مع الإمام الخامنئي | لا تنبهروا بقوّة العدوّ* نور روح الله | لو اجتمع المسلمون في وجه الصهاينة* كيف تكون البيعة للإمام عند ظهـوره؟* أخلاقنا | كونوا مع الصادقين* الشهيد على طريق القدس عبّاس حسين ضاهر تسابيح جراح | إصابتان لن تكسرا إرادتي(1) على طريق القدس | «اقرأ وتصدّق» مشهد المعصومة عليها السلام قلبُ قـمّ النابض مجتمع | حقيبتي أثقل منّي صحة وحياة | لكي لا يرعبهم جدار الصوت

وفي مجلسه أسوة حسنة

الشيخ إسماعيل حريري

 



قال الله عزّ وجلّ: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ (الأحزاب: 21). إنّ حياة رسول الله محمد صلى الله عليه وآله من حين ولادته وإلى وفاته زاخرة بالفضائل والمكارم حتّى وصفه تعالى بما لم يصف به نبيّاً من أنبيائه ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم (القلم: 4). وقد أدّبه فأحسن تأديبه، ورعاه فأحسن رعايته، وارتقى به في مدارج الكمال ومراتب القرب، فكان قاب قوسين أو أدنى. وقد تميّز صلى الله عليه وآله بكل شيء يصدر عنه من قول أو فعل. ومما تميّز به ما كان يراعيه ويعمل به من آداب في مجلسه من أوّل جلوسه، وفي أثنائه، وحتّى قيامه من المجلس.

* من آداب قدوم الرسول صلى الله عليه وآله إلى المجلس
كان صلى الله عليه وآله عند قدومه إلى مجلس، يقعد في أقرب مكان يصل إليه حين دخوله، فلا يتعدى الرقاب ليجلس في الصدر أو في مكان يتميّز به عن أهل المجلس. ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا دخل منزلاً قعد في أدنى المجلس إليه حين يدخل"(1). ففي مناقب ابن شهر آشوب في ذكر مجلس النبي صلى الله عليه وآله قال: "وكان صلى الله عليه وآله لا يقوم ولا يجلس إلّا على ذكر الله... وكان أكثر ما يجلس مستقبل القبلة..."(2). وفي الخبر عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله أكثر ما يجلس تجاه القبلة"(3). وكان صلى الله عليه وآله يكره أن يُقام له عند قدومه كما ورد في عوالي اللآلي: "ونُقل عنه صلى الله عليه وآله أنه كان يكره أن يُقام له، فكانوا إذا قدم لا يقومون لعلمهم كراهة ذلك، فإذا قام قاموا معه حتى يدخل منزله"(4). وقد اقتدى الأئمة عليهم السلام بفعل النبي صلى الله عليه وآله. كما ورد أنّ الإمام الصادق عليه السلام: "كان يجلس في بيته عند باب بيته قبالة الكعبة"(5). وكذلك ورد الحثّ للمؤمنين على الاقتداء بفعل النبي صلى الله عليه وآله في المجلس. فقد ورد عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنه قال: "من رضي بدون التشرّف من المجلس لم يزل الله عزّ وجلّ وملائكته يصلّون عليه حتى يقوم"(6).

* آداب جلوس الرسول صلى الله عليه وآله
كان صلى الله عليه وآله يجلس جلسة العبد كما ورد في الخبر عن الإمام الصادق عليه السلام (7). والجلوس جلسة العبد هو الجلوس على الحضيض. والحضيض هو قرار الأرض. والمعنى أنه صلى الله عليه وآله كان يجلس على الأرض لاصقاً بها دون أيّ مظهر من مظاهر الملوك والأمراء. وقد تقدم القول إنه كان أكثر جلوسه تجاه القبلة ما دام جالساً. وكان صلى الله عليه وآله لا يمدّ رجليه بين أصحابه أبداً، ففي مكارم الأخلاق نقلاً عن كتاب النبوّة عن الإمام عليّ عليه السلام في حديث قال: "... وما رُئي مقدّماً رجليه بين يدي جليسٍ له قط"(8). وعن الإمام الصادق عليه السلام في حديث قال: "ولم يبسط رسول الله صلى الله عليه وآله رجليه بين أصحابه قط..."(9). وقال تعالى في حقّه: ﴿لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (التوبة: 128).

وكان صلى الله عليه وآله حال جلوسه لا يفرّق في النظر بين جليس وآخر كما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقسّم لحظاته بين أصحابه، فينظر إلى ذا وينظر إلى ذا بالسويّة..."(10). وقد ورد في حديث وصفهِ صلى الله عليه وآله: "جلّ نظره الملاحظة"(11). واللحظات جمع لحظة من لحظ إذا نظر بمؤخّر العين فيما يلي الصّدغ. وهذا من عدله صلى الله عليه وآله حيث يساوي بين جلسائه في نظره إليهم لئلّا يحسب أحدُهم أنّ الآخر أكرم على رسول الله صلى الله عليه وآله منه، فينعم عليهم بجميل نظره إليهم مساوياً بينهم. والمساوي بين جلسائه بنظرة رأفةً بهم وعطفاً عليهم يساوي بينهم في غيرها حقيراً كان أم خطيراً كالتسوية في العطاء والعدل في الحكم والقضاء. ثم إنّه بعمله هذا يمنع التنافر الذي قد ينشأ بين جلسائه نتيجة تمييزه بينهم في النظر والملاحظة.  فكان صلى الله عليه وآله في تصرّفه هذا حكيماً عليماً مدركاً لأهميّة ما يقوم به وخطر تأثيره على نفوس القوم. وكان صلى الله عليه وآله يكرم من يدخل عليه حتى ربما بسط ثوبه له ويؤثر الداخل بالوسادة التي تحته(12). ومراعاةً لجليسه، وكي لا يفهم الجليس أنّه يرغب بمغادرته، كان صلى الله عليه وآله لا يحلّ حبوته [يلف ثوبه على جسمه] حتى يقوم جليسه كما ورد في الخبر عن الإمام أبي عبد الله عليه السلام(13).

* قيام الرسول صلى الله عليه وآله من المجلس
كان صلى الله عليه وآله لا يقوم إلّا على ذكر الله تعالى كما كان في جلوسه كذلك، وقد تقدم ذكر هذا في الأمر الأوَّل. وما ذكرناه من آداب مجلسه صلى الله عليه وآله إنما هو نزرٌ يسير وغيضٌ من فيض سموّ أخلاقه وعلو مكانته وشرف فضائله، فهناك جوانب أخرى من حياته صلى الله عليه وآله لو راجعها الإنسان لاستفاد منها في سيره وسلوكه إلى الله تعالى لأنه صلى الله عليه وآله هو الدالّ على الله والقائد إليه، ولا خيرَ في باب إلى الله لا يكون بابه صلى الله عليه وآله، وطريق لا يكون طريقه صلى الله عليه وآله.


1) الكافي، الكليني، ج 2، ص 662.
2) مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب، ج 1، ص 127.
3) الكافي، م. س، ج 2، ص 661.
4) سنن النبي صلى الله عليه وآله، السيد الطباطبائي، ص 124.
5) الكافي، م. س، ج 2، ص 662.
6) م. ن، ص 661.
7) م. ن، ج 6، ص 271.
8) مكارم الأخلاق، الطبرسي، ص 20.
9) الكافي، م. س، ج 2، ص 671.
10) الكافي، ج 2، ص 671.
11) مجمع البحرين، ج 4، ص 290، مادة لحظ.
12) مناقب ابن شهر آشوب، سنن النبي صلى الله عليه وآله، ص 134.
13) سنن النبي صلى الله عليه وآله ص 121. الشيخ محمد، ج2، ص 1111.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع