اخرج إلى الضوء | عندما يكون القائد والداً للمجاهدين مهارات | المساندة النفـسيّة في الأزمات والحروب الملف | كيف نواجه إشاعات الحرب؟ الملف | بصبركنّ... ننتصر الملف | دعاء أهل الثغور: مدد المجاهدين الملف | الشهداء المستبشرون معالم المجتمع الصالح في نهج البلاغة الملف | قيم المقاومة آخر الكلام | تحت الركام.. الافتتاحية | الصبر حليف النصر

تقرير | مآذن الضاحية: "حيَّ على الجهاد"

لطيفة الحسيني


قبل أكثر من 35 عاماً، قال مفجّر الثورة الإسلاميّة في إيران الإمام روح الله الخمينيّ قدس سره جُملته الشهيرة: "مساجدكم متاريسكم". دعوة سماحته هذه، شكّلت منطلقاً لدى كلّ رافض لسياسة التسلّط والاستكبار لاستثمار مواقع الصلاة في سبيل بذل المزيد، حتّى صدّ المعتدين وانكسار مشاريعهم. "الشباب المؤمن" كما كان يُعرف حينها، لبّى النداء، استجاب لرسالة الإمام ولم يتقاعس. شبابٌ سلكوا درباً خرّج جيلاً من الاستشهاديين، والمقاومين، والقادة، باتوا "سَريّة عشقٍ" انطلقت من المساجد وتنقّلت بين المحاور، يتقدّمها أحمد قصير، عامر كلاكش، هيثم دبوق، عبد الله عطوي، أسعد برّو، عبّاس الوزواز، صلاح غندور، علي أشمر وعمّار حمود...

وفيما يأتي، استعراض لأبرز المحطّات الهامّة في تاريخ المقاومة، والتي كان محورها المسجد.

•مسجد الإمام الرضا عليه السلام وانطلاق الثورة
أدّت مساجد الضاحية الجنوبيّة لبيروت قسطها من "الكفاح"، فكانت مركزاً محوريّاً عمل على صياغة الشخصيّة الإسلاميّة للشباب. فمسجد الإمام الرضا عليه السلام في بئر العبد، الذي تأسّس عام 1975م، يُعدّ من أبرز دُور العبادة التي استوعبت "أبناء الثورة"، وحضنت نشاطاتهم المختلفة التي كانت تشترك في هويّتها المناهضة للاحتلال الإسرائيليّ آنذاك. في تلك المرحلة أضحى مسجد بئر العبد مسجد "المقاومة الإسلاميّة في لبنان"، يحتضن الخطابات التعبويّة، والدروس الثقافيّة الأسبوعيّة، واللقاءات الدينيّة اليوميّة، والعظات السياسيّة التي صقلت المجاهدين الفدائيين. وقد قيل عن دور مسجد بئر العبد في الثمانينيّات إنّه "أطلق الثورة". وبالفعل، استطاع هذا المسجد أن يكون محطّة برّاقة شهدت على بأس مئات المؤسّسين والفاعلين والمؤثّرين في خطّ الجهاد.

• مواجهة "اتّفاق الذلّ"
بعد الاجتياح الإسرائيليّ للبنان عام 1982م، أبرم العدوّ مع بعض الأطراف المحليّة آنذاك "اتّفاق 17 أيّار عام 1983م" والذي عرف بـ"اتّفاق الذلّ". اتّفاق فجّر غضب اللبنانيّين الذين ما انفكّوا يواجهونه بموازاة حملات تنديد واسعة طالت مختلف المناطق في المساجد والحسينيّات، خصوصاً في الجنوب وضاحية بيروت الجنوبيّة، حيث انطلقت من مسجد الإمام الرضا عليه السلام في بئر العبد تظاهرة عشيّة إطلاق وثيقة الاتفاق. حينها، تمّ تطويق محيط المسجد بعد أن حاول المصلّون تصعيد الاحتجاج مُعلنين رفضهم له، إلى أن وقع صدام بينهم وبين عناصر الجيش اللبنانيّ، ارتفع على إثرها محمّد نجدي شهيداً، وأصيب ستة متظاهرين بجراح، فيما اعتُقل عشرات الشبّان، فاحتدمت في أعقاب هذه المواجهة التظاهرات الشعبيّة، وتصاعدت وتيرة العمليّات البطوليّة ضدّ قوّات الاحتلال، في سبيل إلغاء مفاعيل هذا الاتفاق المشؤوم.

بعد أقلّ من سنة، وفي ظلّ الرفض الشعبيّ العارم لاتّفاق الذلّ، وتحت ضغط الانتفاضة الشعبيّة التي انطلقت في 6 شباط من عام 1984م، قام أمين الجميّل في 5 آذار من عام 1984م بإعلان إلغاء اتفاق 17 أيّار.

• استهداف "المسجد"
إنّ الدور الرياديّ الذي أدّاه مسجد الإمام الرضا عليه السلام، عبر روّاده المؤمنين المُلتزمين بخطّ المقاومة والحركة الإسلاميّة، قد أزعج الاستخبارات الأميركيّة، التي عمدت إلى توكيل عملائها لتنفيذ اعتدائها القاتل واستهداف إمام المسجد سماحة العلامة السيد محمد حسين فضل الله (رضوان الله عليه)، عبر تفخيخ سيّارة بمئة كلغ من مادّة الهيكسوجين الحارقة. التفجير الإرهابيّ هذا شدّ عصب أصحاب النفوس الأبيّة من المجاهدين، فكثّفوا نشاطاتهم وعمليّاتهم العسكريّة، ولم يتراجعوا قيد أنملة. كما حثّت مجزرة بئر العبد فرقة الإسراء للأناشيد الإسلاميّة على إصدار نشيد يوثّق حكاية النضال بعنوان "القلب قد مضى، نحو رحاب السعد، لمسجد الرضا، مسجد بئر العبد...".

•مسجد الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف والحركة الإسلاميّة
في الغبيري، تميّز مسجد الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف بنشاطه السياسيّ الداعم لعمليّات المقاومة ونهجها.

النشاطات، والأدعية، ومجالس العزاء، والتجمّعات التي شهدها مسجد الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف عزّزت الحركة الإسلاميّة في تلك المرحلة، هناك، حيث عايش الشباب المؤمن جهوداً عظيمة بُذلت في سبيل توحيد صفوف الطائفة الشيعيّة وتحصينها في مواجهة رياح الفتنة. في المسجد نفسه، كثّف الأئمّة والخطباء، وبينهم الشيخ حسن طراد، كلماتهم في سبيل دعم ثقافة المقاومة في وجه العدوّ الصهيونيّ. وكان سماحته يردّد "لا قيمة لحياة تنكسر فيها الرقاب، وتُذَلّ فيها النفوس، وتضعف فيها القلوب، فإمّا أن نعيش أعزّاء أحراراً، وإمّا أن نُتوّج بشرف الشهادة".

• مظاهرة 13 أيلول
النهج الثائر ضدّ اتفاقيّات الذلّ والتحالف مع الصهاينة في مرحلة التسعينيّات، دفع "الشباب المؤمن" للنزول إلى الشوارع ورفض كلّ معاهدات التسوية مع الصهاينة. فاختار حزب الله آنذاك مسجد الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف في الغبيري كمحطّة لتجمّع المشاركين في مظاهرة 13 أيلول 1993م الشهيرة، والانطلاق تُجاه جسر المطار للتنديد باتّفاق "أوسلو" بين منظّمة التحرير الفلسطينيّة والعدوّ، وارتفع تسعة شهداء أبرار وفاءً لفلسطين والمقاومة.

•مسجد الشيّاح وتخرّج القادة
مسجد الشيّاح الشهير، الذي تلقّى القائد الشهيد الحاج عماد مغنيّة والقائد الشهيد السيّد مصطفى بدر الدين فيه أوّل تعاليمهما الإسلاميّة والحزبيّة، شكّل في مرحلة ما قبل الحرب الأهليّة وحتّى في السبعينيّات مركزاً للعمل الإسلاميّ والثقافيّ، وكان أيضاً النواة الأساسيّة لاستقطاب النساء اللواتي انخرطن فيما بعد في صفوف حزب الله. كما أنّه مهّد الطريق أمام مئات المؤمنين والمؤمنات بهذا الخطّ للوقوف في وجه العدوان والاحتلال، ليُصبح مكاناً مُهمّته نشر الوعي الدينيّ والسياسيّ على حدّ سواء.

يروي التاريخ أنّ الأمين العام السابق لحزب الله الشهيد السيّد عبّاس الموسويّ (رضوان الله عليه) عاش فترة من حياته هناك، إلى جوار المسجد المذكور. وفي 16 حزيران 1985م، قرأ رئيس المجلس السياسيّ في حزب الله السيّد إبراهيم أمين السيّد (الناطق باسم حزب الله حينها) أوّل رسالة لحزب الله في الحسينيّة الملاصقة له.

• مسجدا الإمام عليّ والإمام الحسين عليهما السلام
في برج البراجنة، كان مسجد الإمام عليّ عليه السلام في محلّة المنشيّة إحدى القلاع التي شاركت في الدفاع عن المقاومة وسلاحها، بموازاة مسجد الإمام الحسين عليه السلام في البرج أيضاً، حيث "خيّمت" حشودٌ غفيرة من "الشباب المؤمن" حينها لتلقّي دروسٍ اعتُبرت القاعدة الأساس في صقل الوعي لدى كلّ من اختار في ذلك الوقت مقارعة الإسرائيليّين. فمسجد الإمام الحسين عليه السلام الذي يبعد أمتاراً عن مسجد المنشيّة، كان مقصداً لمئات الشباب الذين حصّلوا توعية سياسيّة ووطنيّة عميقة، حيث كان رجل الدين البارز والفقيه الشيخ حسين عوّاد يعظ المجموعات الشبابيّة ويحثّها على مواجهة الإسرائيليّين.

ومن بين الأسماء التي عُدّت مؤثّرةً في نفوس الشباب، يحضر الشهيد نزيه حرب، الذي كان مُدرّساً لامعاً بعد أن كان من أوائل المنتسبين للعمل الإسلاميّ، في إثر انضمامه إلى صفوف المقاومة الإسلاميّة عام 1979م، وهو بالمناسبة استُشهد في منطقة طريق المطار دفاعاً عنها. 

•ستبقى المساجد
أيّام البدايات لا تُمحى، فهي راسخة في ذاكرة المؤيّدين والأنصار والمُنتمين... سنواتٌ مضت لكنّها حاضرة، فيها الولادة، والمنشأ، والأصل، هي الحضن الذي جمع أهل النضال والنزال وبنى قاعدة ثابتة لا تختلّ ولا تتبدّل، لتغدو المقاومة متجذّرة تُحصّن كلّ ملتحقٍ بها، وتردع كلّ مُتردّد عنها، ولتبقى المساجد قلاع المقاومين الذين انطلقوا في درب الجهاد بعقائد ومبادئ راسخة على مرّ الزمن.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع