نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

مع إمام زماننا: وظائف المنتظرين(4)(*)


آية الله الشيخ عبد الله جوادي الآمليّ 


إن كنتَ من المنتظرين، فستجد في دعاء الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف دعاءً خاصّاً لتحصيل كمالات أخلاقيّة هامّة؛ لتكتسبها وترشد وأنت في انتظاره، ولو كنت فقيراً معوزاً، أو مسؤولاً قائداً، أو من عامّة الناس... كلّ يوم في انتظاره عجل الله تعالى فرجه الشريف يمكنك اكتساب فضيلة، فيكون انتظارك إيجابيّاً، فهي مسؤوليّتك ووظيفتك حال انتظارك. نتابع في هذا المقال تناول هذه الوظائف.

"وعَلَى الْفُقَرَاءِ بِالصَّبْرِ والْقَنَاعَةِ، وعَلَى الْغُزَاةِ بِالنَّصْرِ والْغَلَبَةِ، وعَلَى الأُسَرَاءِ بِالْخَلاصِ والرَّاحَةِ، وعَلَى الأُمَرَاءِ بِالْعَدْلِ والشَّفَقَةِ، وعَلَى الرَّعِيَّةِ بِالإِنْصَافِ وحُسْنِ السِّيرَةِ"(1).

 
* وظائف الفقراء
كما إنّ على أغنياء الأُمّة الإسلاميّة التواضع والسعة في العطاء لينتفع أهل الإيمان من الطبقات الفقيرة المحرومة، فإنّ على الفقراء والمحرومين أن يتّصفوا -بصدقٍ- بالصفات التالية الموجبة لحفظ الاستغناء في أنفسهم والاستعداد للانتظار الحقيقيّ، وهي:

أ- الصبر: الصبر هو حفظ النفس عن الجزع والحيرة، لا البرود والإحجام عن أيّ ردّ فعل. يجب على الفقراء المنتظرين الحقيقيّين لإمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف أن يتجنّبوا الوقوع في الجزع والحيرة الباعثين على الوقوع في مستنقع الانحراف، بل يجب عليهم أن يتحلّوا بالسكينة والطمأنينة في النفس، والاتّكال على الله القادر، والصبر على بلاء المعيشة وضيق الرزق؛ "وَعَلى الُفَقراءِ بِالْصَبْرِ".

ب- القناعة: إنّ نار الرغبة في زيادة الرزق والطمع حين تلتقي مع حرقة الفقر والحاجة، تحرق الإيمان، وتدفع الإنسان إلى حافّة الكفر(2). أمّا القناعة -التي هي العيش بحسب القدرة المتوفّرة والإمكانات المتاحة- فهي كنز لا يفنى، فتنقذ الفرد من الإحساس بالحاجة، وتهيّئ الأرضيّة لتعالي الإنسان وارتقائه سلّم الكمال. ولذا، ينبغي للفقراء الذين تعلّقت قلوبهم بانتظار إمام زمانهم عجل الله تعالى فرجه الشريف أن يعيشوا بقناعة مع حفظ ماء الوجه وعزّة النفس، كما عليهم أن يهيّئوا في أنفسهم الأرضيّة للظهور؛ "وَالقَناعَةِ".

* وظائف القوّات المسلّحة
القوّات المسلّحة هي الحافظ لثغور الأُمّة الإسلاميّة وحدودها والمدافعة عن كيان النظام الإسلاميّ. وقد حدّد الدعاء الشريف وظائفها على هذا النحو:

أ- النصر: من منظار الفكر التوحيديّ، لا يكون النصر إلّا من عند الله: ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ (آل عمران: 126). كما إنّ الله في نصرة من نصر دينه بالحفاظ عليه والتبليغ له: ﴿إِن تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُمْ﴾ (محمّد: 7). وعلى هذا الأساس، فمن أُولى واجبات القوّات المسلّحة السعي إلى تقوية النظام والدفاع عن كيان الدين حتّى يتحقّق لهم نصر الله تعالى؛ "وعَلَى الْغُزَاةِ بِالنَّصْرِ".

ب- الغلبة: إنّ التفوّق على جاحدي الفكر التوحيديّ أحد آمال بقيّة الله عجل الله تعالى فرجه الشريف. وعلى أساس الفقرة الواردة في الدعاء الشريف، يلزم على القوّات العسكريّة في زمن الغيبة تحصيل القدرات التكتيكيّة والفنيّة والنظم الدفاعيّة، إلى جانب السعي إلى تعزيز الإيمان والصبر والاستقامة، كما تشير إلى ذلك جملة من آيات الذكر الحكيم، كقوله تعالى: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ (الأنفال: 60)، وقوله تعالى: ﴿إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا﴾ (الأنفال: 65).

* وظائف الحكّام والقادة
إنّ للحكّام والقادة الذين يضطلعون بمسؤوليّات كبيرة سياسيّة أو اقتصاديّة أو ثقافيّة أو اجتماعيّة في المجتمع الإسلاميّ، دوراً مهمّاً في تهيئة الأرضيّة لظهور إمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف، كما لهم تأثيرٌ كبيرٌ فيه. ولذا، بيَّن هذا الدعاء الشريف الوظائف التي ينبغي الاضطلاع بها كما يلي:

أ- العدالة: العدالة بمعنى الحركة التي تتوسّط الإفراط والتفريط بنحو لا يعتريها نقص ولا زيادة. وإنّ مراعاة العدالة في شؤون إدارة المجتمع الإسلاميّ من آكد وظائف قادة الحكومة الإسلاميّة في عصر الغيبة؛ "وَعَلى الأُمَراءِ بِالعَدْلِ".

ب- الشفقة: وهي الرأفة والمداراة الناشئة عن التفريط، والتشدّد الناجم عن الإفراط من آفات إدارة المجتمع. فعلى الحكّام من أهل الانتظار أن يختاروا سلوكاً يجمع بين الرحمة والتسامح، وبين الصلابة والحزم والقدرة؛ لغرض سوق المجتمع نحو ظهور دولة المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف؛ "وَالشَّفَقَةِ".

*وظائف الرعيّة
للأُمّة الإسلاميّة دورٌ مهمّ، وهو النصيحة لحكّامها في عصر غيبة وليّ الله الأعظم عجل الله تعالى فرجه الشريف، فلو عملت الأمّة وعمل القادة بحسب ما تملي واجباتهم عليهم تُجاه بعضهم بعضاً، لم يطمع الأعداء ولن يفلحوا في سلب هويّتهم وغصب حقوقهم. ويمكن تلخيص وظائف الرعيّة كما وردت في الدعاء الشريف في ما يلي:

أ- الإنصاف: أوّل ما يلزم مراعاته على الرعيّة تُجاه بعضهم بعضاً، وتُجاه الحكومة الإسلاميّة: رعاية الاعتدال والمساواة في أداء الحقّ، وهو ما يسمّى بالإنصاف. إنّ الأُمّة التي لا تتعامل مع قادتها بالإنصاف، إمّا أن تتصرّف معهم بنحوٍ من الإفراط فتعتبرهم مستبدّين، وإمّا أن تنحوَ معهم منحى التفريط، فتساهم في إضعافهم.

ولا يخفى، أنّ لقوّة أو ضعف الحكّام غير المعصومين -وإن كانوا عادلين- تأثيراً كبيراً مباشراً في مختلف شؤون المجتمع. فلو أعانت الرعيّة رعاتها وقادتها بمراعاة الحقّ والإنصاف، استطاعت أن تساهم في تعزيز جانب الإصلاح فيهم، وسدّ النقص والضعف في حكومتهم. وعلى هذا الأساس، فالإنصاف من آكد وظائف الرعيّة المنتظرة؛ "وعَلَى الرَّعِيَّةِ بِالإِنْصَافِ".

ب- حسن السلوك: ومن وظائف عامّة أفراد الرعيّة المنتظرين حسن السلوك، مع النأي عن الحبّ أو الكره بلا مبرّر، والبُعد عن الرذائل والفواحش، ما يؤدّي إلى إصلاح الحُكّام، وإضفاء الأمل في قلوب العاملين في الحكومة الإسلاميّة، وزرع اليأس في الأعداء، وإلى تعزيز روابط الاتّحاد والانسجام بين أفراد الأُمّة. ثمّ إنّ حسن السيرة بين الأفراد تُجاه بعضهم بعضاً، وإن كان واجباً على المسلمين كافّة، إلّا أنّ هذه الخصلة بقرينة قوله عجل الله تعالى فرجه الشريف في الدعاء: "وعَلَى الأُمَرَاءِ" التي وردت فقرة الرعيّة بعدها، توضّح أنّ الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف في مقام بيان الوظائف المتبادلة بين الحكومة والأُمّة الإسلاميّة. ومع الأخذ بعين الاعتبار الإمكانات والقدرات المتاحة المساهمة في مؤازرة الدولة الإسلاميّة، على طريق تحقيق التقدّم ورفع النقائص في المجتمع الإسلاميّ، يتّضح أنّ من مصاديق العمل بهذه الوظيفة هو: "وحُسْنِ السِّيرَةِ".

(*) من كتاب: الإمام المهديّ الموجود الموعود عجل الله تعالى فرجه الشريف - الفصل الرابع: الانتظار – بتصرّف.
1- البلد الأمين، الكفعميّ، ص 349. 
2- قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "كاد الفقر أن يكون كفراً". الكافي، الكليني، ج 2، ص 307. 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع