أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

الأسرى المحررون في حديث خاص لـ"بقية الله": همنا الأساسي المقاومة الإسلامية



تحقيق: حسن ريا/ محمد ناصر الدين


بين أرض الوطن والأسرى حكاية مغروسة بتراب جبل بقلوبهم وأجسادهم، فالأسرى هم النصر المشغول بحروق الصبر وسياط الجلادين في أقبية الخيام وعسقلان والجلمة.
وبينهم وبين الأمة التي اتفت بهم قصة حب وشوق وعهد بيعة للخط الذي سلكوه وعبّدوه بسنوات عمرهم التي قضوها في زنازين العدو. تنفس الأبطال "الحرية" برؤوس شامخة لا تنحني لغير الله، وطربت أفئدتهم على عزف نشيد الحرية، وتنهد الشوق معزوفة مجبولة بالفرح والألم... عاد الشهداء الأحياء إلى أحضان الأمهات المنتظرات على شرفات الأرض المحررة. عادوا وفي مآقيهم دمعتان، دمعة لفرح اللقاء وأخرى شوقاً لأحبة ما زالوا قيد الاعتقال، كيف لا ومنهم من تجاوزت سنوات اعتقاله في رحاب زنازين الخيام ثلاثة عشر عاماً، كعبد الغريب بيضون الذي كان شاهداً على جرائم العدو وعملائه. بحق شباب لا تتجاوز أعمارهم العقد الثاني. طيلة مكوثه في السجن.

حكايات غنية بالعبر، عنيدة على قضبان السجن وجدرانه العالية التي حجبت الشمس عن عيون المعتقلين لسنوات تختصر كل أعمارهم المسروقة منهم، حَكوْها لنا ممزوجة بحزن وبسمة تغرق في وجوههم، تصحبها ضحكة خارجة من القلب، وكأنهم ولدوا من جديد، فالحديث عنهم حديث عن تاريخ من نور خُطَّ بعذاباتهم وآهاتهم وعرق صبرهم، هؤلاء هم معتقلو وأسرى السجون الإسرائيلية الذين كخسرت قيودهم بعملية تبادل فرضتها المقاومة على العدو الغاصب إثر سحقه في انصارية، فيما لا يزال بعضهم الآخر قابعاً خلف قضبان الحديد وظلم السجان ووحشية العدو، والأمل كل الأمل بمقاومة تقارع الاحتلال لتهب الحرية لكل المعتقلين ولأرض سليبة منذ سنين.
"بقية الله" التقت بعض الأسرى المحررين تسألهم عن شؤونهم وشجونهم أثناء الاعتقال فكان الحوار مع كل من:
* عادل بهيج ترمس من قرية طلوسة المحتلة، مواليد العام 1967، اعتقل في 16 شباط 1986.
* عبد الغريب بيضون من قرية بنت جبيل المحتلة مواليد العام 1967، اعتقل في 1/7/1985.
* لافي قاسم المصري من قرية ميس الجبل المحتلة، مواليد العام 1954، اعتقل في حزيران 1988.
* أمين أحمد ترمس من قرية طلوسة المحتلة مواليد العام 1971، اعتقل في 31 آب 1988.

وعن ظروف اعتقال كل منهم: يخبرنا عادل ترمس أنه أُسر بعد ساعات على مشاركته في عملية الأسيرين التي أسرت فيها المقاومة جنديين إسرائيليين، أما عبد الغريب بيضون اعتقل على خلفية انتمائه وعمله مع المقاومة الإسلامية إثر مهمة أمنية داخل الشريط المحتل، وعلى معبر داخل الشريط المحتل، وعلى معبر بيت ياحون كان الموعد مع لافي المصري فاعتقل هناك على خلفية علاقته بالأخ جواد قصفي (من مجاهدي المقاومة) حيث كانا يقومان بعمل جهادي ضد العدو داخل الشريط المحتل حيث اعتقل الأخ جواد لاحقاً، فتوصلوا من خلال التحقيق معه إلى الأخوة الذين كانوا يتعاملون معه ومنهم "لافي"، أما جواد فما زال معتقلاً داخل سجون الكيان الصهيوني والذي استمر التحقيق معه خمس سنين وخمسة أشهر، وفي ذكرى اختفاء السيد موسى الصدر كان يستمع أمين ترمس من قريته المحتلة طلوسة عبر مكبرات الصوت لأحد العلماء يخطب في القرية المجاورة والمحررة قبريخا وذلك من وحي الذكرى، وفي الأثناء كان العدو وعملاؤه يترصدونه فنصبوا له كميناً. وما إن همَّ في الذهاب للعمل بمهمة أمنية حتى انقضوا عليه فساقوه معتقلاً إلى سجن الخيام.

ثم سألناهم عن أصعب موقف واجهوه ومرّوا به بعد الاعتقال مباشرة وخلال سنيّ الاعتقال فأخبرنا عادل أنه بعد الأسر أدرك أن مواجهة حقيقية ستقع بينه وبين المحققين اليهود "فكان الموقف إما أن نتخاذل وإما أن نصمد في وجه المحققين، فكانت المواجهة بيني وبينهم مواجهة صمود بفضل الله سبحانه وتعالى كان هذا أصعب موقف اجتزناه بصلابة"، ولأنه وقع في الأسر بعد العملية مباشرة "يعني بالجرم المشهود" أدرك أنه سيمكث في السجن طويلاً فحضر نفسه جيداً لهذا الأمر. ولأن معتقل الخيام فيه شتى وأصعب أنواع التعذيب والظلم والمعاناة، كان الموقف مختلف بالنسبة لعبد الغريب بيضون ولكل معتقلي الخيام، فيقول عبد الغريب: "أصعب المواقف التي واجهناها عندما كنا معتقلين جدداً حيث كنا بغرف وزنازين صغيرة جداً ومتلاصقة مع بعضها البعض، من أجل ممارسة الضغط النفسي علينا كان المحققون يقومون بضرب وتعذيب رفاقنا في الزنازين الملاصقة لزنزانتنا، فكنا نسمع صراخهم وآهاتهم وضربهم لساعات طويلة ثم يأتي دورنا حيث مارسوا بحقنا شتى أنواع التعذيب من الكهرباء إلى المياه الساخنة والباردة والضرب بكرابيج وكابلات الكهرباء المجدولة وبالكهرباء في أماكن مؤذية، في الأذنين والأماكن الحساسة وعلى المفاصل مع صب المياه".

أما لافي المصري فيعتبر أن فترة التحقيق وأسلوب العملاء في التحقيق معه بالإضافة للتعذيب الجسدي والعذاب النفسي هو أصعب موقف واجهه، هذا ليس لأنه وقف هذا الموقف وحده بل لأن التحقيق شمل زوجته واثنين من أبناء عمه وصهره وقد اعتقلوهم جميعاً ليضغطوا على "لافي" وليسألونهم عن علاقته بالمقاومة. مع أن "لافي" يعرف أنه أمام عدو جبان لا يملك أي قيم أخلاقية أو إنسانية لكنه واجههم بموقف أقوى وعزيمة أصلب مما كانوا يتوقعونه، ثم يقول لافي: "إن بعض الناس يظنون أن الشخص عندما يعتقل يكون موقفه ضعيفاً في التحقيق ويعترف بكل شيء وينفذ ما يطلب منه لكننا كنا نتحداهم ونجابههم وقلت لهم أن الذي يبيع أرضه وعرضه هو خائن ومجرم ولا يحترم".
وكان أمين ترمس أثناء التحقيق يتعرض لأقسى أنواع التعذيب والضغط النفسي فيشعر بعض العملاء أنه سينهار ويضعف لكنه كان يتذكر قول الإمام علي عليه السلام: "إن خفت أمراً فقع فيه". وكان يشعر في بعض الأحيان أنه يفضل أن يكتم أنفاسه ويموت على أن لا يدلي بمعلومة واحدة على أي مجاهد أو أي أمور أمنية.

سؤالنا الثالث كان عن أفضل موقفٍ وقفوه ويعتزون به ومدعاة فخر لهم، فيختصر لنا عادل أنه يعتز بموقف عظيم جداً له ولجميع الأسرى المحررين والذين بقوا في الأسر، فيقول: "الحمد لله الذي ثبنا على الموقف المبدئي الذي دخلنا عليه، وبقينا عليه وزدنا صلابة فيه ونحن في الأسر، وهو أننا بقينا في مدد من المقاومة وللمقاومة".
ويخبرنا عادل عن موقف يتذكره فيقول: "وفي إحدى المرات أرسل في طلبي أحد ضباط استخبارات الإسرائيلية يسألني عن "رون آراد" ما هو مصيره وهل أعرف عنه شيئاً، فعندما بدأ التحقيق، قال لي: ما اسمك؟ فقلت له: أنت عندما ناديتني بماذا ناديتني؟
ـ فقال باسمك.
ـ فقلت له: "إذاً ما دمت تعرف اسمي وهو عندك بالملف لما تسألني؟
ـ فقال لي: من أين أنت؟
ـ فقلت: عندك بالملف، وكلما يسألني أقل له عندك بالملف.
ـ ثم سألني: إلى أي حزب تنتمي؟
ـ فقلت له مباشرة: حزب الله.
ـ فقال لي: أنت لماذا تتكلم معي بهذه الطريقة؟
ـ فقلت:  ﴿وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ ﴾
ـ فقال: لماذا تتعامل معنا هكذا؟
ـ فقلت: ﴿ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ﴾.
ـ ثم قال: أتعتقد أن الخميني سوف يدمر إسرائيل ويستعيد فلسطين؟
ـ فقلت له: بإذن الله المقاومة الإسلامية هزمت إسرائيل وكل الضربات التي تسدها لكم هي بمدد من الإمام الخميني وسوف ننتصر عليكم إن شاء الله.
وهنا دخل ضابط مخابرات آخر وحاول تكبيل يديَّ فقمت بكسر يده وعلى أثر هذه الحادثة أكلت ضرباً مبرحاً ومكثت شهراً في زنزانة إفرادية أصرخ الله أكبر.
ويفتخر عبد الغريب بالموقف الذي وقفه وأخوته المعتقلين أثناء الانتفاضة التي قاموا بها سنة 1989 على أثر الظلم والجوع والعذاب ومنعهم من القيام بواجباتهم الدينية فيقول: "قررنا الإضراب احتجاجاً على الوضع القائم، فحاولوا ردعنا بأسلوب العنف فقامت الانتفاضة عفوية وانفجر ما بداخلنا من غضب، وبهذه الفترة سمعنا صراخاً وإطلاق رصاص بالسجن الثالث فانتفضنا نحن في السجن الرابع فكان كلامنا قاسياً بوجههم ورددنا شعارات لم يسمعوها من قبل فكانت شعارات "الله أكبر" كالقنابل عليهم، لأن أي إنسان كان في معتقل الخيام لا يصدق أن أحداً يستطيع التلفظ بهذه الشعارات، وكان الموقف القوي عندما دخل علينا مسؤول الثكنة ومرافقوه وطلبوا ما أن ندير وجهنا للحائط فرفضنا فحاولوا الدخول إلى الغرفة لكننا انتشرنا وتجهزنا للقتال حتى لو أدى بنا ذلك للموت فشعرت حينها بعزة وكرامة لصلابة الموقف الذي وقفناه". ويحكي لنا لافي عن موقف له شجاع عندما سأله ضابط الثكنة بتهكّم، "لماذا أنتم المقاومين تقومون بعملكم ثم في الاعتقال تندمون على ذلك فتبدأون بالإضرابات وتطالبون بإخراجكم من السجن فانبرى له لافي قائلاً "نحن نادمون على شيء واحد وهو أننا قصرنا بحقكم في الخارج وكان من المفترض أن نذيقكم العلقم ونكيل لكم أشد الضربات لنخرجكم من أرضنا أو نستشهد دون ذلك". "وهناك موقف آخر في انتفاضة 1989 عندما استشهد بلال السلمان وإبراهيم أبو عزو وذلك عندما هددنا الضابط بأننا سنلقى نفس المصير إذا استمرينا في الانتفاضة فقلنا له نحن جئنا إلى هنا لنموت وبالطريقة التي نريدها. أيضاً كان لأمين ترمس موقف عز وشرف يوم انتفاضة المعتقل في 22/11/89 حيث كان يقود الأخوة في غرفته في إطلاق الشعارات وأدى ذلك إلى تعذيبه بعد أن وقف وقال للأخوة في المعتقل "إن كان علينا لين نلين ونشدُّ يدنا إذا شدوا يدهم".

وعن أكثر شيء عزيز كان يتردد في أذهانهم ويشغل بالهم ويشكل هماً بالنسبة لهم وهم داخل المعتقل، الأهل، الأحبة، رفاق الدرب والمسيرة، حزب الله والقادة والجمهورية الإسلامية. فيتردد في بال عادل ترمس في بداية مشوار الأسر"، الوالد والوالدة وجميع الأخوة والأخوات وخاصة الأخوة العاملين في حقل المقاومة الإسلامية"، ثم صار يعيش مع ضربات المقاومين للعدو وتشغل باله انتصاراتهم التي يحققونها ويرجو الله تعالى أن يجعله معهم وفي مواقعهم حتى يشارك في إعادة العزة والكرامة لأهلنا في الجنوب والوطن الإسلامي.
العاطفة اتجاه الأهل كانت تشغل مشاعر "عبد الغريب" في البداية، ثم كان همه الأكبر الحالة الإسلامية ونموها في العالم وقوة الجمهورية الإسلامية أين أصبحت، الحرب العراقية الإيرانية والضغط الدولي على إيران، اندلاع الانتفاضة في فلسطين وتأثير المقاومة عليها وعلى الساحة الإسلامية كافة نشاط حزب الله والمقاومة الإسلامية، عملياتها واستشهاد قادتها. حزناً وفرحاً، حالتها التوسعية ونشاطها الثقافي والإعلامي والسياسي، الفرحة بامتلاك إذاعة وتلفزيون، وهناك مسألة واحدة كانت تشغل بال "لافي" وهي شعوره بأنه عاجز عن أن يقوم بأي عمل يضر بالعدو.
أما "أمين" فجُلُّ همه ضرب العدو وهزيمته، وكان بمجرد أن يسمع بعملية للمقاومة الإسلامية يفتخر ويرفع رأسه بهذا العمل حتى لو عوقب فليس لديه مشكلة طالما هناك إخوة يستشهدون، وأكثر ما شغل باله الفترة الحرجة التي مرت بها المقاومة الإسلامية من ضغوطات دولية ومحلية. حتى أنه عندما يسمع بعملية للمقاومة في تلك الفترة يشعر بوقعها عليه كوقع الماء البارد على العطشان.

* أما أبرز الأدوار التي قاموا بها داخل المعتقل كان سؤالنا الخامس:
"ليس الدور لي فقط بل الدور لجميع الأسرى لأننا كنا متماسكين" هذا ما قاله "عادل" ويضيف "خاصة أبناء حزب الله في السجن حيث كنّا متراصين وكان لنا داخل الغرفة دولة مستقلة تسمى أمة حزب الله (ثم سكت عادل وكأنه لا يريد الإفصاح عن الأدوار المهمة التي قام بها خشية الوقوع في الرياء فسألناه نحن):

* سمعنا أنكم كنتم تتابعون دارستكم وشيّعتم الكثير من الأخوة الفلسطينيين داخل السجن حتى أن بعضهم طبع ونشر بعض الكتب الشيعية عندما خرج من السجن فهل هذا صحيح؟
فيجيب بكل تواضع: "طبعاً وهذا يعود إلى فضل الله تعالى والجهود التي بذلناها نحن والأخوة في السجن، ونحن نريد للأخوة سواء كانوا من الفلسطينيين أو من العالم الإسلامي أن يعترفوا بأحقية أهل البيت عليه السلام على الأقل ثم ينتموا إليهم، فالله سبحانه وتعالى يقول: ﴿ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾ ، حتى الشافعي يقول في شعره:
 

"يا آل بيت رسول الله حبكم

فرضٌ من الله في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم الفخر أنكمُ

من لم يصلّ عليكم لا صلاة له"


فنحن لا نريد للسُنَّة أن يتشيعوا ولكن أن يعترفوا بأحقية أهل البيت عليه السلام ومشروعيتهم في الخلافة والولاية.

* ثم سألناه كيف استطاع أن يتعلم في السجن؟
فقال: "أول ما دخلنا السجن أدركنا أن صراعنا مع العدو ليس صراعاً بالسلاح فقط، فعلينا أن نواجهه بجميع الأسلحة العلمية والثقافية والعسكرية والاقتصادية، وهكذا ننتصر عليه، فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "من تعلم لغة قوم أمن مكرهم" فتعلمنا لغة العدو وليست الكلامية فقط بل لغتهم الاجتماعية والسياسية والثقافية، ودخلنا في مجتمعهم ككل فأدركنا حقيقة المجتمع اليهودي ووضعيته. نحن عندما نرى استعلاء العدو الصهيوني في الأرض علينا أن نرد عليه بعلوٍ إيماني فرب العالمين يقول: {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون} ولكن بشرط {إن كنتم مؤمنين} فإن حققنا العلو الإيماني والالتزام على اليهود ننتصر عليهم، وبفضل الله كانت دراساتنا عميقة جداً وتخرجنا من مدرسة نحن اخترعناها،فلم يكن هناك مدرسون. لكن بإرادتنا وعزمنا وانتمائنا لخط المقاومة الإسلامية وحزب الله استطعنا أن نصنع جامعة علمية وتخرجنا منها وهذا يعود لفضل الله تعالى.

وعن نظرة المعتقلين اللبنانيين (من منظمات أخرى) والفلسطينيين له وكيف كان يؤثر بهم وما هي الأدوار التي قام بها وأثرت بهم؟ يقول عادل:
الواقع في السجون الإسرائيلية يختلف عن الواقع في معتقل الخيام، حيث كل تنظيم له غرفه وله برامجه، وكنا لا نتدخل بأي تنظيم إلا من الناحية الفكرية الثقافية عبر لجنة حوار شكلناها، ممثل عن كل تنظيم، فوضعنا برامج جهادية وثقافية موحدة ضد العدو، وقد تفوق ممثلو حزب الله على التنظيمات الأخرى في الأمور الثقافية والدراسية وهذا يعود لفضل الله تعالى وإرادة الشباب فدرسوا العبري والإنكليزي والفرنسي وحتى الألماني، وكنا نتمنى أن ندرس الفارسية لغة الجمهورية الإسلامية وخلال فترة وجيزة استطعنا أن ننجز إنجازات عظيمة من خلال الدراسة فتعلمنا تجويد القرآن وحفظناه بشكل كامل والتفسير والتاريخ الإسلامي والسيرة وعلوم ثقافية أخرى.

أما أبرز الأدوار التي قام بها "عبد الغريب" فيقول: بما أنني من قدامى المعتقلين وعايشت الحالة الإسلامية منذ بدايتها بمعناها الحقيقي، كان دوري الأساسي وتعبئة وتثقيف المعتقلين الجدد حسب قدراتي الثقافية، فكانت تدور بيني وبينهم نقاشات وحوارات حول أصول الدين وفروعه ومعرفة الله والمباحث العقائدية ولطالما كانت تثمر هذه النقاشات والله يشهد بذلك، فالمعتقل غيّر بكثير من الأشخاص والنفوس، فالكثير من الشباب كانوا يدخلون المعتقل وهم لا يعرفون عن الدين شيئاً وخرجوا من المعتقل مؤمنين بالله أتقياء ومنهم من أكمل الطريق واستشهد، فالدور الأساسي إذاً هو العمل على هداية كل معتقل جديد إلى الطريق المستقيم.
وهذا ما كان يقوم به "لافي" أيضاً فقام بهداية العديد من المعتقلين الجدد واستطاع أن يستميلهم لخط المقاومة الإسلامية. ويعتبر "أمين ترمس" أن الذي تعلمه من الحالة الإسلامية التي فرضها حزب الله كان له الدور الكبير في المعتقل، كالعطف على الصغير واحترام الكبير فكنا نقوم بإعطاء الدروس وتعليم الصلاة والأحكام الشرعية وهذا أوجد جواً جيداً داخل المعتقل، مثلاً هناك بعض المعتقلين غير الشيعة وغير المسلمين كانت لهم نظرة سيئة عن حزب الله عندما دخلوا لكن عندما خرجوا تغيرت هذه النظرة إيجابياً وعندما تعرفوا على حزب الله عن قرب بأنه حزب رسالتي يعمل لمصلحة الأمة والمجتمع والوطن وليس لكاسب شخصية وزعامات.

* ثم وجدنا أنفسنا أمام رجالات قوية العزيمة صلبة الإيمان، فتختلج مشاعرنا بسؤال لهم، أي رجال خرجتم من خلف القضبان وماذا صنع بكم الاعتقال. فيقول "عادل": "خرجنا بعزيمة أكبر وإرادة أقوى، وهناك مثل بالعبري يقول: "لا شيء يقف أمام الإرادة"، فالإنسان المؤمن الرسالي صاحب إرادة ونحن أصحاب إرادة، وصاح الإرادة والعزيمة هو منتصر في النهاية لا محالة، وقد وجدت نفسي أهزم عدوي بإرادتي وإيماني.
أما "عبد الغريب" فقد تعلم الكثير من المعتقل كالتمسك بالمبدأ أكثر فأكثر والتصميم على متابعة الطريق والصبر الكبير على العذاب والآلام، تعلمت كيف أتعامل مع كل الناس أكان صغيراً أم كبيراً فصار عندي انفتاح ووعي ثقافي وسياسي وأمني، وتعلمت أيضاً الصمت الكثير وأن لا أتكلم إلا في الوقت المناسب والمكان المناسب.
"لافي" تقرب إلى الله أكثر فأكثر في المعتقل فزادت عزيمته وقوته وإرادته على الاستمرار بعمل المقاومة ضد العدو الصهيوني ويقول إن هذا هو أول شيء صنعه بهم المعتقل حيث يعتبر الشهداء قدوته، والاستمرار على طريقهم واجب الجميع، كما أنه يشجع أبناءه وزوجته على ذلك، ويقول: "هذه ضربة للعدو أن نكون عنده فنتربى على مقاومته والعمل ضده وبقوة".
ويقول "أمين ترمس" إنه دخل إلى المعتقل مراهق في أول عمره فدخل وهو ابن حزب الله على مستوى منطق وخرج وهو ابن حزب الله على مستوى أمة وأصبح ذا عزيمة قوية وإرادة صلبة ورحابة صدر وسعة صبر.

* أكثر شيء تمنوه وأفضل أمنية لديهم رادوا أن تتحقق وهم في الاعتقال كانت:
بالنسبة لـ"عادل" أن يمكّن رب العالمين المقاومة الإسلامية من أسر جنود إسرائيليين وليس واحداً أو اثنين بل أكثر حتى يُذل هذا العدو الصهيوني المتغطرس. أما أكثر أمنية كان يتمناها "عبد الغريب" هي انتصار الثورة الإسلامية في العراق، لأن باعتقاده أن أموراً كثيرة ستتغير في الحالة الإسلامية نحو الأفضل لو تحققت هذه الأمنية من فتح بوابة الشرق على الحالة الإسلامية وتنفيس عن الجمهورية الإسلامية وسند لها مما يؤدي إلى توسعها وقوتها وتهديد مباشر لأمن إسرائيل.
"لافي" تمنى نيله الشهادة داخل السجن لأنه لم يحصل عليها خارجه ويؤكد على أن تكون شهادة عظيمة عن طريق مقاومة العدو داخل السجن وليس بسبب الضعف.
ويقول "أمين": "نحن كمعتقلين نعتبر أن المقاومة هي أملنا الكبير ولها الدور الأكبر في إطلاق سراحنا، لذلك كنّا نتمنى أن لا تخيب المقاومة أملنا والحمد لله ما حيّبته ولن تخيبه مستقبلاً، فهذا هو ديدنها، وكان أملنا أن نرى ما كنا نسمعه عن الحالة الإسلامية وقوة حزب الله وفعلاً وجدنا ما سمعنا وأكثر وبحمد الله أن أمة حزب الله في أعلى وأعز درجاتها.

* ثم سألناهم عن أخبار المقاومة كيف كانت تصلهم وكيف كان تأثيرها عليهم وعلى باقي المعتقلين: لأن وضع السجون الإسرائيلية في داخل فلسطين مختلف عن وضع معتقل الخيام كان عادل يستطيع أن يتابع أخبار المقاومة عبر التلفزيون والجرائد، "فالتلفزيون سمح في السجن بعد إضرابات كثيرة" وكان لعمليات المقاومة الصدى والتأثير الكبير على نفوس كل السجناء وليس فقط على أفراد حزب الله حيث كنا جميعاً نعتز ونفتخر بعمليات المقاومة الإسلامية والتي أعطت العزة والكرامة لنا وللفلسطينيين داخل فلسطين.
ولأن معتقل الخيام تسيطر عليه ميليشيات وعصابات لحد التي لا تحترم أي حقوق دولية للسجناء والأسرى والمعتقلين، كان "عبد الغريب" وأخوته المعتقلون عندما يسمعون دوي القصف وصوت الطائرات يعرفون أن المقاومة سددت لهم ضربة قاسية بعملية ناجحة وبعد فترة يعرفون بنوع العملية من معتقل جديد، وهذا ما أكده "لافي" أي عبر الأشخاص الجدد حيث يقول "عندما ينتهي المعتقل الجديد من التحقيق ويدخلونه الزنزانة نتلقفه ليخبرنا عن كل عمليات المقاومة الجديدة فتزداد عزيمتنا وقوتنا ونشعر بعزة كبيرة حتى يصل بنا الأمر إلى الشعور بأن نواجههم ونحن داخل السجن، فالسجن لا يعني الحصار وعدم قدرتنا عن المواجهة بل هو عين المواجهة ومع كل عملية تحصل نقول أننا مستعدون للقضاء فترة أكثر في السجن". ويضيف "أمين" أنه في بعض المرات يعرفون بعمليات المقاومة من عملاء الزنازين عُبَّاد المادة، ومرات من تحركات الشرطة فنشعر بوجود عملية ما ثم نعرف بكل التفاصيل بعد فترة، وقد كان تأثير عمليات المقاومة علينا تأثير الماء البارد على العطشان في يوم حرٍ في فصل الصيف، هذا بالنسبة لشباب المقاومة الإسلامية المعتقلين، أما بالنسبة للآخرين يرجع ذلك لكل شخص، فمنهم من عنده خبث ومنهم من يحب المقاومة فيفرح ومنهم من كان يظهر غيظه بأن حزبه لا يقاوم الاحتلال بينما حزب الله رائد المقاومة.

ونزولاً عند رغبة الأخوة المعتقلين أردنا أن نلقي الضوء على عملي الزنزانة انطلاقاً من تجربة المعتقلين الذين عاينوه وعايشوه عن قرب ومعظمهم وقع في فخّه فيخبرنا "عبد الغريب" عنهم فيقول: "يدخلون معتقلين عاديين إلى المعتقل حيث يمر عميل الزنزانة بفترة تحقيق في المعتقل مثل غيره، لكي يطمئن المعتقلون إلى أنه واحد منهم، وأكر هنا أحد عملاء الزنزانة وهو من مارون الراس الذي كان بجيش لحد ثم عرضوا عليه أن يدخل المعتقل ليقوم بدور عميل الزنزانة ففعل، ويختص عمله بممارسة الضغط النفسي على المعتقلين الجدد وحرق أعصابهم وحرمانهم الراحة النفسية وعملاء الزنزانة لهم سجون خاصة بهم وليس معنا. "السجن رقم (1)" مؤلف من 6 إلى 7 غرف وكل غرفة فيها من اثنين إلى ثلاثة، وعندما يدخل معتقل جديد يظهرون له الإيمان من صلاة ودعاء وخشوع حتى يطمئن لهم، عندها الذي لم يستطع كشفه المحقق من المعتقل الجديد يكشفه عميل الزنزانة، وإذا لم ينجح أسلوبهم الأول يلجأون إلى الضغط النفسي على المعتقل، فيقولون له إن أردت أن ترتاح فما عليك إلا أن تقول كل ما تعرفه دون أن تتعذب، لأنه في النهاية سيعرفون كل شيء، لكن بعد أن يعذبوك أشد أنواع التعذيب من التعليق على العمود من 20 إلى 30 ساعة مربوطاً برؤوس أصابعك، ثم الكهرباء، ويضعونك على آلة الكذب التي تكشف كل شيء (وهذه الآلة شبيهة بآلة تخطيط القلب، فعندما يسأل المحقق سؤالاً معيناً وتضطرب أعصاب المعتقل يقول له إنك تكذب) وهنا يلعب دوره عامل الضغط النفسي كثيراً فيبدأ المعتقل بالتكلم.

ويقول "لافي" إن عميل الزنزانة يكتشف بعد ثلاثة أو أربعة أشهر من مزاولته عمالة الزنزانة وذلك من خلال بعض المؤشرات مثل عدم القيام بخدمات (أي الكلفة اليومية) ويقوم عميل الزنزانة بجعل المعتقل الجديد يطمئن له ويقول له نحن نفتخر بك إن كنت قد قمت بعمل مقاوم ضد هؤلاء الأعداء ونعتز بك ونرفع رأسنا وإن شاء الله تكون قد أبدعت بعملك ضدهم لكي نشفي غليلنا، وهنا يستدرج المعتقل وغالباً ما يقع حوالي 90% من المعتقلين بهذا الفخ، وقد حصلت قصة قبل أن نخرج بقليل حيث اعتقل اثنان أخوة الأول كان له تسع سنوات من العمل في المقاومة داخل الشريط والآخر كان ملازماً في جيش لحد لكنه كان يعمل لمصلحة المقاومة منذ ثلاث سنوات ونصف، وبقيا في التحقيق مدة 16 يوماً ولم يعترفا بأي كلمة أو معلومة يستفيد منها العدو حتى عجز المحققون عن التحقيق معهما فأدخلا غرفة عملاء الزنزانة ومع هذا لم يعترفا بشيء، فأحضروا لهما عميلاً من بلدتهما ووضعوه معهما متظاهراً بأنه يعمل للمقاومة وهذا ما كان يتظاهر به في الضيعة فاستدرجهما فوقعا معاً وكشف عملهما، فكانت صدمة للمحققين أنهم لم يستطيعوا كشفهما، وأن أحدهما بقي لتسع سنوات في الداخل ولم يكتشف والآخر بقي لأكثر من ثلاث سنوات ملازماً في ميليشيا لحد وهو يعمل للمقاومة.

ثم كان لهم كلمة أخيرة للمجلة وقرائها:
فتمنى عادل من المجلة أن تقوم بإعطاء الصورة الحقيقية للأسرى اللبنانيين والفلسطينيين وأن تقوم بإعداد برنامج ثقافي خاص بالأسرى وأن تنشر رسائل الأسرى الذين ما زالوا في السجون ثم شكر "لافي" للمجلة مبادرتها وجهودها في بث الثقافة الإسلامية وتمنى لها النجاح وأن تكون رائدة ووجه تحية للسيد حسن نصر الله والإمام الخامنئي ولكل العاملين في خط المقاومة الإسلامية، وعاهد "أمين" و"عبد الغريب" القادة والشهداء على المضي في هذا الخط حتى الشهادة.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع