نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

السالك والمريد

من وصية الإمام علي بن أبي طالب إلى ولده الإمام الحسن عليه السلام

أما بعد
فإنّي أوصيك بتقوى الله أي بني ولزوم أمره، وعمارة قلبك بذكره والاعتصام بحبله، وأي سبب أوثق من سبب بينك وبين الله إن أنت أخذت به؟
أحيي قلبك بالموعظة وأمته بالزهادة وقوّه باليقين، ونوّره بالحكمة، وذلله بذكر الموت، وقرّره بالفناء وبصّره فجائع الدنيا، وحذره صولة الدهر وفحش تقلّب الليالي والأيام، وأعرض عليه أخبار الماضي وذكره بما أصاب من كان قبلك من الأولين، وسر في ديارهم وآثارهم فانظر فيما فعلوا وعما انتقلوا وأين حلّوا ونزلوا، فإنّك تجدهم قد انتقلوا عن الأحبة، وحلوا ديار الغربة، وكأنك عن قليل قد صرت كأحدهم فأصلح مثواك ولا تبع آخرتك بدنياك..
 

ودع القول فيما لا تعرف، والخطاب فيما لم تكلف، وأمسك عن طريق إذا خفت ضلالته، فإنّ الكف عند حيرة الضلال خير من ركوب الأهوال..
وامر بالمعروف تكن من أهله، وأنكر المنكر بيدك ولسانك، وبأين من فعله بجهدك، وجاهد في الله حقّ جهاده ولا تأخذك في الله لومة لائم. وخض الغمرات للحق حيث كان، وتفقه في الدين. وعوّد نفسك التصبر على المكروه ونعم الخلق التصبّر وألجئ نفسك في أمورك كلها إلى إلهك فإنّك تلجئها إلى كهف حريز ومانع عزيز واخلص في المسألة لربك فإنّ بيده العطاء والحرمان، وأكثر الاستخارة، وتفهم وصيتي، ولا تذهبنّ عنها صفحاً، فإنّ خير القول ما نفع واعلم أنّه لا خير في علم لا ينفع، ولا ينتفع بعلم لا يحقّ تعلمه..
 

واعلم يا بني أنّ أحب ما أنت آخذ به إليّ من وصيتي تقوى الله والاقتصار على ما فرضه الله عليك..
واعلم يا بني
أنّه لو كان لربك شريك لأتتك رسله، ولرأيت آثار ملكه وسلطانه، ولعرفت افعاله وصفاته، ولكنّه إله واحد كما وصف نفسه. ولا يضاده في ملكه واحد، ولا يزول أبداً ولم يزل، أول قبل الأشياء، وآخر بعد الأشياء بلا نهاية عظم عن أن تثبت ربوبيته بإحاطة قلب أو بصر. فإذا عرفت ذلك فافعل كما ينبغي لمثلك أن يفعله في صغر خطره، وقلّة مقدرته، وكثرة عجزه وعظيم حاجته إلى ربه في طلب طاعته، والرهبة من عقوبته والشفقة من سخطه فإن لم يأمرك إلاّ بحسنٍ ولم ينهك إلاّ عن قبيحٍ..
 

يا بني إنّي قد أنبأتك عن الدنيا وحالها وزوالها وانتقالها، وأنبأتك عن الآخرة وما أعد لأهلها فيك، وضربك لك فيهما الأمثال لتعتبر بها وتحذو عليها...
إنّما مَثَلُ من خبر الدنيا كمثل قوم سفر نبا بهم منزل جديب فأمّوا منزلاً خصيباً وجناباً مريعاً، فاحتملوا وعثاء الطريق وفراق الصديق وخشونة السفر، وجشوبة المطعم ليأتوا سعة دارهم ومنزل قرارهم، فليس يجدون لشيء من ذلك ألماً ولا يرون نفقة مغرماً ولا شيء أحب إليهم مما قرّبهم من منزلهم وأدناهم من محلّهم..
 

يا بني أكثر من ذكر الموت وذكر ما تهجم عليه وتفضي بعد الموت إليه حتّى يأتيك وقد أخذت منه حذرك، وشدّدت له أزرك ولا يأتيك بغتة فيبهرك. وإياك أن تغترّ بما ترى من إخلاد أهل الدنيا إليها، وتكالبهم عليها فقد نبأك الله عنها، ونعت لك نفسها، وتكشفت لك عن مساويها، فإنّما أهلها كلابٌ عاوية، وسباع ضارية يهرّ بعضها بعضاً، ويأكل عزيزها ذليلها، ويقهر كبيرها صغيرها. نَعم معلقة، وأخرى مهملة قد أضلّت عقولها وركبت مجهولها، سروح عاهة بوادٍ وعثٍ، وليس لها راع يقيمها، ولا مقيم يسيمها. سلكت بهم الدنيا طريق العمى، وأخذب بأبصارهم عن منار الهدى، فتاهوا في حيرتها وغرقوا في نعمتها واتخذوها رباً فلعبت بهم ولعبوا بها ونسوا ما وراءها..
 

إنّ لك من دنياك ما أصلحت به مثواك وإن جزع على ما تفلّت من يديك فاجزع على كلّ ما لم يصل إليك.
استدل على ما لم يكن بما قد كان، فإن الأمور اشباه. ولا تكونن ممن لا تنفعه العظة إلاّ إذا بالغت في إيلامه، فإنّ العاقل يتعظ بالآداب والبهائم لا تتعظ إلاّ بالضرب. إطرح عنك واردات الهموم بعزائم الصبر وحسن اليقين من ترك القصد جار. والصاحب مناسب والصديق من صدق غيبه. والهوى شريك العناء. رب قريب أبعد من بعيد ورب بعيد أقرب من قريب، والغريب من لم يكن له حبيب. من تعدّى الحق ضاق مذهبه، ومن اقتصر على قدره كان أبقى له..
 

وأوثق سبب أخذت به سبب بينك وبين الله. ومن لم يبالك فهو عدوك، قد يكون اليأس إدراكاً إذا كان الطمع هلاكاً ليس كل عورة تظهر ولا كلّ فرصة تصاب. وربما أخطأ البصير قصده وأصاب الأعمى رشده.
آخر الشر فإنّك إذا شئت تعجلته، وقطيعة الجاهل تعدل صلة العاقل، من أمن الزمان خانه، ومن أعظمه أهانه. ليس كلّ من رمى أصاب، إذا تغيّر السلطان تغيّر الزمان..
سل عن الرفيق قبل الطريق، وعن الجار قبل الدار، إياك أن تذكر في الكلام ما يكون مضحكاً وإن حكيت ذلك عن غيرك. وإياك ومشاورة النساء فإنّ رأيهن إلى أفنٍ وعزمهن إلى وهن واكفف عليهن من أبصارهن بحجابك إياهن فإنّ شدة الحجاب أبقى عليهن وليس خروجهن بأشد من إدخالك من لا يوثق به عليهن، وإن استطعت أن لا يعرفن غيرك فافعل، ولا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإنّ المرأة ريحانه وليست بقهرمانة ولا تعدُ بكرامتها نفسها.
 

واجعل لكلّ إنسان من خدمك عملاً تأخذه به فإنّه أحرى أن لا يتواكلوا في خدمتك، وأكرم عشيرتك فإنّهم جناحك الذي به تطير، وأصلك الذي إليه تصير، ويدك التي بها تصول، استودع الله دينك ودنياك واسأله خير القضاء لك في العاجلة والآجلة والدنيا والآخرة.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع