نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

نور روح الله: صلاةُ قلبٍ ذاكر(*)

الإمام الخميني قدس سره

الأجدر والأهم أن يعمد الإنسان إلى السعي لمعالجة أمراض النفس، وأن يشدَّ أحزمة العزم ليحصل، على الأقل، على بعض مراتب حضور القلب التي تُسقط العبادات عن درجة الاعتبار من دونها، ولا تحظى بقبول الحضرة المقدَّسة. هذا إذا كانت اليد قاصرة عن استحصال مراتبه كلِّها.

*الشعور بعظمة الحضور
وتجب معرفةُ أنَّ منشأ حضور القلب في عمل من الأعمال وعلَّة إقبال النفس عليه وتوجُّهها إليه هو أن يتلقّى القلب ذاك العمل بالعظيم ويراه من المهمّات. وبرغم وضوح هذا الأمر فإنَّه يزداد وضوحاً بذكر المثال الآتي:
إذا سمح لك سلطان عظيم بالدّخول إلى محفل أنسه أو مجلس سلامه، وأجلَّك واهتمَّ بك وتلطَّف بك بحضور الجميع، فإنَّ قلبك يحضر في هذا المحضر بصورة كاملة ويسجِّل بكامل الرغبة والتعلُّق وقائع المجلس كافّة ومخاطبات السُّلطان وحركاته وسكناته، ويكون قلبك حاضراً لهذا المحضر في الأحوال جميعاً، ولا يغفل عنه لحظة، لأنه يعدُّ هذا المقام عظيماً ومهمّاً فيعظم هذا المقام في قلبك.

وعلى العكس من ذلك يكون الحال، إذا حادثك من لا يراه قلبك محلاً للاهتمام أو استهان به، فلن تجد لقلبك حضوراً خلال حديثك معه، فتغفل عن حالاته وأقواله.
ومن هنا يتضح سبب انعدام حضور القلب في العبادات لدينا وغفلتنا عنها، فلو كنا نعطي لمناجاة الله تعالى، وهو وليُّ نعمنا، من الأهميَّة ما نعطي للتحدّث مع مخلوق ضعيف، لما كنّا نُصاب بهذه الدرجة من الغفلة والسهو والنسيان!!

*الإيمان الحقيقي باب الحضور
وواضح أنَّ هذا التساهل والاستهانة هما من نتاج ضعف الإيمان بالله تعالى والرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأخبار أهل بيت العصمة عليهم السلام، بل إنَّهما ناشئان من الاستهانة بمحضر الربوبيَّة ومقام الله المقدَّس، وهو وليُّ النعمة الذي تفضّل بأنْ دعانا -على لسان الأنبياء والأولياء عليهم السلام في قرآنه المقدَّس- إلى مناجاته وحضوره، وفتح لنا أبواب محادثته ومناجاته، لكننا مع ذلك لا نلتزم أدب حضوره بمقدار أدب تحدُّثنا مع عبد ضعيف!!
بل كلَّما دخل وقت الصلاة - وهي باب أبواب محضر الربوبيَّة وحضور حضرته- نبدو كأنَّنا ننتهز فرصةً للانشغال بالأفكار المشتِّتة والخواطر الشيطانيَّة، وكأنَّ الصلاة مفتاحٌ لدُكّان أو آلةُ حساب أو أوراقُ سجل!!
فلا يمكن عدُّ هذه الحال إلّا نتاجاً لضعف الإيمان به وضعف اليقين وليس شيئاً آخر.
ولو عرف الإنسان عواقب هذه الاستهانة ومعايبها، وأفهم قلبه إيّاها لعمد -بالطبع- للسعي إلى الإصلاح ومعالجة نفسه.
إذا لم يتلقَّ الإنسان أمراً بالتعظيم والأهميَّة، فإنَّ الحال ستؤول تدريجياً إلى تركه.
كما أنَّ الإنسان، لو أفهم قلبه أهمية العبادات والمناسك الإلهيَّة، لانصرف - بلا شك - من هذه الغفلة والاستهانة ولاستيقظ من هذه النّومة العميقة.

*للصلاة صورة غيبيّة
أيُّها العزيز!! فكِّر قليلاً في حالاتك؛ وراجع أحاديث أهل بيت العصمة عليهم السلام وشمِّر عن ساعد الهمَّة، وفهِّم النفس بالتفكُّر والتدبُّر أنَّ هذه المناسك - ولا سيَّما الصلاة، وبالأخص الواجب منها - هي سبب السعادة وزاد الحياة في عالَم الآخرة، وهي ينبوع الكمالات كافة ورأس مال الحياة في تلك النشأة.

واستناداً إلى تلك الروايات الكثيرة في أبواب متفرّقة وإلى نمط من البرهان ومشاهدات أصحاب الكشف والعيان، فإنَّ لكلِّ واحدة من العبادات المقبولة صوراً غيبيَّةً بهيةً؛ وتمثالاً ملكوتيّاً تصاحب الإنسان في النشآت الغيبيَّة وترافقه، وتعينه في جميع الشدائد، بل إنَّ حقيقة "الجنَّة الجسمانية" هي الصور الغيبية الملكوتيَّة للأعمال.

وإنَّ قضية تجسُّم الأعمال هي من الأمور التي يجب اعتبارها من الواضحات فالعقل والنقل متَّفقان عليها.
وهذه الصور الغيبيَّة تابعة لحضور القلب وإقباله؛ فالعبادة التي لا تُؤدّى بتوجُّه القلب وإقباله ساقطة عن درجة الاعتبار وغير مقبولة عند الله تعالى.

*الظاهر والباطن
وتجب معرفةُ أنَّ هناك ارتباطاً وعلاقةً طبيعيةً بين ظاهر الإنسان وباطنه، وسرِّه وعَلنه، وهذا المطلب فضلاً عن كونه برهانيّاً فإنَّ الوجدان والعيان شاهدان عليه، فمثلما أنَّ حالات الصحة والمرض في البدن وعوارضه المزاجيَّة وحالاته الداخليَّة والخارجيَّة مؤثِّرة في الرّوح، يصح كذلك العكس، فإنَّ الحالات الخلقيَّة والروحيَّة والملكات النفسانيَّة تؤثّر طبيعة دون تكلُّف في الحركات والسَّكنات والأفعال البدنيَّة.

وممَّا تقدَّم، يُستنتج أنَّ كلّاً من أعمال الخير أو الشرّ له تأثير في النفس؛ فهو إمَّا يجعلها تتوجَّه نحو الدنيا وزخارفها ويحجبها عن الحقِّ والحقيقة ويسلُكها في سلك الحيوان والشياطين، وإمَّا أن يجعلها متوجِّهة نحو الآخرة، فيجعل القلب إلهيّاً، ويكشف له سُبحات الجلال والجمال، ويجعله ينخرط في سلك الروحيّين والمقرَّبين لدى الحضرة الإلهيَّة.
وهذه الأفعال العبادية والمناسك الإلهيَّة فضلاً عن أنَّ لها صوراً غيبيَّة بهيَّة ملكوتيَّة تشكّل الجنَّة الجسمانيَّة، فهي تُولِّد - في الروح أيضاً - ملكات وحالات تكون مبدأ للجنَّة المتوسِّطة والجنّات الأسمائية.

*سرّ تكرار الأذكار
وهذا أحد أسرار تكرار الأذكار والأعمال، فعندما يكرّر اللسان الذكر الإلهي ينفتح تدريجيّاً لسان القلب أيضاً، ويُصبح هو أيضاً ذاكراً مثلما أنَّ تذكُّر القلب يجعل اللسان أيضاً ذاكراً.
وهذه الفائدة لا تُستحصل من العبادات، كما أنَّ هذه النتيجة لا تُستثمر منها إلّا عندما يكون القلب حاضراً في وقت العبادة والدّعاء والذِّكر، فمع الغفلة ونسيان القلب لا تؤثّر أعمال الخير في الروح - بأيِّ وجه كان -.
من هنا نرى أنَّ عبادات خمسين عاماً أو أكثر منها لم تؤثِّر في قلوبنا أثراً حسناً، بل زادت في طباعنا الفاسدة.
ولذلك لم توصلنا هذه الصلاة -الناهية عن الفحشاء والمنكر- إلى مقام من مقامات الصفاء مع أنّها معراج المؤمن وقُربان المتّقي.

كان الشيخ العارف الكامل الشاه آبادي - روحي فداه - يقول: "يجب أن يكون الإنسان - وهو في حال الذكر - مثل الذي يلقّن الطفل الكلام لكي يتعلّم التكلُّم، فهكذا يجب أن يلقِّن الإنسان قلبه".
وما دام الإنسان يردّد الأذكار باللسان منشغلاً بتعليم القلب، فإنّ ظاهره يعين باطنه.
ولو واظب الإنسان مدّةً على هذه الحال من الترتيب في الصلاة والأذكار والأدعية، فإنَّ النفس تعتاده، وتُصبح الأعمال العباديّة مثل سائر الأعمال المعتادة التي لا يحتاج حضور القلب فيها إلى تكلُّف.


(*) من كتاب: سر الصلاة، روح الله الخميني الموسوي قدس سره، ص75.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع