اخرج إلى الضوء | عندما يكون القائد والداً للمجاهدين مهارات | المساندة النفـسيّة في الأزمات والحروب الملف | كيف نواجه إشاعات الحرب؟ الملف | بصبركنّ... ننتصر الملف | دعاء أهل الثغور: مدد المجاهدين الملف | الشهداء المستبشرون معالم المجتمع الصالح في نهج البلاغة الملف | قيم المقاومة آخر الكلام | تحت الركام.. الافتتاحية | الصبر حليف النصر

حروب الظلّ: الحروب السريّة الأميركيّة الجديدة


زينب الطحان

"تقارير مذهلة عن تحوّل الـ"سي آي إيه" بعد أحداث 11 أيلول إلى آلة قتلٍ سريّةٍ دوليّة. كتاب "مارك مازيتي" مخيف ولا بدَّ من قراءته". أدلت بهذا الرأي الصحفيّة الأميركيّة "جين ماير"، العاملة في جريدة "النيويوركر". وهي لم تبالغ بوصفها هذا لكتاب "حروب الظلّ: الحروب السريّة الأميركيّة الجديدة"، للصحافي الأميركيّ البارز "مارك مازيتي"، والذي حاز على جائزة "بوليترز".

* آلة قتل منذ نشوئها
إلّا إننا لا نوافقها الرأي في أنّ الاستخبارات الأميركيّة تحوّلت إلى آلة قتل سريّة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول، فهي كذلك منذ نشوئها، والأدلّة عديدة ومنها مذكّرات لرؤساء وزعماء وصحفيّين.

وخير دليل على ما ورد أيضاً في الكتاب نفسه "سبق للبريطانيّين أن درّبوا الأميركيّين على الفنون الظلاميّة خلال الحرب العالميّة الثانية، لكنّهم قاربوا منذ زمن طويل لعبة التجسّس بطريقة مختلفة. واشتكى في 1943 أحد أعضاء الجهاز التنفيذيّ للعمليّات الخاصّة التابع لـ"ونستون تشرشل" من أنّ الطبع الأميركيّ يتطلَّب نتائج فوريّة مذهلة. فيما تتحدَّث السياسة البريطانيّة عموماً عن المدى الطويل والرؤية".

* أكثر الحروب سريّة في العالم
ينقلنا "مازيتي" من موقعه بصفته مراسلاً للأمن القوميّ إلى داخل مكاتب الـ"سي آي إيه" ليكشف معلومات عن حرب من أكثر الحروب سريّةً في العالم، وليعرّفنا بشخصيّات أدَّت أدواراً ميدانيّةً فظيعةً، وهو يصفها بـ "المدهشة" في هذه الحرب السريّة. فمِنَ الضابط الذي يُدعى "كوفر بلاك" والذي كانت شهيّته مفتوحة لصيد "أسامة بن لادن"، إلى الضابط الذي أُرسل إلى المناطق القبليّة ليتعلَّم كيفيّة التجسّس في باكستان، إلى المتعاقد مع الـ"سي آي إيه" الذي عوقب بالسجن في "لاهور" بعد أن خرج عن سيطرة رؤسائه.

"حروب الظلّ" هي أيضاً قصة تنافس حادٍ بين مؤسسات أميركيّة عملاقة ثلاث: الـ"سي آي إيه" و"البنتاغون" و"البيت الأبيض". يكشف فيها الكاتب علناً المؤامرت الداخليّة بين عناصر هذه المؤسسات للاستحواذ على القرار الرئيس في إدارة جرائم أميركيّة خارجيّة.

* تبرير غير مباشر..
ويروي الكاتب بصيغة فيها تبرير غير مباشر، كيف أنّ الاستخبارات عادت وحصلت على ترخيص بقتل من أسماهم "أعداء أميركا"، بأمر سريّ في زمن الرئيس الأميركيّ السابق جورج بوش الابن، وذلك بعدما مُنعت من هذا الترخيص في السبعينيّات من القرن الماضي، بعدما دفعت "سلسلة من الإفشاءات المرعبة، والمضحكة أحياناً، عن محاولات الاغتيال التي قامت بها الوكالة في البيت الأبيض إلى منعها من القضاء على أعداء أميركا". ويتابع الصحفيّ أنّه في ذلك اليوم الذي حصلوا فيه على الترخيص، شرعت الاستخبارات في الإفادة من كيفيّة استخدام هذا الترخيص.

وبهذا السرد، يمحو الكاتب حُقَباً طويلة من الإجرام الأميركيّ الذي كانت تمارسه الاستخبارات في العديد من البلدان، التي كانت تتدخّل في شؤونها، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، من خلال تصفيتها لكلّ من يمثّل عقبة أمامها، أو أمام حلفائها في الوصول إلى مبتغاهم.

* حرب سريّة أخرى
ويعترف الكاتب بحرب سريّة أخرى بين أركان القادة في وكالة الاستخبارات نفسها، في عمليّة تنافسيّة شديدة، ليكون هو صاحب الفضل في السبق الإجراميّ. يبدو أنّ الكذبة الكبرى التي باتت معروفة عن الأميركيّين بملاحقة الإرهاب والقضاء عليه، هي العمادة التي يقوم عليها الكتاب، يقدّم ويؤخّر المؤلّف في سرده الزمنيّ للأحداث ليبيّن كيف كانت العمليات الاستخباراتيّة التي تدعمها عمليات القتل والاغتيال تهدف إلى التخلّص ممّن يهدّد الأمن الأميركيّ. وفي سبيل هذا الهدف، اخترعت الوكالة العديد من الأجهزة الاستخباراتيّة، المدرّبة خصّيصاً على القتل والتجسّس. وهم في ذلك لا يثقون بأيّ جهاز استخبارات آخر في العالم، بل بالعكس يعملون على اختراقها -كما يقول الكاتب- وتحويل ضبّاطها إلى العمل لصالح الولايات المتحدة من خلال التجسّس على بلدانهم.

* الوحش الأوّل
ومن المفارقة التي تبعث على الاشمئزاز في طريقة الكاتب للتغيير من حقائق، التي لم تعد تخفى على أحد، قوله إنّ الاستخبارات الأميركيّة انفتحت في علاقاتها الاستخباراتيّة بعد أحداث 11 أيلول في العام 2001م، على أجهزة الاستخبارات "ذات التاريخ الوحشيّ الكريه" مثل المخابرات المصريّة، والأردنيّة، والليبيّة وأنها أصبحت أكثر وثوقاً بها.

وفي هذا التصريح تناقض فاضح للغاية:
أوّلاً: هناك وثائق تاريخيّة تشهد على التعاون الكبير بين مخابرات هذه البلدان وبين المخابرات الأميركيّة، والتي بدأت منذ المراحل الأولى لتقسيم البلاد العربية، وفق اتفاقيّة "سايكس بيكو". وبفضل هذا التعاون لا يزال حكَّام هذه الأنظمة مدعومين من نظيرتهم الأميركيّة.

ثانياً: إنّ صفة الوحشيّة مردودة على المؤلّف وبلاده -وليس دفاعاً عن المخابرات العربيّة- إنّما لم يعد خفيّاً على أحد كيف تُقام الورش التدريبيّة الأمنيّة والعسكريّة لهؤلاء العرب في بلاد "العم سام"، فهذا الوحش إنما تعلّم من الوحش الأول.

لكنّ المؤلّف في أماكن أخرى في الكتاب يعترف صراحة، وإن كان يبغي من اعترافه مسوّغات أخرى، أن الـ"سي آي إيه" ترنّحت تحت ضربات من لجان الكونغرس، التي راحت تحقق في ما قامت به الوكالة من أعمال خفيّة منذ تأسيسها في العام 1947م، وطبعاً كان السبب أنَّ أمن البلاد مهدَّد من "الإسلاموفوبيا".

* عمليّات تخريب بقناع جمع المعلومات
في الكتاب الكثير من التفاصيل، منها ما يمكن تصديقه وفق المنطق العقليّ بإدراكنا لكيفيّة إدارة التعقيدات الأمنيّة، ومنها ما هو مدسوس بصيغة ملتبسة توهم ذهن القارئ على الفور أنّ هناك بلداً عظيم الحضارة والعلوم يتعرّض لتهديدات وجوديّة، وتالياً يصبح عمل القتل وسرقة أسرار الدول مسوّغاً، لا بل مطلوباً وواجباً وطنيّاً.

ومن اللافت أن يسجّل الكاتب للرئيس الأميركيّ السابق -لا يزال على قيد الحياة- جيمي كارتر أنّه قاد حملة لوضع حدّ لما أسماه مغامرات الـ"سي آي إيه" في ما وراء البحار، وهو من المعتقدين أنّها تعيث في الأرض فساداً. تصدمنا في الحقيقة هذه المعلومة، ونشكّ في مصداقيّتها. ويكمل حول اعتقادٍ سادَ بشأن الوكالة بأنّها لن تجلب سوى المشاكل إذا عادت إلى ممارسة القتل. وجرى الشكّ في الحكمة من اعتناق الوكالة لدورها جلّاداً طوعيّاً لأعداء أميركا.

ومن المرواغة الكبرى، واستغفال عقول القرّاء، تأكيد هذا الكاتب على أنّ الهدف من إنشاء وكالة الاستخبارات الأميركيّة "مهمة بسيطة نسبيّاً" وهي جمع المعلومات وتحليلها ليتمكّن الرؤوساء الأميركيّون في كلّ يوم من الاطّلاع على مختلف التهديدات التي تواجه الولايات المتحدة، وأنّ الرئيس "ترومان" لم يرد أن تكون الوكالة جيش أميركا السريّ. ولكنّه يؤكّد في جانب آخر أنّ الرؤوساء الأميركيّين استخدموا سلطة "العمل الخفيّ" لإرسال الوكالة في عمليات تخريب وحملات دعائيّة، وتزوير انتخابات، ومحاولات اغتيال.

هل نريد دليلاً أكثر من هذا؟!
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع