مع الإمام الخامنئي | لا تنبهروا بقوّة العدوّ* نور روح الله | لو اجتمع المسلمون في وجه الصهاينة* كيف تكون البيعة للإمام عند ظهـوره؟* أخلاقنا | كونوا مع الصادقين* الشهيد على طريق القدس عبّاس حسين ضاهر تسابيح جراح | إصابتان لن تكسرا إرادتي(1) على طريق القدس | «اقرأ وتصدّق» مشهد المعصومة عليها السلام قلبُ قـمّ النابض مجتمع | حقيبتي أثقل منّي صحة وحياة | لكي لا يرعبهم جدار الصوت

يوم خرج الإمام الرّضا عليه السلام لصلاة العيد

الشيخ توفيق حسن علوية


عندما تسلّم الإمام الرّضا عليه السلام ولاية العهد سنة 201هـ، كلّفه المأمون العباسيّ أن يصلّي بالناس صلاة عيد الفطر، رغم شرط الإمام عليه السلام على المأمون أنْ لا يشترك معه في شي‏ء من شؤون الحكم.
ما هي خطّة المأمون؟ وكيف تصرّف الإمام الرّضا عليه السلام؟

• اخرج كما تُحب
لمّا حضر العيد، بعث المأمون إلى الإمام الرّضا عليه السلام يسأله أن يحضر للعيد ويخطب، بحجّة أن تطمئنّ قلوب الناس، فبعث إليه الإمام الرّضا عليه السلام: "قد علمت ما كان بيني وبينك من الشروط في دخولي في هذا الأمر". فردّ المأمون: "إنمّا أريد بهذا أن يرسخ في قلوب العامّة والجند والشاكريّة هذا الأمر، فتطمئنّ قلوبهم ويقرّوا بما فضّلك اللّه تعالى به"، لكنّ إلحاح المأمون كان مريباً، فقال الإمام عليه السلام: "إن أعفيتني من ذلك فهو أحبّ إليّ، وإن لم تعفني خرجت كما كان يخرج رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم، وكما خرج أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام". فقال المأمون: "اخرج كما تحبّ"(1).

• في الطرقات وعلى السطوح
أمر المأمون عسكره والناس أن يبكّروا إلى باب أبي الحسن الرّضا عليه السلام، فحضر الناس لأبي الحسن الإمام الرّضا عليه السلام في الطرقات والسطوح، من الرجال والنساء والصبيان، واجتمع القادة على بابه عليه السلام؛ فلمّا طلعت الشمس، قام عليه السلام فاغتسل وتعمّم بعمامة بيضاء من قطن، وألقى طرفاً منها على صدره، وطرفاً بين كتفيه وتشمّر، ثمّ قال لجميع مواليه: "افعلوا مثل ما فعلت"، ثمّ أخذ بيده عكّازه وخرج، وهو حافٍ، قد شمّر سراويله إلى نصف الساق، وعليه ثياب مشمّرة.

• كأنّ الدنيا تجاوبه
"فلمّا مشى، رفع رأسه إلى السماء وكبّر أربع تكبيرات، فخيّل إلينا أنّ الهواء والحيطان تجاوبه". هكذا يروي أحد أصحاب الإمام عليه السلام، ثمّ يكمل قائلاً: "فلمّا طلعنا عليهم بهذه الصورة حفاةً، قد شمّرنا، وطلع الإمام الرّضا عليه السلام وقف قليلاً على الباب، وقال: (اللّه أكبر، اللّه أكبر على ما هدانا، اللّه أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام، والحمد للّه على ما أبلانا). ورفع بذلك صوته ورفعنا أصواتنا، فتزعزعت (مرو) من البكاء والصياح، فقالها ثلاث مرّات، فسقط القادة عن دوابّهم ورموا بخفافهم، لمّا نظروا إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام، وصارت (مرو) ضجّة واحدة ولم يتمالك الناس من البكاء والضجيج، فكان أبو الحسن الرّضا عليه السلام يمشي ويقف في كلّ عشر خطوات وقفة يكبّر اللّه أربع مرّات، فيتخيّل إلينا أنّ السماء والأرض والحيطان تجاوبه"(2).

• قد كلّفناك شططاً
عندما بلغ المأمون ذلك، قال له الفضل بن سهل ذو الرئاستين: "إن بلغ الرّضا المصلّى على هذا السبيل افتتن به الناس، وخفنا كلّنا على دمائنا"، فأنفذ المأمون إليه: "قد كلّفناك شططاً، وأتعبناك، ولسنا نحبّ أن تلحقك مشقّة، فارجع، وليصلِّ بالناس من كان يصلّي بهم على رسمه". فدعا أبو الحسن عليه السلام بخفّه فلبسه وركب ورجع. واختلف أمر الناس في ذلك اليوم، ولم تنتظم صلاتهم(3).

• أبعاد ما قام به الإمام عليه السلام
إنّ خروج الإمام عليه السلام لصلاة العيد بهذه الكيفيّة يكشف لنا أموراً عدّة:
1. عدم انفصال الدين عن السياسة: إنّ الطقس العباديّ عند الأئمّة المعصومين عليهم السلام لا ينفكّ عن العمل السياسيّ والاجتماعيّ والتفاعليّ مع الناس.

2. فضح الحكّام: إنّ الترجمة الأصليّة للسنّة النبويّة تفضح الحكّام، الذين تقلّدوا الخلافة ظلماً وعدواناً، فخروج الإمام الرّضا عليه السلام كخروج الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام، كان له هذا المدلول.

3. إحداث تغيير في المفاهيم: إنّ الكثير من المراسم الإسلاميّة قد تمّ تعطيلها وتجويفها، فمن كان يصلّي صلاة العيد كانت صلاته تمرّ مرور الكرام، بينما إذا صلّاها الإمام عليه السلام فإنّها تُحدث تغييراً جذريّاً في مفاهيم الدين والحكم.

4. تقبّل منهج أهل البيت عليهم السلام: كشف التفاعل الجماهيريّ مع الإمام عليه السلام حال خروجه للصلاة عن أنّه عندما يَعرض منهج أهل البيت عليهم السلام على الناس، دون موانع أو خوف، فإنّهم يُقبلون عليه ويتفاعلون معه روحيّاً وبدنيّاً.

5. شعور الحُكّام بالخطر: إذا كان مجرّد الخروج إلى أداء هذه المراسم قد أشعر الحكّام بالخطر المحدق بهم، فكيف لو أنّ الامام عليه السلام استمرّ في هذه المراسم وخطب الخطبة السياسيّة مثلاً، واستمرّ إلى حين ما بعد صلاة العيد وقام بالتعقيبات واحتكّ به الناس وأخذوا يسألونه ويجيبهم، وما شابه؟

6. إحداث تأثير في الناس: لقد أثبتت صلاة العيد أنّ إتاحة أدنى فرصة للأئمّة عليهم السلام، ولو بصورة صلاة العيد، كان لها هذا التأثير كلّه، فماذا لو أُتيحت لهم الفرصة بأكثر من صلاة العيد في ميادين أخرى؟

7. الميل نحو أهل البيت عليهم السلام: كشفت هذه المراسم، التي منع المأمون إتمامها، عن وجود ميل عظيم لدى الجماهير تُجاه أهل البيت عليهم السلام ينتظر فرصةً للتعبير عن نفسه، فأتت صلاة العيد بهذه العظمة خير كاشف عن هذا الميل الموجود حتّى عند العسكر والجنود.

8. امتداد النبوّة: إنّ هذا الخروج للإمام الرّضا عليه السلام بهذه المراسم العظيمة أعاد للناس ذاكرة النبوّة العظمى، والإمام الرّضا عليه السلام كان تجسيداً عظيماً وممتدّاً لهذه النبوّة، وهذا له تأثيراته السلبيّة على السلطة، والإيجابيّة على خطّ الرسالة وخطّ أهل بيت الطهارة والعصمة عليهم السلام.

9. إفشال مخطّط المأمون: يظهر من المخطّط الأصليّ للمأمون أنّه كان يتعمّد عزل الإمام الرّضا عليه السلام عن الناس والجماهير من جهة، والترويج أنّ الإمام الرّضا عليه السلام وشيعته لم يعودوا من أهل المظلومّية من جهة ثانية، فالدنيا قد أقبلت عليهم كما هو المدّعى، إلّا أنّ الإمام عليه السلام قطع عليه هذا الطريق وأفشل مخطّطه بشروطه، والتي منها عدم التدخّل في شؤون الحكم. وكان المأمون يعتقد أنّ صلاة العيد مع الإمام عليه السلام ستكون بداية دخول الإمام عليه السلام في شؤون الحكم بخلاف شرطه، إلّا أنّ خروجه عليه السلام للصلاة كشف أنّه خروج استثنائيّ، فجعل من الجماهير ملتفّةً حول الإمام عليه السلام بخلاف ما أراده المأمون العباسيّ.


ختاماً: تُظهر هذه القصّة كيف أنّ مخطّط المأمون في تشويه صورة الإمام عليه السلام قد أحدث نتيجةً عكسيّةً؛ فعندما يتعلّق الأمر بالإمامة، فلا مجال إلا لبزوغ شمس الحقّ والحقيقة.
 

1. يراجع: العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 49، ص 134-135.
2. المصدر نفسه، ج 49، ص 134-135.
3. الشيخ المفيد، الإرشاد، ج 2، ص 265-266.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع