مع الإمام الخامنئي | لا تنبهروا بقوّة العدوّ* نور روح الله | لو اجتمع المسلمون في وجه الصهاينة* كيف تكون البيعة للإمام عند ظهـوره؟* أخلاقنا | كونوا مع الصادقين* الشهيد على طريق القدس عبّاس حسين ضاهر تسابيح جراح | إصابتان لن تكسرا إرادتي(1) على طريق القدس | «اقرأ وتصدّق» مشهد المعصومة عليها السلام قلبُ قـمّ النابض مجتمع | حقيبتي أثقل منّي صحة وحياة | لكي لا يرعبهم جدار الصوت

منبر القادة: امتَحَنَهُم لينصُرَهُم

الشهيد السيد عباس الموسوي قدس سره

يقول الله تبارك وتعالى في كتابه المجيد: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ(البقرة: 214) صدق الله العلي العظيم.
 

كثيرةٌ هي الآيات القرآنية التي تُذكِّر بثمن الجنة التي يصفها الله تبارك وتعالى في كتابه المجيد بأجمل الأوصاف، فهي:
1- جنة عرضها السماوات والأرض.
2- يفرح بها المؤمنون.
3- هم خالدون فيها أبداً.
4- تجري من تحتها الأنهار.
5- يكون فيها المؤمن في جوار الله والأنبياء والصالحين، وحسُن أولئك رفيقاً .


*إنّها سنّة تاريخية
ثم يصف لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في معراجه عظمة الجنة ونعيمها، وهي التي يفرح بها المؤمن لمجرّد أن يحمل كتابه بيمينه: ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأيَّامِ الْخَالِيَةِ (الحاقة: 19-24). إنَّ هذه الجنة التي وُصفت بأجمل الصفات هي عطاء الله (سبحانه وتعالى). والله دائماً يذكّرنا بهذا العطاء.

ولكن ما هو عطاؤكم في المقابل أيها العباد؟ وماذا تقدّمون بدل هذا الثمن العظيم؟ لا بدَّ لنا أن نسأل أنفسنا: ماذا نعطي الله تبارك وتعالى بدل هذا الثمن؟
يقول تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ، أي: هل تتصوّرون أنّ دخول الجنة من دون مقابل؟ إنها سُنّة تاريخية تنطبق على كل الناس، وعلى كل الأنبياء والرّسل وعلى أقوامهم، وهكذا، فما من أمةٍ خلت من قبلكم إلّا وكان يمسُّها هذا الامتحان الكبير. فما هو هذا الامتحان؟ تصفه الآية: ﴿مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا، إلى أن قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والذين آمنوا معه: ﴿مَتَى نَصْرُ اللهِ؟ فيأتي جواب الله سريعاً: ﴿أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ!

عندما نقرأ هذه الآيات في القرآن الكريم، ندرك أنه من الطبيعيّ أن يختبر الإنسان أصحابه، وإنَّ مقتضى حكمة القائد أن يختبر الرجال، وأن يضع أنصاره تحت المحكّات الصعبة .


* "طالوت" اختبر أنصاره

تصوّر لنا بعض الآيات القرآنية، وهي تحكي لنا قصة قائد عسكري "طالوت"، كيف كان يختبر رجاله بأن أوصلهم إلى مستوى من العطش الشديد، ثم قال لهم: ينبغي أن لا تشربوا، ﴿إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ (البقرة: 249).
تشير الآيات الكريمة إلى أنّ أكثرهم قد سقط في الامتحان، ولم يستطع أن يلتزم أوامر القيادة، فقال لهم: لن أقاتل إلّا بالذين التزموا بالأوامر! وفعلاً، أخذ هذا العدد القليل، ونصره الله تبارك وتعالى بهم.

ومن هنا، يختبر الله تبارك وتعالى المؤمنين من أنصاره وأحبائه دائماً بالامتحانات الصعبة والعسيرة. وإذا كنا حقيقةً من أولياء الله والمخلصين، فسوف يضعنا أمام الاختبارات الصعبة، إذ يمكن أن يأتي في الأيام العادية ملايين البشر إلى المساجد، لعدم وجود فتن أو قتال أو مصائب ومحن، ولكن الله تبارك وتعالى يختبر الناس ويمتحنهم خارج المسجد، ويدفعهم إلى سوح الجهاد، أَنِ اجعلوا من المسجد منطلقاً لإعارة جماجمكم لله عزّ وجلّ، ولذلك فإن الله تبارك وتعالى لا يمتدح موقفاً كالموقف الذي وقف فيه بعض المؤمنين في ساعة العسرة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

قال تعالى في سورة التوبة: ﴿لَقَدْ تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ... (التوبة: 117)، وهو اليوم الذي طُلب فيه المؤمنون لمعارك بعيدة مع روما، فمع كل المشاكل التي اعترضتهم في مواجهة العدو، هاجروا وناصروا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

*سقطوا في ساعة العسرة
كما تذكر لنا هذه السورة القرآنية قصة ثلاثة من المؤمنين الذين كانوا أغنياء، فأشاروا إلى أنَّ المسافة قد تطول شهراً من أجل أن يصلوا إلى أرض المعركة، بينما يستطيعون هم من خلال جيادهم القوية الأصيلة أن يصلوا إليها في مدّة قصيرة، وتقاعسوا عن الرحيل مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم أخذوا يؤجّلون الذهاب، فرجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمجاهدون من معركتهم، وما زال هؤلاء يقولون: غداً نذهب!

لدى عودته جمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الناس قبل دخوله إلى المدينة المنورة، وقال لهم: إنَّ قرارنا بالنسبة لهؤلاء الثلاثة هو المقاطعة الكاملة. وعمّم حُرمة التعامل مع هؤلاء الثلاثة على جميع المؤمنين والمؤمنات. وتقول الروايات: جاءت نساء هؤلاء الثلاثة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يَسْأَلْنَهُ عن تكليفهنَّ الشرعي: هل نتركهم في بيوتهم ونذهب أيضاً؟ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا تتكلَّمْنَ معهم، بل قَدِّمْن لهم الطعام، واخدمْنَهم من بعيد.
هذا العقاب الذي نزل بهؤلاء من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، الذي أرسله الله رحمة للعالمين، هو لأنهم قد سقطوا في الامتحان ساعة العُسرة، أي في الساعة الصعبة التي يجب أن تُشحذ فيها الهمم، وأن ترتفع فيها المعنويات، وأن لا يخاف المؤمن في الله لومة لائم، لذا حاكمهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه المحاكمة الصعبة.

*المؤمن مبتلى
أيها المؤمنون، هذه أيام العُسرة، فهل أنتم مستعدّون لتلبية نداء الله في مثل هذه الساعة؟ يقول الإمام الصادق عليه السلام: "المؤمنون يبتلون، ثم يميزهم الله عنده، إن الله لم يؤمِن المؤمنين من بلاء الدنيا ومرارتها ولكن آمنهم من العمى والشقاء في الآخرة"1.
يريد الإمام الصادق عليه السلام أن يقول للمؤمنين: لا تتصوروا أنه إذا أصبحتم مؤمنين، سيؤمنكم الله من البلاء، فالله لم يؤمِن المؤمنين من مرارات البلاء الدنيوي، وإنما يميّز المؤمنين عنده، فيبتليكم ويمحصّكم حتى يرى الثابتين على إيمانهم، ويُميّز الخبيث من الطيب، والمؤمن من غير المؤمن.

تشير بعض الروايات إلى أن الابتلاء يشتدّ على الشيعة حتى يحار أحدهم الحق مع مَنْ. وفي الرواية: "عند ذلك يقوم قائمنا فيقدّم سبعين رجلاً يكذّبون على الله ورسوله فيقتلهم ثم يجمعهم الله على أمرٍ واحد"2، أي: يجمع الشيعة من جديد على أمرٍ واحد.
ما أريد قوله إن الله تبارك وتعالى يبتلي المؤمنين بابتلاءات تصل إلى مستوى يحار فيه اللّبيب، ويتساءل: أين الحق؟ ومع مَنْ؟ فهذا يقرأ علينا القرآن، وذاك الذي يواجهه يقرأ علينا القرآن أيضاً، وهذا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والآخر يقول ذلك أيضاً وهنا الابتلاء الكبير، فكيف تُميّز؟
لقد ملأ لنا أهل البيت عليهم السلام كتب الروايات بالأحاديث التي تدلّ على الراية الحقيقية. كما جعل الله تعالى على الإنسان حجتين: حجة ظاهرة هي الرسل والأنبياء، وحجة باطنة هي عقله، ولكن قلّة قليلة من العباد هي التي تستعمل فكرها وعقلها في تمييز القضايا.
 

*الإمام هو الدليل إلى الله
يقول الإمام الباقر عليه السلام: "من مات وهو عارف لإمامه، لا يضره تقدَّم هذا الأمر أو تأخّر"3.
يقول لنا الإمام عليه السلام: إنّ المهم هو أن تعرف إمامك فقط، لأن معرفة الإمام تعني معرفة الدليل إلى الله، ثم بعدها لا مشكلة سواء تقدم هذا الأمر عليك أم تأخر، انتصر هذا الأمر أم لم ينتصر، لأنَّ موتك وأنت تعرف إمام زمانك هو شهادة لك عند الله.
ولذلك لا ينبغي للإنسان المؤمن الذي عرف إمام زمانه أن يجزع، بل عليه أن يلتزم بتكليفه الشرعيّ: انتظار الفرج، فعندما تعرف إمام زمانك، ثم تنتظر الفرج الذي هو أفضل العبادات كما ورد في الروايات، لا شكَّ في أنك إن متّ على هذه الحال فسوف تكون شهيداً عند الله عزّ وجلّ.

*كقلب الأسد
ولذلك يقول لنا أهل البيت عليهم السلام: إن معرفتكم لإمام زمانكم ستكلّفكم كثيراً أيها المؤمنون، حتى إنَّ بعض الروايات تقول عن الإمام الصادق عليه السلام: "إن الله عزّ وجلّ يلقي في قلوب شيعتنا الرّعب من عدوّنا"4. ومعنى ذلك أن امتحانكم - أيها المؤمنون - ربما يكون بأن يلقي الله الرعب في قلوبكم من عدوكم.

وكأن الإمام الصادق عليه السلام يريد أن يقول لنا: توقّعوا - أيها المؤمنون - على أبواب ظهور الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف أن تمتلئ قلوبكم رعباً من أعدائكم، حتى تصرخوا: ﴿مَتَى نَصْرُ اللهِ؟  فيأتيكم الجواب:﴿أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ، فيخرج الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، ويصبح قلب الإنسان الشيعي المؤمن كقلب الأسد، فلا يخاف شيئاً.


* خطبة جمعة للسيد عباس الموسوي قدس سره، بتاريخ 29/7/1988م.
1- بحار الأنوار، المجلسي، ج45، ص80.
2- ينظر: الغيبة، النعماني، ص214.
3- الكافي، الكليني، ج1، ص371.
4- البداية والنهاية، ابن كثير، ج9، ص340.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع