مع الإمام الخامنئي | لا تنبهروا بقوّة العدوّ* نور روح الله | لو اجتمع المسلمون في وجه الصهاينة* كيف تكون البيعة للإمام عند ظهـوره؟* أخلاقنا | كونوا مع الصادقين* الشهيد على طريق القدس عبّاس حسين ضاهر تسابيح جراح | إصابتان لن تكسرا إرادتي(1) على طريق القدس | «اقرأ وتصدّق» مشهد المعصومة عليها السلام قلبُ قـمّ النابض مجتمع | حقيبتي أثقل منّي صحة وحياة | لكي لا يرعبهم جدار الصوت

في رحاب بقية الله: ممهدون بجهادهم

آية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي


يُطلق الانتظار عادةً على من يكون في حالة غير مريحة وهو يسعى لإيجاد وضع أحسن. فمثلاً المريض ينتظر الشفاء من سقمه، وكذلك حال التاجر الذي يعاني الأزمة السوقية وينتظر النشاط الاقتصادي. فالإحساس بالأزمة، والسعي نحو الأحسن هما من الانتظار.

فبناء على ذلك، فإن مسألة انتظار حكومة الحق والعدل، أي حكومة المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، مركّبة في الواقع من عنصرين: عنصر نفي، وعنصر إثبات. فعنصر النفي هو الإحساس بغرابة الوضع الذي يعانيه المنتظر، وعنصر الإثبات هو طلب الحال الأحسن! وإذا قدر لهذين العنصرين أن يحلا في روح الإنسان فإنهما يكونان مدعاةً لنوعين من الأعمال:
الأوّل: ترك كل شكل من أشكال التعاون مع أسباب الظلم والفساد ومقاومتها.
الثاني: بناء الشخصية وتهيئة الاستعدادات الجسمية والروحية والمادية والمعنوية لظهور تلك الحكومة العالمية الإنسانية.

ولو أمعنّا النظر لأدركنا بصورة جيدة معنى الروايات الواردة في ثواب المنتظرين وعاقبة أمرهم، وعندها نعرف لِمَ اعتبرت الروايات المنتظرين "بمنزلة مَنْ كان مع القائم تحت فسطاطه" أو أنهم "تحت لوائه"، أو أنهم "كمن يقاتل في سبيل الله بين يديه" أو "كالمستشهد بين يديه"، أو "كالمتشحِّط بدمه"... ترى أليست هذه التعابير تشير إلى المراحل المختلفة ودرجات الجهاد في سبيل الحق والعدل، التي تتناسب ومقدار الاستعداد ودرجة انتظار الناس؟
فمن هو تحت خيمة القائد وفي فسطاطه يعني أنه مستقر في مركز القيادة، وعند أمرية الحكومة الإسلامية! فلا يمكن أن يكون إنساناً غافلاً جاهلاً. فكذلك الأمر عندما يقاتل المقاتل بين يدي هذا القائد أعداء حكومة العدل والصلاح، فعليه أن يكون مستعدّاً بشكل كامل روحيّاً وفكريّاً وقتاليّاً.
إذا كنتُ ظالماً مجرماً، فكيف يتسنَّى لي أنْ أنتظر مَنْ سيفُه متعطش لدماء الظالمين؟! وإذا كنتُ ملوّثاً غير نقي فكيف أنتظر ثورة يحرق لهبهُا الملوثين؟! والجيش الذي ينتظر الجهاد الكبير يقوم برفع معنويات جنوده ويلهمهم روح الثورة، ويصلح نقاط الضعف فيهم إن وجدت، لأن كيفية الانتظار تتناسب دائماً والهدف الذي نحن في انتظاره.

إنَّ انتظار قدوم أحد المسافرين من سفره أو انتظار عودة حبيب عزيز جداً يتطلّب نوعاً من الاستعداد كتهيئة البيت ووسائل التكريم... والآن سنتصور كيف يكون انتظار ظهور مصلح عالمي كبير وكيف نكون في انتظار ثورة وتغيير وتحوُّل واسع لم يشهد تأريخ الإنسانية مثيلاً له. إنّها ثورة تشمل جميع شؤون الحياة والناس، فهي ثورة سياسية، ثقافية، اقتصادية، أخلاقية.

* بناء الشخصية الفردية
إن بناء الشخصية بحاجة إلى عناصر مُعدَّة ذات قيم إنسانية، ليمكن للفرد أن يتحمل العبء الثقيل الإصلاحي للعالم، وهذا بحاجة إلى الارتقاء الفكري والعلمي والاستعداد الروحي، لتطبيق ذلك المنهج العظيم. فالتحجر، وضيق النظر والحسد، والاختلافات، وكلُّ تفرقةٍ لا تنسجم ومكانة المنتظرين الواقعيين. والمسألة المهمة -هنا- أن المنتظر الواقعي عليه أن يقف في صف الثائرين المصلحين لا في صف "المثبطين" المتقاعسين، بل يكون في صف المخلصين المصلحين، ويكون عمله خالصاً وروحه أكثر نقاءً، وأن يكون شهماً عارفاً معرفة كافية بالأمور. فإذا كنتُ فاسداً معوجاً فكيف يمكنني أن أنتظر نظاماً لا مكان فيه للفاسدين؟ أليس مثل هذا الانتظار كافياً لأن أطهِّر نفسي وفكري، وأغسل جسمي وروحي من التلوث؟! والجيش الذي ينتظر جهاداً تحرُّرياً لا بد له أن يكون في حالة من الاستعداد الكامل، وأن يهيئ السلاح الجدير بالمعركة، وأن يصنع الملاجئ والمواضع العسكرية اللازمة وأن يرفع المعنويات القتالية في صفوف أفراده، ويقوي روحياتهم، يسرج في قلوبهم شعلة العشق للمواجهة فإنَّ جيشاً ليس فيه مثل هذه الاستعدادات لا يكون جيشاً منتظراً وإذا ادعى الانتظار فهو "كاذب"! إن انتظار المصلح "العالميّ" معناه الاستعداد الكامل فكريّاً، وأخلاقيّاً، ماديّاً ومعنويّاً.
فإصلاح المعمورة كلها، وإنهاء الظلم والفساد والنواقص ليس عملاً بسيطاً، فهذا يتطلّب وجود رجال كبار مصممين ذوي إرادة أقوياء لا ينكصون ولا ينهزمون أبداً، ذوي نظرة واسعة واستعداد تام وتفكير عميق...
فبناء الشخصية لمثل هذا الهدف يستلزم الارتباط بأشد المناهج الأخلاقية، والفكرية والاجتماعية أصالةً وعمقاً، فهذا هو معنى الانتظار الواقعي!

* التعاون الاجتماعي
إن المنتظرين بحقّ عليهم أن يهتموا بأحوال الآخرين ويسعوا في إصلاحهم؛ لأن المنهج العظيم الذي ينتظرونه ليس منهجاً فردياً، بل هو منهج ينبغي أن تشترك فيه جميع العناصر الثورية، وأن يكون العمل جماعياً عاماً. ففي ساحة معركة واسعة يقاتل فيها مجموعة، لا يمكن لأحد منهم أن يغفل عن الآخرين، بل عليه أن يشد أزرهم ويدعمهم. فهذا هو الأثر الآخر البنّاء، الذي يورثه الانتظار لقيام مصلح عالمي، وهذه حكمة الفضائل التي ينالها، المنتظرون بحق.

* المنتظرون بحق لا يذوبون في المحيط الفاسد
إن الأثر المهم الآخر للانتظار هو عدم ذوبان المنتظرين في المحيط الفاسد، وعدم الانقياد وراء المغريات والتلوث بها... وتوضيح ذلك: أنّه حين يعم الفساد المجتمع، فقد يقع الإنسان النقي الطاهر في طريق مسدود "لليأس من الإصلاحات التي يتوخاها". وربما يتصور "المنتظرون" أنه لا مجال للإصلاح، وأن السعي والجد من أجل البقاء على "النقاء" والطهارة وعدم التلوث. فهذا اليأس أو الفشل قد يجر الإنسان نحو الفساد والاصطباغ بصبغة المجتمع الفاسد، فلا يستطيع المنتظرون عندئذ أن يحافظوا على أنفسهم باعتبارهم أقلية صالحة بين أكثرية طالحة. ولكن الشيء الوحيد الذي ينعش فيهم الأمل ويدعوهم إلى المقاومة والتجلد وعدم الذوبان والانحلال في المحيط الفاسد، هو رجاؤهم بالإصلاح النهائي، فهم في هذه الحال لا يسأمون الجد والمثابرة، بل يواصلون طريقهم في سبيل المحافظة على الذات وحفظ الآخرين وإصلاحهم أيضاً. وحين نجد - في التعاليم الإسلامية - أن اليأس من رحمة الله وثوابه من أعظم الذنوب والكبائر، فقد يتعجب بعض الجهال: كيف يكون اليأس من رحمة الله من الكبائر وإلى هذه الدرجة من الأهمية، حتى أنه أشد من سائر الذنوب الأخرى، لأن العاصي الآيس من رحمة الله لا يرى شيئاً ينقذه ويخلصه من عذاب الله، فلا يفكر بإصلاح الخلل، أو يكف عن الذنب على الأقل لأنه يقول في نفسه: أنا الغريق فهل أخشى من البلل ؟ والنهاية الحتمية جهنم، وقد اشتريتها، فما عساي أن أفعل؟ إلا أنه حين تنفتح له نافذة الأمل، فإنه سيرجو عفو ربه، ويتجه نحو تغيير نفسه وحاله، ويحصل له منعطف جديد في حياته ليعود نحو الطهارة والنقاء والإصلاح. ومن هنا يمكننا أن نعتبر أن الأمل عامل تربوي مهم ومؤثر في المنحرفين أو الفاسدين، كما أن الصالحين لا يستطيعون أن يواصلوا مسيرهم في المحيط الفاسد إذا لم يكن لهم أمل بالانتصار على المفاسد. والنتيجة أن معنى انتظار ظهور المصلح، هو أن الدنيا مهما مالت نحو الفساد أكثر، كان الأمل بالظهور أكثر. إذاً، فهم يسعون أكثر للوصول إلى الهدف المنشود، وتنشد همتهم لمواجهة الفساد ومكافحته بشوق لا مزيد عليه.

وبالتالي يتّضح لنا أنّ الأثر السلبي للانتظار إنما يكون في صورة ما لو مسخ مفهومه أو حرف عن واقعه، كما حرفه المخالفون والأعداء، ومسخه الموافقون، غير أنه لو أخذ بمفهومه الواقعي لكان عاملاً تربوياً مهمّاً بنّاءً محركاً باعثاً على الأمل والرجاء.



* مقتبس من كتاب: الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، ج6، ص23-30.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع