صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

موقع فكر الإمام الخميني قدس سره في الثقافة الإسلامية

الشيخ حسن فؤاد حمادة


* ثقافتنا ثقافة الإسلام:
أن نبحث عن الثقافة التي نريد لنا ولأبناءنا والأجيال القادمة هذا يعني أننا نقوم بأعظم وأخطر عملية بحث وتدقيق على الإطلاق، لأن نتيجة هذا البحث تتعلق بحاضرنا ومستقبلنا وعزتنا الإنسانية والأهم، آخرتنا وسعادتنا، "إذ أن ثقافة أي مجتمع هي التي تحدد أساساً هوية ذلك المجتمع ووجوده، فإذا انحرفت الثقافة فإن المجتمع يكون أجوفاً فارغاً، مهما حقق من القوة في الجوانب الاقتصادية والسياسية والصناعية"(1). وعندما يكون الحديث عن الثقافة التي تنجي في الدنيا والآخرة فهذا يعني أن هذه الثقافة لا يمكن أن تكون ذات صناعة بشرية محضة، أو من منطلقات مادية، بل لا بد لها أن تتشكل في كل تنوعاتها وجوانبها وعمقها وسطحها من عمق الإسلام عقيدة وفقهاً وفكراً وخلقاً، وأن تُصفَّى عبر مرورها بمصفاة القرآن، وتقارن بسيرة عظماء الدين، الذين كانوا النموذج الراقي والمثال الأعلى للقدوة والاتباع والتقليد، وهم محمد صلوات اللَّه عليه وآله الطاهرين و وأصحابه المنتجبين رضي اللَّه عنهم، ومن بعدهم العلماء والفقهاء والأتقياء "فلو لم يكن الفقهاء الأعزاء موجودين، فليس من المعلوم ماذا كان سيقدم اليوم من علوم للناس على أنها علوم القران والإسلام وأهل البيت عليهم السلام"(2).

فالثقافة التي نبحث عنها تشمل النظرة إلى الإسلام فهماً ووعياً وعملاً بكل رحابة الإسلام كدين شامل للحرية والعزة الإنسانية. وكذلك النظرة إلى كل ما في هذه الحياة وهذا الوجود أيضاً من منظار الإسلام وروح الإسلام وصفاء الإسلام، سواء كان ذلك سياسة أم فلسفة أم فكراً أم اقتصاداً، أم ترنيماً وترويحاً وإلى ما هنالك. ونحن نطلق هنا على مجموع الأمرين والنظرتين الثقافة التي نريد.

* تأثير الإمام الخميني قدس سره في الثقافة الإسلامية:
من هنا ندرك أهمية وعظمة موقع فكر الإمام الخميني رضوان اللَّه عليه وتأثيره في الثقافة الإسلامية، فالإمام كان من جهة الأقرب فهماً للإسلام المحمدي الأصيل، والألصق بتعاليمه علماً وعملاً، والأكثر إحاطة بعلومه ومسائله، والأصدق في الاخلاص لقضاياه، والأقدر على التعبير عن فهمه وعلمه وصدقه من أي أحدٍ اخر ممن سبقه من العلماء الأجلاّء رغم علو شأنهم وسبق فضلهم، كما كان الإمام من الجهة الأخرى العالم والعارف الذي نظر إلى كل مسائل الحياة وما يحيط بعصره من قضايا حساسة من منظار الإسلام الصافي الذي جعل نظره في كل شي‏ء نظراً إلهياً، فلم يكن يرى شيئاً إلا ويرى اللَّه فيه ومعه وقبله وبعده، والأهم، أن الإمام الذي نظر إلى كل الواقع وما يجري حولنا نظرة إلهية ثاقبة، كان يعبر عن كل ذلك لنا وللأمة والأجيال بكلام النصح والموعظة، وبيان الفصاحة والبلاغة، وبشوق الأب الرؤوف الذي يحب لأبنائه أن يسمعوا ويعوا، وقد وفقه اللَّه تعالى إلى أن يدخل بكلامه القلوب والعقول والضمائر، فلم يترك الإمام مسألة صغيرة أو كبيرة إلا وكان لها من قلمه أو كلامه وقفة تغني القارئ‏ وتفي السامع، فاليوم إن أردت أن تعلِّم أو تطرق باب أي مسألة كلية أو فرعية من شؤون الإسلام فيما خص جوانبه الواسعة والنيرة، في شؤون الحياة أو ما خص السياسة أو الجهاد أو المجتمع أو الاقتصاد أو أي جهة أخرى، فإنك سوف تجد عند الإمام ما يشفي غليلك، ويبرد لوعتك، ويجعلك تقول: لا أبقاني اللَّه لمسألة لا أجد فيها قبساً من فكر الإمام ونوراً من سناه، فإنك حينئذ تجد في نفسك وعقلك وقلبك أنك وصلت حيث يريدك اللَّه أن تصل، فيطمئن القلب ويستقر البال ويهدأ الخاطر.

* المنهج الشامل:
ونحن عندما نتحدث عن فكر الإمام فإننا نتحدث عن منهج شامل لا يفوته شي‏ء، فضلاً عن أنه منهج حي ومعاصر يعالج القضايا التي لا زالت في مسرح الأحداث والعمل، لا سيما القضايا الحساسة والأساسية، كذلك فنحن نتحدث عن منهج تمت تجربته وامتحانه ووصل إلى نتائج فذّة ورائعة. وهذه النقطة هي غاية في الأهمية عندما يريد الإنسان تقبل أي منهج كان، فالتطبيق العملي لأي منهج هو دليل أساسي على صحة ذلك المنهج أو سقمه، خاصة عندما تكون النتيجة، النجاح الباهر. فاليوم وبعد أكثر من نصف قرن على انطلاقة هذا الإمام في ثورته وبعد ما يقرب من ربع قرن على نجاح تلك الثورة يمكننا الجزم من خلال الاستقراء والتفحص أن فكر ونهج وخطر الإمام كان صحيحاً وصائباً بل ورائداً؛ فمن جهة استطاع هذا الفكر أن يحقق تحولات جذرية ليس فقط في إيران بل في العالم الإسلامي والعالم كله على مستويات عدة في السياسة والعلاقات الدولية وتحرر الشعوب، وأوجد معادلات جديدة ورؤى وقواعد مختلفة عن السائد، ويمكن القول أنه استطاع أن يوجد مناخاً طازجاً لم يكن له وجود في السابق. هذا المناخ باتت تأثيراته ملموسة أكثر من أي يوم مضى، بل وصار له تأثير على حاضر ومستقبل شعوب هذه المنطقة بأسرها، ومن جهة أخرى تمكن من أن يصنع نماذج بشرية راقية على مستوى النوع والكم معاً قلما شوهد ذلك في أي عصر من العصور الغابرة. هذه التحولات الكبيرة في المجتمع والأفراد، والتي تتبلور وتزداد عاماً بعد عام هي ليست إلا كاشفاً عن مدى تأثير فكر الإمام الخميني قدس سره في الثقافة الإسلامية، وموقع هذا الفكر في هذه الثقافة لدى المجتمعات الإسلامية في عالمنا المعاش.

هذا كله رغم الموانع الكثيرة التي وضعت في الطريق لمنع تأثر الثقافة الإسلامية في هذا العصر بفكر هذا الرجل العظيم. وقصة هذه الموانع مريرة ومؤلمة، حيث يمكننا القول باختصار ومن أجل إظهار قيمة هذا الفكر، أنه وبرغم أن الاستكبار العالمي والصهيونية العالمية ومعهما الكثير من الأنظمة الحاكمة في المنطقة، ومعهم مع الأسف الكثير من المسلمين وحتى الشيعة منهم، وفيهم العديد من العلماء والكتاب والمثقفين، برغم أن هؤلاء جميعهم كل من موقعه قد عملوا من قبل الثورة وأثناءها وبعدها وإلى اليوم هم يعملون في مواجهة فكر الإمام، تساندهم في ذلك الكثير من وسائل الإعلام وأبواق السلاطين، لكنهم لم يتمكنوا من طمس هذا الجوهر الثمين والنادر، بل نرى فكر الإمام السياسي منه والاجتماعي، والجهادي، وفي كافة المستويات يصب أكثر فأكثر ويوماً بعد يوم في بحر الثقافة الإسلامية الهادر، ليزداد البحر عمقاً وسعة ويصبح أكثر صفاءً بفضل هذا الفكر الإلهي النير.

* الحاجة المستمرّة لتطهير الثقافة:
غير أننا ورغم الموقع المتقدم الذي احتله فكر الإمام قدس سره في الثقافة الإسلامية، بحيث صارت آثار التغيير واضحة جداً، غير أننا نعتقد أن الثقافة الإسلامية السائدة في الوسط الإسلامي الشعبي والرسمي والحزبي لدى الشيعة والسنّة، لا تزال تحتاج إلى الكثير الكثير من "التطهر" بالماء الزلال لفكر الإمام قدس سره وهذا التطهر ليس انتقاصاً ولكنه رفعة وكمالاً، ولم يعد خافياً على أحد من المسلمين ولا سيما أهل النظر والرأي أن المسلمين اليوم باتوا يحتاجون إلى ما يمكن تسميته بالطهر الثقافي عبر التخلي عن مئات أو فقل آلاف المفاهيم الفاسدة أقلاً على مستوى الفهم وطريقة النظر، وعن تداعياتها من العادات التي لا أساس لها في الإسلام فضلاً عن العصبيات والأخلاقيات المناقضة بدورها لرحابة الإسلام وعطوفته، وهي بحاجة بعد عملية التطهر هذه إلى التحلي بجواهر الثقافة الأصيلة، التي يمكنها فقط أن تجعل هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس، وهنا يأتي دور العمل وبذل الجهد المضاعف من قبل كل المخلصين لخط الإمام وفكره من أجل ضخ هذا الفكر أكثر فأكثر في ثقافة الأمة كيما تضج الأمة بالحياة وتتحول ثقافتنا إلى ثقافة منسجمة مع أهداف التغيير الكبرى التي تحملها أمتنا لشعوب العالم. إن فكر الإمام الخميني كان وسيبقى في المدى المنظور على الأقل ليس فكراً يمكنه أن يصلح الثقافة السائدة في الأمة ويرفع الأمة بذلك إلى ذراها، بل الفكر الذي لا تصلح ثقافة الأمة من دونه، إنه فكر رجل حباه اللَّه للأمة على رأس قرن من قرون الإسلام، فهل نملك أهلية استقبال هذه المنحة وهذا الفكر لنضعه في قلب ثقافتنا، في موقع القلب والضمير؟


(1) الإمام الخميني قدس سره كتاب الكلمات القصار، ص‏234.
(2) الإمام الخميني قدس سره الكلمات القصار، ص‏252.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع