نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

مع الإمام الخامنئي: الصيام عبورٌ نحو الكمال


قال الله الحكيم في كتابه:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (البقرة: 183).
إنّ التقوى هي الوصيّة الأولى والوصيّة الأخيرة للأنبياء عليهم السلام. وقد وردت في سور مختلفة من القرآن الكريم. وأوّل كلام نقله الأنبياء إلى الناس كان الوصيّة بالتقوى التي إذا توفّرت، وجدت معها الهداية الإلهية. والصوم هذا مقدمة التقوى(1)، بل إنّ الصيام هو السلّم الذي يؤمّن الوصول إلى التقوى، وضمانة تأمين ذلك تكون في وجودكم وقلوبكم.


*ما هي التقوى؟
التقوى هي أن يكون الإنسان في جميع أعماله وأفعاله في حالة مراقبة دائمة، ليرى هل أنّ ما يقوم به من عمل، موافق لرضى الله تعالى والأوامر الإلهية أم لا.
وما يقابلها هو الغفلة، وعدم اليقظة وهو العمل دون بصيرة.
إنّ الله تعالى لا يرضى للمؤمن أن يكون غافلاً، بل يجب على المؤمن أن يمتلك نظراً ثاقباً، وقلباً يقظاً لأنهما وسيلة تنبّه الإنسان المؤمن إلى ضرورة أن لا تكون أعماله مخالفة لإرادة الله، ومخالفة للدين وأحكامه... وفائدة الصيام، تكمن في تحقيق هذا الأمر.

إنّ شعباً أو فرداً يتمتع بملكة التقوى سوف ينعم بجميع خيرات الله. ومن يتّقِ الله يَرَ بركات وفوائد التقوى في الدنيا أيضاً.

*الراحل إليك قريب المسافة
إنّ حياة الإنسان تمضي دوماً على طريقين متوازيين. أحد الطريقين، هو سلوك العابرين نحو الكمال، والطريق الآخر، هو الذي يتسافل العابرون عليه ويتّجهون نحو السقوط في جهنّم.
وهذان الطريقان متجاوران طوال رحلة المسير، والانتقال من أحدهما إلى الثاني في منتهى السهولة. فلو أننا، لا سمح الله، كنا نسافر على الطريق الثاني ونتسافل على الصعيد الأخلاقي، ونتجه نحو السقوط، ثم أردنا أن ندخل إلى الطريق الآخر ونبدأ رحلة التكامل، فإنّ مثل هذا العمل ميسّر في كل آن: "وأن الراحل إليك قريب المسافة"(2).

*السيطرة على الأهواء النفسيّة أسهل
في تلك اللحظة التي نعقد العزم فيها على مخالفة أهوائنا النفسيّة، وهذا العجب والغرور والتبعيّة لشيطان النفس -وهي (الأمور) التي كان إمامنا العظيم قدس سره يحذّرنا منها دائماً، حيث كان يقول لنا: انتبهوا كي لا تقعوا أسرى هذه الأمور- في نفس تلك اللحظة، نكون قد وضعنا القدم من هذه المسافة القريبة، حيث إن الراحل إليك قريب المسافة، وبدأنا التكامل. ومثل هذا الأمر قابل للتحقق في شهر رمضان. فالسيطرة على الأهواء النفسيّة، في هذا الشهر، أسهل من أي وقت مضى(3).

*ببركة الدعاء يزدهر المجتمع
اغتنموا شهر رمضان. أحيوا أيامه بالصيام، ولياليه بالذكر والدعاء. إنّ الدعاء هو رابطتكم القلبية مع الله. الدعاء معناه الطلب والمناجاة، والطلب معناه الأمل.

*فرصة عروج للروح
إنّ النقطة الأساسية في صوم شهر رمضان هي أن ينال الإنسان -الذي حاصرته دواعي الغفلة عن الله وقطعت عليه طريقه، والذي تشدّه دوافع مختلفة نحو التسافل والسقوط- أن ينال فرصة يستطيع معها أن يسوق الروح -التي تميل إلى العروج والتكامل- إلى حيث الكمال، ويتقرب من الله، ويتخلّق بالأخلاق الإلهية... إنّ شهر رمضان هو فرصة من هذا القبيل.
بالطبع، توجد فرص أخرى غير فرصة شهر رمضان. فمثلاً، الصلوات الخمس اليومية هي فُرص نستطيع بالاستفادة منها أن نعرج إلى الله، وأن نُصلح أنفسنا.

*الدعاء نورانية مضاعفة
خلال هذه التسعة وعشرين يوماً أو الثلاثين يوماً، وبالإضافة إلى الصلوات الخمس المفروضة والنوافل التي يستطيع الإنسان أن يأتي بها دائماً، توجد أدعية تتضاعف بتلاوتها نورانيّة الإنسان. ولقد وضع أهل البيت عليهم السلام هذه الأدعية في متناولنا، وعلّمونا كيفيّة الحديث والمناجاة مع الله.

جوهر القضية يكمن في أننا قادرون على تحقيق هذا السير إلى الله في شهر رمضان. وقد أشرتُ في السابق إلى أنني أحياناً، حين كنت أتشرف بزيارة الإمام قدس سره بعد انتهاء شهر رمضان، كنتُ ألمس بشكل واضح أنه قد ازداد نورانيّة، وأن كلامه ونظراته وإشاراته وحركات يده، وآراءه قد اختلفت عما كانت عليه قبل بداية الشهر. وإنه لمن الملفت أن يكون لدورة شهر رمضان بالنسبة إلى إنسان مؤمن عالي المقام كالإمام، كل هذا الأثر!(4).

*فلنسعَ لإحياء روح العبودية
إنّ روح العبادة هي العبودية لله. يجب علينا أن نسعى لإحياء روح العبودية في أنفسنا، والعبودية تعني التسليم لله، وتعني كسْر ذلك الصنم الموجود في نفوسنا.
إنّ الأنا الباطنية في كل إنسان تظهر في كثير من الأوقات والظروف، وخصوصاً، عندما تقع منافعك في خطر، أو عندما يحدث أمر يوافق رغبتك –وفيه مخالفة للشرع- أو عندما ترى نفسك على مفترق طريقين -مصالحك الشخصيّة من جهة والتكليف من جهة أخرى- في مثل تلك المضائق والمزالق، تعلو تلك الأنا الباطنية برأسها وتُظهر نفسها.
ولو تمكنّا أن نروض بالكامل هذه الأنا، فإن جميع الأمور سوف تصلح. وقبل أي شيء آخر، سوف نتحوّل إلى بشر حقيقيّين، ونصل إلى الفلاح.
إنّ شهر رمضان هو مقدّمة لهذا الغرض. فالصوم والصلاة مع التوجه والإنفاق، وحتى الجهاد في سبيل الله، هي لأجل الوصول إلى دنيا يكون الناس فيها عباداً لله(5).

*احفظوا ما حصّلتم من شهر رمضان
يجب على المسلمين في يوم العيد أن يتلمسوا الاستفادات التي قد حقّقوها من الضيافة الإلهية في شهر رمضان المبارك، فشهر رمضان هو شهر بناء النفس والتقوى. وفي يوم العيد، إنْ وجدتم أنّكم قد حصّلتم ثمرة ما، فاسعوا كي تحافظوا عليها طوال العام(6).

* شهر رمضان فرصة استثنائية
إنّ فرصة شهر رمضان هي فرصة استثنائية، وليس بالأمر البسيط أن يقول تعالى في القرآن: ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْر (القدر: 3).


1- حديث ولايت، الجزء الرابع، مركز الطباعة والنشر منظمة الإعلام الإسلامي، ص 41 - 43.
2- الصحيفة السجادية (أبطحي)، الإمام زين العابدين عليه السلام، ص215.
3- م.ن، ص44.
4- م. ن، 139 - 140.
5- م. ن، ص 143.
6- م. ن، ص 151.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع