أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

نور روح اللَّه‏: الموازنة سبيل النجاة

من الأمور التي تعين الإنسان والتي يجب عليه الانتباه لها، هي "الموازنة ". فالموازنة هي أن يقارن الإنسان العاقل بين منافع ومضارّ كل واحدة من الأخلاق الفاسدة والملكات الرذيلة، التي تنشأ عن الشهوة والغضب والوهم، عندما تكون طليقة وتحت تصرف الشيطان، وبين منافع ومضار كل واحدة من الأخلاق الحسنة والفضائل النفسية والملكات الفاضلة والتي هي وليدة تلك القوى الثلاث، عندما تكون تحت تصرف العقل والشرع، ليرى على أي واحدة منها يصح الإقدام ويحسن العمل؟!

 


* آمال لا تنتهي‏
فمثلاً، إن النفس ذات الشهوة المطلقة العنان لا تتورع عن أي فجور تصل يدها إليه، ولا تعرض عن أي مال يأتيها، ومن أي طريق كان، وترتكب كل ما يوافق رغبتها وهواها مهما كان ولو استلزم ذلك أي أمر فاسد وحرام.
وآثار الغضب الذي أصبح ملكة للنفس، وتولدت منه ملكات ورذائل أخرى، هي أنه يظلم بالقهر والغلبة كلّ من تصل إليه يده، ويفعل ما يقدر عليه ضد كل شخص يبدي أدنى مقاومة، ويثير الحرب بأقل معارضة له، ويبعد المضرات وما لا يلائمه، بأية وسيلة مهما كانت، ولو أدى ذلك إلى وقوع الفساد في العالم. هذه هي آثار تلك القوى عندما تكون تحت تصرف الشيطان. ولكن عندما تفكرون بصورة صحيحة، وتلاحظون أحوال هؤلاء الأشخاص، تجدون أن أيَّ شخص مهما كان قوياً، ومهما حقق من آماله وأمانيه فإنه رغم ذلك لا يحصل حتى على واحد من الألف من آماله، بل إنّ تحقق الآمال ووصول أي شخص إلى أمانيه، أمر مستحيل في هذا العالم، فإنّ هذا العالم هو "دار التزاحم " وإن مواده تتمرد على الإرادة. كما أن ميولنا وأمنياتنا أيضاً لا يحدّها حدّ. فمثلاً إن القوة الشهوية في الإنسان، هي في صورة لو كانت بيده نساء مدينة كاملة بفرض المحال لتوجه إلى نساء مدينة أخرى أيضاً، وإذا أصبحت بلاد بأكملها من نصيبه لتوجه إلى بلاد أخرى، وعلى الدوام تجده يطلب ما لا يملك، رغم أن ذلك من فرض المحال وأنه مجرّد خيال، ومع هذا يبقى مرجل الشهوة مشتعلاً، وأن الإنسان لم يصل بعد إلى أمنيته. وهكذا بالنسبة إلى القوة الغضبية، فإنها قد خُلقت في الإنسان في صورة لو أنه أصبح يملك الرقاب بشكل مطلق في مملكة ما، لذهب إلى مملكة أخرى لم يسيطر عليها بعد. وعلى كل منكر لهذه الحقيقة أن يراجع حاله وحال أهل هذا العالم، كالسلاطين، والمتمولين، وأصحاب القوّة والجاه، وحينذاك سيصدق كلامنا هذا. إذاً، فالإنسان هو على الدوام عاشق لما لا يملك ولما ليس في يده.

* ماذا ادخرتم؟
وعلى أي حال؛ فلو وصل الإنسان إلى أهدافه، فكم يدوم تمتعه واستفادته منها؟ وإلى متى تبقى قوى شبابه؟ عندما ينقضي ربيع العمر، ويحل خريفه، تذهب القوة من الأعضاء، وتتعطل الحاسة الذائقة، وتتعطل العين والأذن وحاسة اللمس وباقي الحواس، وتصبح اللذات عموماً ناقصة أو تفنى نهائياً. وتهجم الأمراض المختلفة، فلا تستطيع أجهزة الهضم والجذب والدفع والتنفس أن تؤدي عملها بشكل صحيح. ولا يبقى للإنسان شي‏ء سوى أنّات التأوّه الباردة والقلب المملوء بالألم والحسرة والندم. إذاً؛ فمدة استفادة الإنسان من تلك القوى الجسمانية لا تتجاوز الثلاثين أو الأربعين عاماً بالنسبة إلى أقوياء البنية والأصحاء السالمين وهي فترة ما بعد فهم الإنسان وتمييزه الحسن من القبيح إلى زمن تعطيل القوى أو نقصانها، وهذا يصح إذا لم يصطدم بالأمراض والمشاكل الأخرى التي نراها يومياً ونحن عنها غافلون. وأفترض لكم بصورة عاجلة فرضية خيالية (وهذا أيضاً ليس له واقع) أفترض لكم عمراً هو مائة وخمسون عاماً، مع توافر جميع أسباب الشهوة والغضب والشيطنة، وأفترض أنه لا يعترضكم أي شي‏ء غير مرغوب فيه، ولا يحدث أي شي‏ء يخالف هدفكم، ومع هذه الفرضية، ماذا ستكون عاقبتكم بعد انقضاء هذه المدة القصيرة والتي تمر مرّ الرياح؟! فماذا ادخرتم من تلك اللذات لأجل حياتكم الدائمة؟! لأجل يوم عجزكم ويوم فقركم ووحدتكم؟! لأجل برزخكم وقيامتكم؟ لأجل لقائكم بملائكة اللَّه وأوليائه وأنبيائه؟! هل ادخرتم سوى الأعمال القبيحة المنكرة، والتي ستقدم لكم صورها في البرزخ والقيامة، وهي الصور التي لا يعلم حقيقتها إلا اللَّه تبارك وتعالى؟

* جهنم الأعمال
إن جميع نيران جهنم، وعذاب القبر والقيامة وغيرها مما سمعت، هي جهنم أعمالك التي تراها هناك كما يقول تعالى: ﴿... وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا (الكهف: 49). لقد أكلت مال اليتيم وتلذذت بذلك، ولكن اللَّه وحده يعلم ما هي صورة هذا العمل في ذلك العالم والتي ستراها في جهنم، وما هي نتيجة اللذة التي ستكون نصيبك هناك. اللَّه يعلم أي عذاب شديد ينتظرك بسبب تعاملك السيئ مع الناس وظلمك لهم في ذلك العالم. ستفهم أي عذاب قد أعددت لنفسك بنفسك، عندما اغتبت. فإن الصورة الملكوتية لهذا العمل قد أعدّت لك وستردّ عليك وتحشر معها، وستذوق عذابها، وهذه هي جهنم الأعمال، وهي يسيرة وسهلة وباردة وملائمة للعاصين. وأما الذين زرعوا في نفوسهم الملكة الفاسدة والرذيلة السيئة الباطلة، كالطمع والحرص والجدال والشره وحبّ المال والجاه والدنيا وباقي الملكات، فلهم جهنم لا يمكن تصوّرها، لأن تصوّر ذلك لا يمكن أن يخطر على قلبي وقلبك، بل تظهر النار من باطن النفس ذاتها، وأهل جهنم أنفسهم يفرّون رعباً من عذاب أولئك. وفي بعض الروايات الموثقة أن هناك في جهنم وادياً للمتكبرين يقال له "سقر "، وقد شكا الوادي إلى اللَّه تعالى من شدة الحرارة وطلب منه سبحانه أن يأذن له بالتنفس، وبعد أن أذن له تنفس، فأحرق سقرٌ جهنمَ(1). وأحياناً تصبح هذه الملكات سبباً في أن يخلد الإنسان في جهنم، لأنها تسلبه الإيمان كالحسد الذي ورد في رواياتنا الصحيحة عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: "إن الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب "(2). وكحب الدنيا والجاه والمال الذي ورد في الروايات الصحيحة أنها أكثر إهلاكاً لدين المؤمن من ذئبين أطلقا على قطيع بلا راعٍ، فوقف أحدهما في أول القطيع والثاني في آخره... عن أبي عبد اللَّه عليه السلام "ما ذئبان ضاريان في غنم قد فارقها رعاؤها أحدهما في أولها والآخر في آخرها بأفسد فيها، من حب المال والشرف في دين المسلم "(3).


(1) عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: إن في جهنم لوادياً للمتكبرين يقال له سقر، شكا إلى اللَّه عزَّ وجلَّ شدّة حره وسأله أن يأذن له أن يتنفس فتنفس فأحرق جهنم. أصول الكافي، المجلد الثاني، باب الكبر، ح‏10.
(2) أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب الإيمان والكفر، باب الحسد، ح‏2.
(3) أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب الإيمان والكفر، باب حب الدنيا والحرص عليها، ح‏2.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع