نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

المحكم والمتشابه في القرآن الكريم


المحكم في اللغة هو التام البنيان الذي لا نقص فيه ولا عيب. وبهذا المعنى، فإن جميع آيات القرآن محكمة، قال تعالى: ﴿كتاب أحكمت آياته (سورة هود: الآية: 1).
والمتشابه في اللغة هو الأمران أو الأكثر، إذا كان بينهما تشابه وبهذا المعنى فإن جميع آيات القرآن متشابهة، قال تعالى:
﴿الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً. (سورة الزمر؛ الآية: 23).
فالقرآن يشبه بعضه بعضاً لما جاءت فيه آيات على نسق واحد في أسلوب البيان، وعرض المعارف.
أما اصطلاحاً فإن المحكم والمتشابه الذي نرمي إليه، غير ذلك.
فالآيات المحكمة هي التي لها مقصود ومعنىً واحداً غير مشتبه بغيره، بينما أن معنى المتشابه خلافه، قال تعالى:
﴿هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هنَّ أم الكتاب وآخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلاَّ الله والراسخون في العلم يقولون آمنَّا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب (سورة آل عمران؛ الآية: 7).

* وجوه الكلام:
يدور الكلام في هذه الآية الكريمة من سورة آل عمران حول تأويل المتشابه ومن الذي يحق له ذلك. وفي ذلك وجوه:
الوجه الأول:
إن القرآن العزيز بعض آياته محكم، وبعضها الآخر متشابه، والمحكمات هنَّ أم الكتاب. ولازم ذلك أن ترجع المتشابهات إلى المحكمات، كما إذا أرجعنا آياتٍ اشتبه بين معناها اللفظي ومعناها الحقيقي، إلى معناها الحقيقي، من قبيل قوله تعالى: ﴿يدبر الأمر من السماء إلى الأرض (السجدة/5) ﴿وجوه يومئذٍ ناضرة إلى ربها ناظرة (القيامة/22) ﴿الرحمن على العرض استوى (طه/5) فترجع هذه الآيات إلى قوله تعالى: ﴿ليس كمثله شيء (الشورى/11) على أن هذا الإرجاع يرفع الاشتباه بمعنى التجسيم فينتفي في الآيات كل مورد للشبهة.
إن الله تعالى نفى في هذه الآية أن يكون باستطاعة أحد من البشر تأويل المتشابه مؤكداً - التي تفيد الاستثناء والحصر - أن ذلك لله سبحانه دون غيره.
المحكم هو الذي له معنى واحد غير مشتبه بغيره والمتشابه خلافه.

أما الذين في قلوبهم زيغ - ميل الأهواء - فيأخذون بما يشتهون ابتغاء الفتنة - الضلال والإضلال - ولا سبيل لهم إلى التأويل، فلا قدرة ولا استعداد. وأما الراسخون في العلم - رسوخ الإيمان في قلوبهم - فإنهم يتوقفون عند الشبهات، والمتشابه من الآيات، مع إيمانهم أنها والمحكمات آيات الله سبحانه، وعلى هذا فلا مجال للاستفادة من المتشابهات لا في التأويل ولا في العمل.
إن الواو في الراسخون تفيد العطف لا الاستئناف مما يعني أن الراسخين يعلمون التأويل أيضاً. والحق أن السياق يمنع من ذلك. وعليه فالواو استئنافية، ولكن ذلك لا يمنع من أن يتمكن الراسخون من التأويل بعد إذن الله تبارك وتعالى. وكما يرى العلامة الطباطبائي، فإن التأويل من عالم الغيب، وقد قال تعالى: ﴿عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً ألا من ارتضى من رسول (سورة الجن/ 26).

* ماذا يقول القرآن:
لقد أفاض القرآن الكريم في الحديث عن نفسه فوصف نفسه بأنه كتاب هداية لا ريب فيه فقال: ﴿ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين (البقرة/1، 2) وأنه نور مبين فقال: ﴿قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين (المائدة/15) وأنه تبيان لكل شيء فقال: ﴿وأنزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء.
وإنه لا يتسرب إليه الباطل بصورة من الصور فقال: ﴿لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. (فصلت/42). ويقول أيضاً أنه كتاب ميسر ﴿ولقد يسرنا القرآن للذكر (القمر/17).
إن هذه الآيات لا تدع مجالاً للشك في كون القرآن محكم البناء، مبين البيان، لا طريق لتسرب الخلل والغموض إليه، وأن كل ما فيه مدعاة للهداية وليس للريب.
ومثل هذا الكتاب لا يحتمل أي وصف بالضعف، من قبيل أنَّه كتاب مغلق المعاني، عسير على الأفهام.

فهو أولاً: كلم الناس على قدر عقولهم واختلاف استعداداتهم وقابلياتهم إذ تحدث كما بين الإمام السجاد عليه السلام بلغة العبارة والإشارة واللطائف والحقائق.

ثانياً: لو أن مراد هذا الكتاب الإلهي، الكامل والخاتم للكتب الإلهية، كان متعذراً على أفهام البشر بعضهم أو كلهم، لما كانت حجته بالغة تامة، ولما كانت تستقيم مقاصده وبيناته.

ثالثاً: أن القرآن الكريم يحض على التدبر للوصول إلى أكثر من المعنى الظاهري ولا يقول أن هناك مشكلة تمنع من ذلك سوى رين القلوب وأقفالها ويؤكد أن القرآن ليس فيه داع إلى الاختلاف إذ كيف يكون كذلك وهو من عند الله.
وهذا الكلام لا يستوي معه القول بأن الآيات المتشابهة لا سبيل إلى فهمها ولا العمل بها.

رابعاً: يرفض القرآن الكريم أن يستعمل لغة ضعيفة في خطابه فيؤكد على أن لغته هي اللغة العربية قال تعالى: ﴿إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون (الزخرف/3) وهذا يمنع من استعمال أي لفظٍ لا سبيل إلى فهمه. أو بالأحرى فإن القرآن استعمل أقوى وأعذب وأعمق الألفاظ العربية بهدف إيصال ما يريده إلى جميع الأقوام.
إن كل ما في القرآن الكريم هو مدعاة للهداية وليس للريب.

* تأويل المتشابه:
التأويل يأتي في اللغة على وزن ترجيع، وهو بمعنى الإرجاع إلى الأول، وهو الذي عُبر عنه بأم الكتاب فهو الأساس والحقيقة الثابتة في اللوح المحفوظ، قال تعالى: ﴿إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون وإنه في أم الكتاب لدين العلي حكيم (الأعراف/3/4).
وإن الذي نفهمه بعد طول بحث أن الآيات المشتبه في مدلولها ومعناها لا يجوز الاستفادة منها، ما دامت مشتبهة، أما إرجاعها إلى الآيات المحكمة إرجاع إلى التأويل الإلهي فضلاً عن أن الآيات المشتبهة في حال الإرجاع إلى الآيات المحكمة إرجاع التأويل الإلهي فضلاً عن أن الآيات المشتبهة في حال الإرجاع إلى الآيات المحكمة، تخرج عن كونها مشتبهة، لذلك فالآيات المتشابهة ليست كذلك عند الجميع، وهذا ما يشير إليه الإمام الصادق عليه السلام "كما يروى عنه": "المحكم ما يعمل به والمتشابه ما اشتبه على جاهله" والقرآن كما يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم ينزل ليكذب بعضه بعضاً، ولكن يصدق بعضه بعضاً" وعن الإمام الرضا عليه السلام "من رد متشابه القرآن إلى محكمة فقد هدي إلى صراط مستقيم".

فمن ابتغى غير ذلك فقد زاغ عن الصواب وابتغى الفتنة، وإن لم يستبن المقصود بعد الإرجاع إلى المحكمات فعليه أن يعود إلى صحيح ما ورد عن الأئمة عليهم السلام. ففي الفروع عن الإمام الباقر عليه السلام، أنه قال لقتادة: "يا قتادة إنما يعرف القرآن من خوطب به"، وقد سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن المحكم والمتشابه فقال: "إنما هلك الناس في المتشابه لأنهم لم يقفوا على معناه ولم يعرفوا حقيقته، فوضعوا له تأويلات من عند أنفسهم بآرائهم، واستغنوا بذلك عن مسألة الأوصياء".
والذي يتضح بعد كل هذا أن إرجاع الآيات المتشابهة إلى أم الكتاب وهي الآيات المحكمة هو التأويل الذي لا طريق إلى منعه، وقد أشرنا إلى طريقة الإرجاع آنفاً، فإذا ارتفع الاشتباه فقد حصل المطلوب، أما إذا استحكم الاشتباه فأهل الذكر هم المرجع في ذلك.
أما إذا احتجبت القلوب وأقفلت فإن الاشتباه سيبقى إلى يوم يأتي تأويله.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع