زهراء عودي شكر
 

في ظلّ التحدّيات الفكريّة والثقافيّة والدّينيّة التي تهدّد المجتمع بشكلٍ عام، والقاعدة الشعبيّة الشبابيّة لمجتمع المقاومة بشكلٍ خاصّ، ونظراً لإدراك تداعيات الحرب الناعمة والغزو الثقافيّ وتبعاتهما المتنوّعة على الأصعدة كافّة، كان لا بدّ من المسارعة إلى مواجهة كلّ هذه التهديدات، ومحاولة تقييدها -قدر الإمكان- كي لا تُدمّر الخنادق المعنويّة من إيمانٍ ومعرفةٍ وعزيمةٍ وأخلاقٍ، وكي لا تنجح في إبعاد الناس عن ساحة الجهاد والمقاومة. من هنا، انبثق مركز المعارف للدراسات الثقافيّة؛ ليواكب تلك المخاطر والتحدّيات التي تهدف إلى زعزعة انتماء الناس وعقيدتهم وحتّى هويّتهم، فيدرسها ويحلّلها.

* مهام مركز المعارف
تتركّز مهام المركز في تقديم قراءة علميّة معمّقة للواقع الثقافيّ والفكريّ والاجتماعيّ وقضاياه وكل ما يرتبط ويتأثّر به والتي تشكّل تحدّياً فعليّاً في بيئة المقاومة، بحسب فضيلة الشيخ حسن الهادي (مدير مركز المعارف للدراسات الثقافيّة) من خلال:
1. بيان معالم القوّة الناعمة وعناصرها.

2. إعداد البحوث النظريّة المتّصلة ببرامج الحرب الناعمة وسُبل مواجهتها، بالاستناد إلى الرصد الثقافيّ والفكريّ المبكّر، وإلى الدّراسات الميدانيّة عن ظواهر ثقافيّة وفكريّة يشهدها مجتمع المقاومة.

3. تطوير الخطاب الدينيّ بما ينسجم مع متطلّبات العصر وحاجات الجمهور.

4. اقتراح برامج الحلول، وسُبل الوقاية والتحصين والمواجهة، والمعالجات المناسبة.

* أهداف المركز
لم يكن عمل المركز عبارة عن إطلاق عناوين عشوائيّة في فضاء المجتمع المقاوم، بل كان منذ افتتاحه يعمل بانتظام وخطّة متكاملة ذات أهداف جليّة تتمحور في:

1. تبيين موقف الإسلام المحمّديّ الأصيل من القضايا الفكريّة والثقافيّة المعاصرة.

2. تظهير صورة المقاومة وسمعتها الحسنة في المحافل كافّة، إضافةً إلى تكريس ثقافتها كقيمة مجتمعيّة في مختلف أبعادها، وتأمين سلامتها في تعزيز صناعة الوعي.

3. تقصّي المشهد الثقافيّ فيما يخصّ الحالات المنافية للقيم والثقافة الدينيّة.

4. التّتبّع العلميّ للاختراقات الثقافيّة والفكريّة والكشف المبكّر عنها.

5. تعزيز المعرفة والفهم بالحرب الناعمة وأساليبها وأدواتها.

6. تظهير معالم القوّة في ثقافتنا وقيمنا ونمط حياتنا الإسلاميّ.

بناءً عليه، يعمل المركز وفق خطّة سنويّة ترتبط بالقضايا والأهداف الاستراتيجيّة العليا، وتستند إلى الأولويّات الثقافيّة للمرحلة، في سبيل تحقيق الأهداف المحدّدة له ولملفّاته التخصّصيّة ومواكبة البرامج والقرارات الناتجة عنها.

* هيكليّة المركز
انطلاقاً من هذه الأهداف، قُسّمت الهيكليّة الإداريّة لمركز المعارف بما ينسجم مع هويّته ورسالته، فكانت على شكل ملفّات متخصّصة، يُعنى كلّ واحد منها بمحور خاصّ يُعمل على إنجازه على أكمل وجه ليُحقّق الهدف المنشود. وقد وُزّعت الملفّات على الشكل الآتي:

1. ملفّ الحرب الناعمة: يُعنى بتعزيز المعرفة بالحرب الناعمة وبرامجها وأشكالها وكشف خلفيّاتها وسبل مواجهتها والوقاية منها.

2. ملفّ الدّراسات الميدانيّة: يقع على عاتقه إنجاز دراسات علميّة منهجيّة حول ظواهر محدّدة يشهدها مجتمع المقاومة، وذلك من خلال مقاربتها ميدانيّاً باستخدام مُختلف التقنيات والبرامج الحديثة للخروج بمعطيات رقميّة وجداول إحصائيّة وغيرها من النتائج التي تساهم في فَهم الظاهرة بهدف معالجتها.

3. ملفّ التحدّيات الثقافيّة والفكريّة المعاصرة: يساهم في تقديم قراءة معمّقة للتحدّيات على المستوى الثقافيّ والفكريّ والاجتماعي، ورفد الجهات المعنيّة بالاقتراحات والحلول المناسبة.

4. ملفّ ثقافة مجتمع المقاومة: يُعنى بتأصيل ثقافة المقاومة كقيمة مجتمعيّة وثقافة حياة، بوصفها ثابتة طبيعيّة كونيّة لها أصولها الفطريّة والدّينيّة والثقافيّة، وأبعادها التاريخيّة والاقتصاديّة والسياسيّة والمدنيّة والعسكريّة، من خلال إعداد بحوث ودراسات نظريّة وتقارير تحليليّة، وتقديم اقتراحات وتوصيات للجهات المختصّة.

5. ملفّ الرصد الثقافيّ: ذو الصّلة بتخصّصات المركز واحتياجات المعاونيّة الثقافيّة، وهو يستند إلى مصادر المعلومات الرسميّة الموثوقة ويقدّمها إلى الجهات المعنيّة على شكل تقارير أسبوعية وشهريَّة وفصلية، وموضوعية.

6. ملفّ الخطاب الدّيني: ملف قيد التأسيس وما يزال العمل جارياً على بلورته.

* دائرة الاهتمام: الأسرة والشباب وقضايا المرأة
لمّا كانت الأسرة والفئة الشبابيّة وقضايا المرأة محلّ اهتمام مركز المعارف، والدائرة الأساسيّة التي يركّز عليها بهدف حمايتها من الغزو الفكريّ والثقافيّ والسياسيّ والإعلاميّ، فقد أقام المركز سلسلةً من الملتقيات المتخصّصة في المجال الأسريّ والشبابيّ وقضايا المرأة، إضافةً إلى سلسلة من الحلقات البحثيّة التّخصّصيّة شارك فيها شخصيّات وجهات ومؤسّسات من كلّ الأطياف والشرائح، بما يغطّي مختلف ميادين وساحات مجتمع المقاومة وبيئتها. وقد برز في هذه الملتقيات الحضور الشبابيّ من الجنسين، مع ملاحظة التفاعل الكبير والحيويّ مع القضايا المطروحة. وقد أنجز المركز لهذه الغاية دراسات ميدانية حول الأسرة، والشباب، وتمكين المرأة، كانت بمثابة المسح الميداني العام، وقد صدر عنها مؤشّرات وقضايا وتوصيات، وقد تمّ اعتماد القسم الأكبر منها كمدخلات لبرامج ثقافيَّة وتوجيهيَّة واجتماعيَّة.

ولم يغب عن اهتمامات المركز قضايا المرأة التي تشكّل تحدّياً فعلياً على مستوى مواجهة الغزو القيمي والثقافي الغربي، في مقابل التأصيل الإسلامي.

* خطط مستقبليّة
أدرك مركز المعارف للدراسات الثقافيَّة أهميّة التحديث الدّائم للعلوم والثقافة والفكر والقضايا الدينيّة بما يتماشى مع التطوّر، فأخذ على عاتقه وضع خطط مستقبليّة لتوسيع دائرة العمل في كلّ مجالاته. وهو حاليّاً يعمل على التّخطيط لمجموعة مشاريع جديدة ذات أولويّة، مثل الخطاب الدّينيّ كأحد تحدّيات المرحلة الرّاهنة، إضافةً إلى إطلاق سلسلة برامج تخصّصيّة وإصدارات تتعلّق بنقد الثقافة الغربيّة وبيان ضعفها وتهافتها، وتفعيل القوّة الناعمة في مجتمعنا لمواجهة الحرب الناعمة الغربيّة، وبيان فساد النموذج الغربيّ وضعفه.

* تفاعل ونجاح
بما أنّ المركز يُعنى بالاهتمام ببيئة المقاومة والمؤسّسات والمراكز المتفرّعة من رحم المقاومة، ويعمل على تقديم البرامج والتوصيات لها، فقد لمس من خلال جلسات تقدير الموقف والحلقات البحثيّة التخصّصيّة والتّوصيات الصّادرة عن الملتقيات والمؤشّرات والقضايا الناتجة عن الدّراسات الميدانيّة، الكثير من التّفاعل في مختلف مفاصل الجسم المؤسّساتيّ، وذلك من خلال مجموعة القرارات والبرامج التي كانت تستند إلى النتائج والتّوصيات الصّادرة عن المركز، وهذا ما جعله يطمئن إلى أنّ ما توصّل إليه نجح في المساهمة في عمليّة البناء والتّطوير والتّحصين الثقافيّ والمجتمعيّ.

* إطلاق "وثيقة الملامح"
يعمل المركز وفق منهج علميّ رصين في عدّة مسارات متوازية تنطلق من القراءة العلميَّة للواقع، فيدرسها ويحلّلها، ويصوغها على شكل برامج وتوصيات وخطط عمل، ثمّ يعود ليطرحها من جديد في الواقع الاجتماعي والبيئة الضيّقة والعامة، وفق رؤية أصليَّة وواضحة الأصول والمعالم مستنداً في ذلك على نهج الإسلام المحّمدي الأصيل.

ولهذه الغاية أنجز "وثيقة الملامح"، والتي تشكَّل الخلفيَّة الدينيَّة والفكريَّة والعلميَّة للمؤمن، والأسرة، والشباب، والمبلّغ، والمرأة، وغيرهم.

وقد أعلن مدير المركز فضيلة الشيخ الهادي إطلاق الوثيقة مؤخراً، بتاريخ 12/6/2023م في حفلٍ رسميٍّ برعاية نائب الأمين العام لحزب الله، سماحة الشيخ نعيم قاسم، بحضور الجهات والمؤسَّسات المعنيّة باتت تُشكّل هذه الوثيقة الخلفيّة الفكريّة والثقافيّة لكلّ البرامج الثقافيّة المباشرة وغير المباشرة.

وأخيراً: يعدّ مركز المعارف جهة من الجهات، التي تتصدّى، بكلّ ما أوتيت من إمكانات وطاقات ماديّة وبشريّة، للهجمة الثقافيّة الغربيّة الشرسة، وتعمل في المقابل على ترسيخ النموذج الإسلاميّ وتقديمه بما يتلاءم مع احتياجات العصر وتحدّياته، في آنٍ معاً، وهي مهمّة ليست بسهلة.