نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

أضرار الربا على الاقتصاد- لبنان نموذجاً


رضوان جمّول (*)


إنّ ما آلت إليه حالة القطاع المصرفيّ المحلّيّ، وما تسبّب به من انهيار النظامَين النقديّ والاقتصاديّ، يشكّل في الواقع مصداقاً حيّاً لما ذهبت إليه الشريعة الإسلاميّة من تحريمها للربا.

بمعزل عن المقاربة الفقهيّة لهذا الموضوع، باعتباره من أعظم الكبائر والموبقات التي تفتك بالمجتمع اقتصاديّاً واجتماعيّاً وروحيّاً، فإنّ وظيفة هذه المقالة محصورة في تسليط الضوء على البُعد الاقتصاديّ لموضوع الربا نظريّاً وعمليّاً. ولعلّ الأزمة البنيويّة الراهنة التي تتخبّط فيها المصارف التجاريّة اللبنانيّة، بوصفها مؤسّسات ربويّة يشكّل التعاطي بالفائدة جوهر عملها ومبرّر وجودها، تضفي على توقيت طرح هذا الموضوع أهميّة خاصّة. 

•الربا: المعاملة المحرّمة ذات الضرر
تستخدم كلمة "الربا" عادة بمعنى الزيادة. وتطلق في عصرنا الحاضر على عائد تسليف النقود أو رأس المال؛ أي "الفائدة"، مع أنّ الربا بالمعنى الفقهيّ في هذه الحالة يطال المعاملة كلّها وليس الفائدة فحسب. 

من الواضح في الآيات القرآنيّة هول المعصية التي يرتكبها المرابون، إلى حدّ أنّها تستدعي عذاب النار، لا بل حرباً من الله ورسوله، فإنّ دواعي ذلك العذاب وتلك الحرب قد تكون على الأغلب موضع تساؤل من عامّة الناس. فما علّة هذا التحريم؟ ولماذا يتوعّد الله أصحاب المعاملات الربويّة بالحرب وبعذاب النار خالدين فيها؟ وما هي طبيعة أو حجم تلك المساوئ الناشئة عن تلك المعاملات حتّى تثير غضب الرحمن إلى هذا الحدّ؟ 

ففي النظريّة الاقتصاديّة الكلاسيكيّة، غالباً ما تحضر التبعات والمحاذير الآتية للمعاملات الربويّة:

1- زيادة كلفة الإنتاج.

2- تمركز الثروة واتّساع الفجوة في توزيع المداخيل.

3- زيادة الطلب والتوسّع في الاستهلاك وصولاً إلى التبذير.

4- الكساد وإفلاس الأشخاص.

5- تراجع الادّخار وزيادة اكتناز الأموال.

•تجارب وممارسات
أمّا على مستوى التجارب والممارسات، نستحضر نموذجين:

1- سياسات مصرف لبنان 

محليّاً، نكتفي بالإشارة إلى السياسات النقديّة والماليّة المعتمدة من قِبل مصرف لبنان ووزارة الماليّة اللبنانيّة طوال العقود الماضية، حيث نجد أنّ المحافظة على مستويات فائدة إيجابيّة (أي أكبر من مستويات التضخّم) مرتفعة في لبنان، شكّلت ثابتة أساسيّة في تلك السياسات، وذلك لتحقيق غايتَين أساسيّتين هما: المحافظة على سعر صرف ثابت لليرة مقابل الدولار من جهة، وضمان استمرار تمويل الإنفاق الجاري للدولة من جهة ثانية، وخصوصاً فوائد الدّين العامّ التي باتت تبتلع وحدها أكثر من 51% من إيرادات الخزينة. وقد أدّى ذلك إلى نتائج كارثيّة على صعيد تدهور الخدمات العامّة والبنى التحتيّة الضروريّة لحياة الناس اليوميّة، وإلى تدمير القطاعات الإنتاجيّة، وزيادة معدّلات البطالة، وتعميق حدّة الخلل في توزيع الثروة. 

أ- الهندسات الماليّة: ومن جملة هذه السياسات ما بات يُعرف بـ"الهندسات الماليّة"، والتي نفّذها مصرف لبنان بدءاً من سنة 2016م لمصلحة قلّة من المستفيدين لتعزيز احتياطيّاته من العملات الأجنبيّة، ولكن بفوائد عالية زادت من كلفة الدين العامّ والخسائر. 

ب- ضرر هذه السياسات: وبطبيعة الحال، فإنّ أصحاب المصارف وكبار المودعين بوصفهم الأكثر قدرة على جذب الأموال، لم يكونوا المستفيدين دوماً بالدرجة الأولى فحسب، بل إنّ تلك السياسات الماليّة والنقديّة كانت تُصمَّم غالباً على قياس مصالحهم لضمان موافقتهم على تقديم التمويل المطلوب أيضاً، وذلك على حساب صغار المودعين الذين ساهمت هذه السياسات في تبديد أموالهم. بالتالي، تعميم العوز والفقر في المجتمع مقابل رخاء القلّة المشاركة المذكورة. 

صحيح أنّ جزءاً من موجودات القطاع المصرفيّ الربويّ كان موجوداً على شكل تسليفات للقطاع الخاصّ، إلّا أنّ القسم الأكبر من هذه التسليفات لم يكن في متناول القطاعات الإنتاجيّة، حيث إنّ معدّل الفائدة على هذه القروض كان أعلى من عائدات المشروع نفسه، وهو ما كان له الأثر الأكبر في تعطيل الكثير من المشاريع الحيويّة للقطاع الخاصّ، سواءً الصناعيّة أو الزراعيّة، ثمّ خسارة آلاف فرص العمل، وتعميم البطالة.

2- الأزمة الماليّة العالميّة

أمّا دوليّاً، فإنّ العالم لم يبرأ تماماً حتّى تاريخه من تداعيات ما سُمّي بـ"الأزمة الماليّة العالميّة"، والتي اجتاحت الدول الرأسماليّة سنة 2008م، وأدّت إلى انهيار العديد من البورصات والبنوك والشركات الكبرى العريقة، فخسارة مئات آلاف المودعين لأموالهم، وكذلك لفرص العمل، وارتفاع مستويات البطالة، مضافاً إلى خسارة الكثيرين لممتلكاتهم تسديداً لرهونات على ديون عجزوا عن سداد فوائدها، فضلاً عن أصل الدين للدائنين. والسبب كان الارتفاع غير المتوقّع في أسعار الفائدة بشكلٍ فاق قدرة المدينين على التسديد في الوقت المحدّد.

•البدائل: البنك اللاربويّ في الإسلام
من هنا، ثمّة بدائل تحلّ مكان هذا النوع من البنوك، ومنها نظريّة السيّد الشهيد محمّد باقر الصدر. فعلامَ تنصّ هذه النظريّة؟

لقد تمكّن السيّد الشهيد الصدر قدس سره في كتابه "البنك اللاربويّ في الإسلام"، من تقديم أطروحة نظريّة متكاملة لبنك غير ربويّ، يعمل كمؤسّسة بنكيّة تجاريّة رابحة وفق قواعد العمل البنكيّ المعتادة وسط بيئة اقتصاديّة وماليّة مختلفة عقائديّاً، مع فارق أنّ العمولة نتيجة عمل البنك كوسيط بين صاحب رأس المال والمستثمر، تشكّل مصدر دخله الرئيس، بعكس البنك الربويّ الذي تشكّل الفائدة مصدر دخله بوصفه مالكاً لرأس المال.

وفي لبنان، تشكل جمعيّة مؤسّسة القرض الحسن تجسيداً حيّاً وناجحاً لأطروحة السيّد الشهيد قدس سره أعلاه، وإن كان على نطاق محدّد ضمن ما يسمى بـ"التمويل المصغّر"، حيث تؤدّي هذه المؤسّسة دوراً رائداً في تطوير هذه الصناعة البنكيّة وفق قواعد إسلاميّة. وتعتمد الجمعيّة في تعبئة الموارد وتقديم القروض على مبدأ التكافل والتضامن، وذلك من خلال أنظمة مثل الاشتراك والمساهمة والكفالة. وقد ابتكرت أيضاً أسلوب "الإيداع الحسن" الذي لا يتلقّى المودع بموجبه أيّة فوائد أو أرباح لقاء وديعته. وتُستخدم أموال هذه الودائع حصراً في تقديم قروض صغيرة نسبيّاً ذات طابع لا ربويّ.
 

(*) باحث وخبير اقتصاديّ.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع