نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

مع إمام زماننا: شروط الانتظار الحقيقيّ(3)(*)

آية الله الشيخ عبد الله جوادي الآمليّ 


مَن أراد أن ينجوَ بنفسه من ميتة الجاهليّة إبّان ظلمات عصر غيبة إمام عصره، وأن ينال حياةً عقليّةً، فيندرج في زمرة السعداء، ليس له إلّا أن ينال المعرفة بوجود إمامٍ معصومٍ في زمانه. ومعه، فلو أحاط بالإمامة وبإمام زمانه في إطار معرفة التوحيد والنبوّة، أدرك سرّ برنامج الحكومة والدولة الكريمة لإمامه، فيعرف حينئذٍ أيّ وظيفة وتكليف ينتظرانه في ظلّ هذه الحكومة.

ومن أحاط علماً بتكليفه في إطار تحقّق حكومة إمام زمانه، سعى جاهداً إلى إحياء أمر هذا الإمام باطناً وظاهراً، كما سعى إلى تهيئة نفسه ومجتمعه لظهوره المبارك. ومعه، ينال هذا الفرد الأهليّة ليسير على سنّة قوله تعالى: ﴿يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾ (الأنبياء: 73)، ومجرى لفيض عنايات وليّه، فيستنير قلبه بنور المعرفة والإيمان، وإذ ينال القلب الهداية، يتبعه القالب في المسير نفسه.

•النجاة من اليأس
لا شكّ في أنّ الوجود المبارك لإمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف يمثّل الصراط المستقيم، والخروج القويم من الجاهليّة إلى الحياة العقليّة والعقيدة الحقّة، وعلى هذا الأساس، يكون انتظار هذا الوجود المبارك محيياً للنفوس.

ومَن نال فؤاده الحياة إثر هذا الانتظار المحيي للنفوس والقلوب، لن يُصاب قلبه بأيّ نحو من أنحاء اليأس؛ وذلك أنّ هذا القلب سمع الوعد بالنصر الإلهيّ وسلّم به، فلن يدعه أمل تحقّق ذلك الوعد أن يتوقّف عن الحركة والنشاط؛ لأنّه يدرك أنّ الله لا يُخلف وعده، وأنّ الوعد ناجزٌ قطعاً. ومنه يتّضح أنّ الفرد طالما أصلح نفسه المتعلّقة بإنجاز الوعد الإلهيّ، كان لائقاً بنيل هذه البشارة الواردة في قوله تعالى: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾ (النور: 55). لقد وعد الله سبحانه أهل الإيمان والعمل الصالح بالنصر، وبشّرهم بخلافة عباد الله الصالحين السابقين عليهم؛ وعليه، كان هؤلاء مطمئنّين بالنصر الإلهيّ، ومستبشرين ببشارة القرآن؛ ولذا، فهم مبرّؤون من اليأس، مع استنارة قلوبهم بنور الأمل.

إنّ روح الأمل والثقة بنصر الله تعالى جوهرة ثمينة سعى جميع الأنبياء والأولياء عليهم السلام إلى تعزيزها والحفاظ عليها؛ ولذا دأب كلّ نبيّ على التبشير بمَن يلحقه، وانعقدت هذه السيرة، إلّا أنّه لوحظ التأكيد على البشارة بنبوّة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم، ثمّ بشارة كلّ إمام بإمامة خاتم الأئمّة عليهم السلام.

إنّ ثمرة هذه البشارة هي تقوية الأمل وطرد اليأس والقنوط عن قلوب المشتاقين والمنتظرين. والأُمّة المتحلّية بهذا الأمل، الموقنة أنّ الله ناصرها وظهيرها، لن تضعف ولن تقصّر في أداء وظائفها، كما يكون النصر حليفاً لها.

•فضائل المنتظرين
إنّ المنتظرين لصاحب العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف حقّاً، هم العارفون بولاية الأولياء الإلهيّين ممّن نالوا فيض ﴿إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ﴾ (التوبة: 52).

وقد بيَّن الإمام الباقر عليه السلام فضائل المؤمنين المنتظرين في حديثٍ له قائلاً: "العارف منكم هذا الأمر، المنتظر له، المحتسب فيه الخير، كمَن جاهد -والله- مع قائم آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم بسيفه"، ثمّ قال: "بل والله كمَن جاهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسيفه"، ثمّ قال: "بل والله كمَن استشهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في فسطاطه. وفيكم آية من كتاب الله". قلت [الحارث بن المغيرة]: أيّ آية، جُعلت فداك؟ قال: "قول الله عزّ وجلّ: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاء عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ﴾ (الحديد: 19)، ثمّ قال: "صرتم والله صادقين شهداء عند ربّكم"(1).

لقد عبّر القرآن الكريم عن هؤلاء الأفراد أنّهم من مصاديق المؤمنين بالغيب، كما ذكرهم نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم بكلّ خيرٍ: "يغيب عنهم الحجّة، لا يسمّى حتّى يُظهره الله، فإذا عجّل الله خروجه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً"، ثمّ قال صلى الله عليه وآله وسلم: "طوبى للصابرين في غيبته، طوبى للمقيمين على محجّتهم، أولئك وصفهم الله في كتابه فقال: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ (البقرة: 3)، وقال: ﴿أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (المجادلة: 22)"(2).

•المنتظرون الحقيقيّون
لا ريب في أنّ ظهور إمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف وإيجاد حكومة العدل المهدويّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، سيرافقهما حروبٌ ومنازعاتٌ عديدة؛ نظراً إلى أنّ حكّام الجَور والظلم لن يسلّموا بسهولة لراية سلطان العدل والحقّ على يد صاحب العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف، بل سيواجهونه ويحاربونه، وعندها تبدأ ثورة القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف بالمجاهدة والإيثار والبذل والعطاء.

وليس المنتظرون الحقيقيّون في عصر الغيبة إلّا أهل معرفة وفكر وذكر ودعاء، فيصدق عليهم قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ (آل عمران: 191)؛ فالذين جمعوا إلى جانب الزهد والتقوى نصيباً من الجهاد وطلب الشهادة في النواحي العلميّة والعمليّة، وهيّأوا في أنفسهم كلّ ما يساهم في حفظ إمامهم (ولو بإعداد سهمٍ) دفاعاً عن حريم الدين والقرآن والعترة، ولا يخشون إلّا الله، فكانوا دوماً قابضين على الزناد، وكانوا من أهل الذكر والمناجاة، فهم -بحقّ- المنتظرون الحقيقيّون لصاحب العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف، والمشتاقون بصدقٍ إلى قائم آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم.

والغرض، أنّ من أراد أن يمتحن صدق انتظاره، فعليه أن ينظر: هل هو متطلّع إلى الإمام الغائب أم إنّه مشتاقٌ إلى الإمام القائم؛ لينتهي إلى معرفة أنّه منتظرٌ حقيقيّ لإمام العصر، أم إنّه أطلق على نفسه -بلا حقٍّ- عنوان انتظار الحجّة؟


(*) مقتبس من كتاب: الإمام المهديّ الموجود الموعود عجل الله تعالى فرجه الشريف، آية الله الشيخ عبد الله الجوادي الآملي، الفصل الثالث- الباب الثاني- بتصرّف.
1. بحار الأنوار، المجلسي، ج24، ص38 - 39.
2. (م. ن.)، ج52، ص143.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع