نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

عالمية الفكرة المهدوية



سماحة العلامة السيد عبد الكريم فضل الله


لن أدخل اليوم في بحث نقلي، أناقش فيه الأحاديث والأخبار عن الإمام المهدي  عجل الله تعالى فرجه الشريف، وهي كثيرة مشهورة، بل هي في مسألة أصل ثبوت فكرة المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف متواترة.
ولكني سأدخل في مسألة وجودها في الوجدان الإنساني منذ فجر التاريخ، إنها الحلم البشري الذي يؤمن به كل بشري، يحمله في حناياه ويسعى إليه، بل إنها من الحتمية التاريخية التي ستقع لا محالة، وجاءت الأحاديث إخباراً عن هذا الواقع.


أذكر أنني كنت أشاهد مرَّة تلفزيون المنار في برنامج اسمه "الاستعمار عبر التاريخ" وكانت الحلقة يومئذٍ تتحدث عن الهنود الحمر في أمريكا فذكروا:
إنه كانت هناك مدينة في القارة الأمريكية توجه إليها الغزاة الأوروبيون البيض الذين كانوا يبحثون عن الذهب والفضة، وحين صلوا إليها وأرادوا محاصرتها، إذا بهم يفاجئون بأبواب المدينة تُفتح، ويملكها الهنديّ الأحمر يخرج منها مع حاشيته ووزرائه وكبار القادة العسكريين، ومعهم مفتاح المدينة، ويحملون صناديق فيها الكنوز والذهب والفضة جعلوها بين أيدي الغزاة، مقدِّمين الطاعة، مظهرين الخضوع لقائد هؤلاء الغزاة.
وظن الغزاة أن في الأمر حيلة، وخافوا الوقوع في مصيدة ويكون الأمر مكيدة حيكت لهم. ولكن الحيرة لم تطل، واكتشفوا أن تقديم الطاعة من قبل هؤلاء لم يكن حيلة بل هو حقيقة، ذلك أن الملك وأعوانه كانوا يؤمنون بأنه سيأتي "رجل من الشرق أبيض، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وفساداً".

* إلفات:
استدعت انتباهي هذه الحادثة، فوقفت عندها، أليست هي نفس فكرة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف بل هي مطابقة للروايات عندنا، فمن أين وكيف وصلتهم؟

* عالمية فكرة الإمام المهدي  عجل الله تعالى فرجه الشريف
إنما أتيت بهذه القصة التاريخية كي ألفت النظر إلى أن فكرة المهدي ـ هي تتلخص بالخلاص البشري. تعيش في قلب ووجدان وضمير كل بشري، سواء كان ذا دين سماوي كالمسيح والمخلص والمهدي، أم لم يكن كذلك، كما رأينا من الهنود الحمر، أو من الملحدين، فإن توق البشرية إلى الحرية والعدالة والسلام والطمأنينة والغنى، والتي هي العناوين الكبرى لدولته الكبرى الشريفة، توق مغروس متأصل، يسعى جميع الناس لتحقيقه.

* الحتمية التاريخية:
ولأجل وجود الظلم والفساد، ولأجل تطور البشرية العلمي والتقني الذي يجعل الظالمين أكثر تسلطاً، وتعاملهم مع المستضعفين أدهى، ومع هذا التوق البشري للتخلص من كل ظلم، كان تحقيق فكرة المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف حتمية تاريخية لا بدّ منها ولا مناص، وبهذا أتت الأخبار والأحاديث الشريفة المروية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل العصمة (عليهم السلام).

* نقطة الالتقاء ونقطة الاختلاف:
إذاً نقطة التقاء البشر، كل البشر مؤمنين وملحدين، هو أنه لا بد من خلاص.
ونقطة الاختلاف هي في كيفية هذا الخلاص.
فمن قائل بأن الصراع الطبقي وجدلية هذا الصراع سيؤدي حتماً إلى الخلاص (هيجل وماركس)، إلى قائل بأنه رجل مرسل (المسيح، المخلص) عند اليهود والنصارى، إلى قائل بأنه رجل عظيم يحمل اسم النبي محمد  صلى الله عليه وآله وسلم سيولد (أهل السنة من المسلمين)، إلى قائل بأنه إمام معصوم من ولد فاطمة (عليها السلام) ولد وسيظهر آخر الزمان (الشيعة من المسلمين).
إنه بشارة الأنبياء (عليهم السلام) وفي كتب الأنبياء (عليهم السلام) ولعلَّ بعض هذه التعاليم والكتب قد وصلت إلى الهنود الحمر مع رحَّالة ومكتشفين لم يذكرهم التاريخ، وصلوا إلى الأميركيتين، هي وراء وصف المخلص بأنه من الشرق وأبيض.

* كيف نصل؟
وإذا كان الاختلاف في تطبيق فكرة المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف وكيفية الخلاص، فمن أصدق من النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة الأطهار (عليهم السلام) من أهل بيته، نرجع إليهم ليدلونا على ذلك، لقد جاء النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الدين العظيم وبهذا الإسلام وتشريعاته في جميع أنحاء الحياة وصدَّقناه، أفلا نرجع إليه في أمر يشغل البشرية جمعاء؟!
ولا شك في أن الله عز وجل قد أنزل وحياً في أمر مهم كهذا.
وهنا يأتي دور الروايات والأحاديث عن المعصومين (عليهم السلام) والروايات كثيرة جداً في أن الإمام الثاني عشر من ولد علي وفاطمة (عليهم السلام).

لا بد من اتصاله بسلسلة الأئمة المعصومين (عليهم السلام):
وهنا خطرت لي سانحة في لا بديَّة اتصاله بالأئمة قبله.
إنَّ أهم ما يتحلَّى به المهدي لتخليص البشر هو العلم. وعلمه هذا من أين يستقيه؟ والاحتمالات ثلاثة:
1 ـ فإما أن يكون وحياً، ولكن الوحي قد انقطع برسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم، فإنه آخر الأنبياء.
2 ـ وإما أن يكون من الوسائل التعليمية في زمانه، كالكتب والأنترنت وغيرهما من وسائل التعليم والإيضاح السمعية والبصرية التي تأخذ مصادرها من أبحاث وأفكار ونتائج فكرية قديمة أو معاصرة، وحينئذٍ لن يكون سوى نسخة مصححة، أو أفضل أهل زمانه، ولكن كيف يقوم بهذه المهمة الكبرى العالمية التاريخية، والتي هي حُلُم البشرية من أول الخليفة، مَنْ أخَذَ العلم والمعرفة من مصادر فيها الغث والسمين والصحيح والخاطىء؟!!
3 ـ وبقي الاحتمال الأخير، وهو أن يأخذ العلم من تلك الينابيع الصافية من أهل بيت العصمة (عليهم السلام) الذين قال عنهم أعداؤهم "يزقّون العلم زقّاً".

إذاً لا بدّ أن يتصل بالإمام الحادي عشر الحسن العسكري (عليه السلام) اتصالاً مباشراً بالولادة، بحيث يكون قد أخذ منه، رآه وسمعه، كما أخذ هو عن أبيه (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام)، وكما أخذ عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما قال:
"علَّمني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ألف باب ينفتح لي من كل باب ألف باب".

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع