب حزن مؤقّت دنيوي، أو حين يفقدون مبلغاً من المال. إن الإفراط في حالات كالحزن، يبعد الإنسان عن أموره المادية وعن أموره المعنوية أيضاً. عندما ينشغل فكر الإنسان وذهنه بالحزن أو بأمر مؤسف حدث له، من البديهي أن لا يلتفت إلى تحصيل العلم والعبادة. يجب أن يكون الإنسان مسيطراً على تصرفاته وحالاته النّفسية ملتفتاً إلى أنّ كل النعم الدنيوية وسائل للامتحان والاختبار. لذا، يجب أن لا يفرط في الحزن والاكتئاب عند فقدان بعض هذه النعم الدنيوية، كي لا يُحرم من النعم الأَولى والأَسمى، أي النّعم الأخروية. ولأن الحزن يبعد الإنسان عن النشاط في الحياة والعبادة وعن النعم السامية فهو مذموم ومكروه.
فالحزن والخوف البنّاء هو الذي يدفع الإنسان باتجاه التحرك والتعويض عمّا قصّر فيه، وإبعاد أسباب الحزن والخوف. من خسر فرصة الشباب الثمينة باطلاً، عليه أن يكون حزيناً، ولكن يجب أن يدفعه هذا الهمّ والحزن باتجاه التوبة وتعويض الماضي والاستفادة من الفرص الباقية والمتاحة. هذا الحزن والهمّ يجب أن يكون منشأً للتأثير الإيجابي ودافعاً للكمال الرّوحي والمعنوي.

* خلاصة الكلام
وعلى هذا الأساس يكون كلٌّ من الحزن والخوف مطلوبين في الإسلام ولكن لا بصورة مطلقة. والفرح والسرور على النعمة التي ترافقنا في طريق التكامل، مطلوباً أيضاً. الفرح على الموقعية الاجتماعية والصحة والعافية، والمحبوبية بين الناس والأصدقاء وفي العائلة والمجتمع والأمور التي فيها آثار بنّاءة وثمينة، جيّد ومطلوب أيضاً. وسبب مرغوبية هذا السرور والفرح ومطلوبيتهما في الإسلام هو أنهما يدفعان الإنسان باتجاه استعمال النّعم الإلهيّة بشكل صحيح وفي نفس الوقت لا ينسى ذكر الله جلّ وعلا في مقام استعمال النعم الإلهية وإبراز السرور.

من جهة أخرى، الخوف والحزن المطلوب هو الذي يكون:
 أولاً: إيجابياً، أي بناءً ومؤثراً ويعطي الإنسان دافعاً للتوبة والتعويض عن الأخطاء السابقة، والهمّة العالية للقيام بالوظائف والواجبات الآتية.
ثانياً: لا ينحصر الخوف والحزن بعدم التزود من الدنيا ونعمها، بل يجب أن يكون الخوف والحزن من ناحية ما يظهر في الآخرة من آثار سيئة ورذيلة للمعاصي والذنوب.

على هذا الأساس ما يُرَوَّجُ في الثقافة الملحدة: أن على الإنسان أن يبحث عن السرور المطلق، وأن الخوف والحزن مرضَان ضاران بالجسد والروح، أمرٌ باطل ومرفوض. كما إن الفرح والاطمئنان مفيدان للإنسان، كذلك الخوف والحزن مفيدان للإنسان ونافعان لحياته.



1 الكافي، الكليني، ج 2، ص 188.
2 م.ن.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع