نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

مع الإمام الخامنئي: عيد إحياء الإمامة(*)



عيدكم مبارك. ببركة هذا العيد العظيم (عيد الغدير) وببركة ذكر المولى، أسأل الله أن يجعل قلوبكم نورانيّة بألطافه وسكينته وطمأنينته ولطفه، وأن يوفّقنا حقّاً للاستفادة من هذه المناسبة وأمثالها، إن شاء الله.

* ﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾
يُقال إنّ عيد الغدير هو عيد الله الأكبر وهو أفضل من كلّ الأعياد، فما السبب؟ في القرآن الكريم آيات لا يمكن تفسيرها إلّا مع مسألة الغدير، كالآية الكريمة المعروفة ﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً﴾ (المائدة: 3)، فإنّه لا يمكن تطبيقها إلّا مع مسألة بحجم الغدير، وفي وزنها وأهميّتها. وأولئك الذين أشكلوا على مضمون هذه الآية أوردوا آراءً. وآخرون أَوّلوا هذه الآية بنحو آخر. ولكنّ هذا الجزء من الآية لا يقبل التأويل: ﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ﴾؛ فما الذي أُضيف إلى الدين حتّى جعلَ العدوَّ ييأس؟!

لم يأتِ هذا التعبير بشأن الصلاة ولا بشأن الزكاة ولا الجهاد. لم يُستخدم هذا التعبير حول أيٍّ من الأحكام الإلهيّة الفرعيّة. إنّ قضيّة الغدير قضيّة مختلفة. إنّها قضيّة قيادة المجتمع الإسلاميّ.

* إحياء الإمامة هو الضابطة
إنّ حادثة تعيين أمير المؤمنين عليه السلام في الغدير هي تعيين الضابطة؛ حيث تمّ بناء قاعدة في الإسلام وضعها الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وهي: قاعدة الإمامة، قاعدة الولاية.

لقد كان لدى المجتمعات البشرية، منذ القدم، حكومات وأنظمة، والإسلام لا يقبل بهذه الحكومات، وبهذا النوع من السلطة والحكم؛ فالإسلام يؤمن بالإمامة، فهي القاعدة. والغدير بيّن هذه القاعدة، وبيّن أنموذجها المحدّد أيضاً: إنّه أمير المؤمنين عليه السلام الذي لم يستطع أحد في ذلك الزمان ولا في الأزمنة اللاحقة أنْ يورد أيّ إشكال على شخصيّته السامية، وعلى تجسيده للمفاهيم والمعارف القرآنيّة. بل لا يمكن لأيّ إنسان عندما يفكّر، ويتخلّص من حساسيّاته وتعصّباته، أن يطرح أيّ إشكال صغير على هذا الشخص النورانيّ والهيكل القدسيّ.

لقد عيّـــن الرســول صلى الله عليه وآله وسلم هـذا الإنسـان مصداقاً للإمامة. وأصبحت هذه قاعدة أبد الدهر؛ فكلّما أراد المسلمون أن يشدّوا الهمّة ويهتدوا من قِبَل الله كي يحقّقوا الإسلام ويبنوا المجتمع الإسلاميّ، فإنّ الضابطة والقاعدة هي هذه: يجب إحياء الإمامة.

بالطبع، إنّ الناس لا يصلون أبداً إلى مستوى أيّ مصداق من تلك المصاديق التي عيّنها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يصلون إلى الأقلّ منها أيضاً. إنّ أعظم الشخصيات العلميّة والمعنويّة والعرفانيّة وعظماء السلوك والمعرفة عندنا، إنّما نسبتهم إلى أمير المؤمنين كالشعاع الضعيف الذي نرى من خلاله بقعةً في قعر البئر مقارنةً بالشمس. إنّ أعلى شخصيّاتنا شخصٌ كإمامنا العظيم قدس سره الذي كان للحقّ والإنصاف إنساناً كاملاً عظيماً كبيراً من جميع الجهات، لكن إذا أردنا أن نقارنه بأمير المؤمنين عليه السلام، فالنسبة هي ما ذكرته: قارنوا نور الشمس بذلك الشعاع الذي ينير قاع البئر أو زاوية تلمع أو تضيء فتعكس نور الشمس. إنّ الفروقات شاسعة إلى ذلك الحدّ.

* لا لحكم القوّة والمال
لقد تعيّنت قاعدة الحكومة والاقتدار والسلطة في المجتمع الإسلاميّ من خلال الغدير وتمّ وضعها وبناؤها. هذه هي أهميّة الغدير؛ حيث تمّ تعيين الضابطة والقاعدة، وأضحى واضحاً ومعلوماً أنّه في المجتمع الإسلاميّ لا معنى للحكم الملكيّ، ولا معنى للحكم الشخصيّ ولا لحكم الذهب والقوة، ولا معنى لحكم الأرستقراطيّة... إلخ. صار واضحاً أنّ الإسلام لا يرضى بذلك، ووُضعت هذه القاعدة حينها: ﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ﴾. يئس الأعداء من قدرتهم على تغيير مسيرة هذا الدين؛ لأنّ مسيرة الدين تتغيّر عندما تتغيّر تلك النقطة الأساسيّة والنواة الأصليّة؛ أي نواة القيادة والإدارة والرئاسة. نعم، في الوقائع العمليّة، تحدث تغييرات ويصل أفراد كخلفاء بني أميّة وبني العبّاس إلى الزعامة والرئاسة باسم الإسلام، حتّى الحجّاج بن يوسف يصل إلى الرئاسة أيضاً، ولكنْ كلّ هؤلاء لا يمكنهم ضرب وتخريب هذه الضابطة. واليوم، إن أراد أحد في العالم الإسلاميّ، من المثقّفين والمفكّرين وأصحاب العقيدة، ممّن نشأوا في بداياتهم على أساس عقائد أخرى، أن يضع القرآن والقيم والضوابط القرآنيّة معياراً وملاكاً لحياة المجتمعات البشرية، فلن يصل إلى أيّ نتيجة، سوى ضرورة أن يحكم المجتمعات الإسلامية شخص مثل علي بن أبي طالب عليه السلام؛ أي إنّ الطريق هو الإمامة.

* وإن لم تفعل فما بلّغت
عندما تتميّز حادثة الغدير بكلّ هذه الأهميّة، سيتّضح جيّداً معنى الآية الشريفة الأخرى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾ (المائدة: 67). لقد جاهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة وعشرين عاماً (في مكّة والمدينة). تلك الحروب والتضحيات والمشقّات التي تحمّلها، والتسامح الذي أبداه، كلّ تلك الهداية العظيمة التي قدّمها ذلك الإنسان العظيم للبشريّة؛ تأتي هذه الحادثة والواقعة التي إنْ لم تُؤدَّ، فكأنّ تلك المجاهدات لم تكن شيئاً مذكوراً. القضية لا تتعلّق ببعض الأحكام الفرعيّة، بل هي أعمق وأشمل من هذا كلّه. إنّها قضية الإمامة.

إنّ أوّل إمام هو الرسول صلى الله عليه وآله وسلم نفسه. قال الإمام الصادق عليه السلام في منى: "إنّ رسول الله كان هو الإمام عليه السلام، ثم من بعده عليّ بن أبي طالب عليه السلام ومن ثم بقيّة الأئمّة عليهم السلام"(1).

إنّنا ندعو كلّ العالم الإسلاميّ وكل المفكّرين أن يتابعوا هذه المسائل، وسيصلون إلى هذه الوحدة التي يحتاج إليها العالم الإسلاميّ اليوم، بسهولة، من خلال التدبّر في آيات القرآن والتأمّل في هذه الحقائق.


(*) من كلمة الإمام الخامنئي دام ظله لدى استقباله وفوداً شعبية بمناسبة عيد الغدير- 20/9/2016م.
1. أصول الكافي، الكليني، ج4، ص466.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع