مع الإمام الخامنئي | لا تنبهروا بقوّة العدوّ* نور روح الله | لو اجتمع المسلمون في وجه الصهاينة* كيف تكون البيعة للإمام عند ظهـوره؟* أخلاقنا | كونوا مع الصادقين* الشهيد على طريق القدس عبّاس حسين ضاهر تسابيح جراح | إصابتان لن تكسرا إرادتي(1) على طريق القدس | «اقرأ وتصدّق» مشهد المعصومة عليها السلام قلبُ قـمّ النابض مجتمع | حقيبتي أثقل منّي صحة وحياة | لكي لا يرعبهم جدار الصوت

شركاء في تربية الأبناء

آيات نور الدين*

 



يشعر كثير من الأهل بالرضى إذا ما أدّى أولادهم ذكوراً وإناثاً واجباتهم العلمية، ويكونون أكثر راحة إذا ما رأوا أولادهم يُظهرون علامات انتمائهم الديني كالصلاة وغيرها من الشعائر، فيشعرون انطلاقاً من قول الإمام علي عليه السلام: "للمؤمن ثلاث ساعات: فساعة يناجي فيها ربّه، وساعة يرمّ(1) معاشه، وساعة يخلي بين نفسه وبين لذّتها فيما يحلّ ويجمل"(2) أنّ ساعة العمل وساعة العبادة قد تمّ تأديتهما من قبل الأولاد، وبالتالي فهم يستحقّون ساعة الترفيه، ليقضوها كيف يشاؤون. وهنا يكمن أحد أهمّ المسارب، مسارب التربية. لذلك قد نجد كثيراً من الأُسر، حتّى المتديّنة منها، تُفاجأ بعد مرور الزمن، وبعد بذلها الجهد الجهيد في تربية أبنائها، أن هؤلاء الأبناء بعيدون عن الخطّ القيمي الذي يتبنّاه الأهل. ولعل المجالس التي يقضي فيها الأبناء الكثير من أوقات فراغهم للترفيه عن أنفسهم تكون أحد أهم الأسباب.

* دور المجالس في سلوك الأبناء
فالمجالس، بما هي حيّز مكاني، وبما هي مساحة للّقاء، وبما هي ملتقى لممارسة العديد من الأنشطة المحتملة، تشكّل مجالاً محفِّزاً، بامتياز، إمّا لقيم إيجابية يُعمل على ترسيخها، وإما لسلوكيات سلبية يكون قبولها وتكرارها من قبل الفرد أو المجموعة عاملاً مساهماً في إحداث صدع في المنظومة القيميّة والأخلاقيّة التي تعمل الأسرة ومؤسسات التنشئة الأخرى على بنائها. قد يكون مكان المجلس عاملاً حاسماً في دوره الإيجابي أو السلبي، كما عندما نتحدّث عن مسجد مثلاً أو عن ملهىً ليلي، وعندها يكون الأمر أكثر سهولة على الأهل في تشخيص المصلحة والمفسدة وفي المنع أو التحفيز والتوجيه.  إلا أن الأمر يكون أكثر صعوبة عندما لا يحمل المكان أيّ صبغة محددة له من حيث النتائج، فيقع الأهل في حيرة من أمرهم في قبول أو رفض ارتياد أولادهم لهذه المجالس. وفي بعض الأحيان قد لا يتوقّعون إطلاقاً أن يشتمل بعض المجالس على ما هو سلبي لأولادهم، فلا يلتفتون إلى ضرورة أن تكون هذه المجالس وما يجري فيها محطَّ نقاش وحوار مع أبنائهم.

* الشاشة أهم عوامل التأثير
ولا نقصدُ بالمجلس، حُكماً، مكاناً آخر غير المنزل، ولا لقاءً واقعياً مع أشخاص آخرين؛ بل هناك أنواعٌ من المجالس هي الأكثر انعقاداً هذه الأيام من قبل الشباب والشابات وحتى الفتية والفتيات، نعني بها قضاء الوقت في تصفّح مواقع الإنترنت ومواقع المحادثة وكل ما تزخر به الشبكة العنكبوتية من عوامل جذب تصعب مقاومتها، ولا سيّما إن كان المتصفّح يجهل ما يكمن خلف عوامل الجذب هذه. وهذا هو واقع غالب الأهل؛ إذ يشعرون بالطمأنينة حيال كون أبنائهم في المنزل، فيعتبرون أنّهم في مأمن عن كل عوامل الخطر الخارجية، فهم أمام مجرّد شاشة يقلّل الأهل من أهمّيتها، وهي واقعاً من أهم عوامل التأثير في هذا العصر على تغيير القيم والاتجاهات والمواقف والآراء.

* عالم مواقع التواصل الاجتماعي
وقد اكتسبت "مجالس الإنترنت"أهمية مضاعفة جراء دخول عالم جديد إليها، استقطب خلال سنوات قليلة الملايين من الأشخاص حول العالم، غالبيّتهم من فئة الشباب، هو عالم مواقع التواصل الاجتماعي. هذه المواقع لها خصوصيّة عما عداها مما هو متاح من خلال الإنترنت. فقد غيّرت هذه المواقع، سريعاً ودون أن نلتفت لذلك، منظومة الصداقة والقرب والبعد والحميميّة بين الأشخاص، فلم تعد نظرية تدخّل الأهل في اختيار أصدقاء أبنائهم ذات فعالية؛ إذ أصبح الشخص نفسه، يختار العشرات من "أصدقائه المفترضين"بكبسة زرّ، فيصبح بإمكانه، كما بإمكانهم، التحادث ومناقشة القضايا، السطحية منها والعميقة، والاطّلاع على تفاصيل حياة كل منهم الشخصية، وصوره، وهو ما لم يكن مقبولاً سابقاً في مجتمعاتنا، تحديداً عندما نتحدّث عن العلاقات بين الجنسين، وعن مدى المساحة المعطاة لكي يعرض الإنسان خصوصيّاته في هذا الفضاء الواسع.

* مكمن التحدي
كل ذلك دخل إلينا على غفلة منّا، ودون أن ندري أنّه في طريقه إلى تغيير الكثير من نظم علاقاتنا الاجتماعية، ومع ثبات قاعدة "قل لي من تعاشر، أقل لك من أنت"، يكون قد غيّر في أنفسنا، بما هي أفكار ومعتقدات وسلوكيات وثقافة، وإن كان هذا التغيير لا يتحرّك في اتجاه واحد، فقد يكون في إمكاننا نحن أن نقوم بالمهمة، بمعنى أن نساهم في تغيير الآخرين، إلا أن ذلك يفترض منظومة قيمية وثقافة راسخة وعميقة، وهنا يكمن التحدّي.

* غزو المقاهي
وإذا ما غادرنا عالم الإنترنت، إلى العالم الواقعي، أي المجالس الأكثر ارتياداً من قبل الشباب اليوم، فبإمكاننا أن نرصد ازدياداً لافتاً ومتنامياً لحركة الشباب، ذكوراً وإناثاً، إلى المقاهي، هذه المقاهي التي شهدت تحولاً في طبيعة مرتاديها عمّا هو الحال في السابق؛ إذ كانت حكراً على الرجال من كبار السن ومن الفئة المثقفة، وكان لكل من هاتين الفئتين أهدافه المختلفة؛ ففي حين كان المقهى بالنسبة لكبار السن محور حياتهم الاجتماعية بعد تقاعدهم، كان بالنسبة لكثير من المثقّفين، المكان الأمثل للكتابة والبحث وقراءة الصحف. أما اليوم فقد "غزا"الشباب هذه المقاهي، لدرجة شعر مرتادوها القدامى بالغربة عن هذا المكان الجديد، الذي أصبحت مهمّته الأولى تقديم النرجيلة للشباب والحفاظ على فحمتها دائمة الاشتعال لعدد من الساعات، بكل ما لذلك من دلالة على قيمة الوقت ومفهوم الطاقة في الثقافة الشبابية، وخصوصاً عندما يصبح المقهى هو الأفق الذي يرى الشباب أنّ ما من دور لهم خارجه.  هذا، عدا عن قيم أخرى كثيرة، تكون رهينة طبيعة المقهى والأشخاص الذين نلتقيهم والبيئة التي نلتقيهم فيها، والأحاديث والأنشطة التي نتداولها خلال جلساتنا.

* الأنشطة الثقافية ليست أولوية
في مقابل ذلك، تشكّل تنمية طاقات الشباب والإفادة منها محور عمل الكثير من التجمّعات الشبابية، التي قد يُعنى بعضها بشؤون الثقافة أو البيئة أو غير ذلك، إلّا أنّ ما قد يمكن تسجيله في هذا الإطار هو الاستقطاب الخجول الذي تحقّقه هذه التجمّعات. فلو أخذنا الكشافة على سبيل المثال لرأينا أن نسبة خجولة من الشباب هي التي تنتسب إليها فقط، كذلك الحال في كثير من التجمّعات الشبابية في الجامعات حيث يمكن ملاحظة تواضع الحشد الذي يعمل على تنظيم نشاط ثقافي أو بيئي أو فكري.. هذه الأماكن والمجالس والتجمّعات التي من شأنها المساهمة في تعزيز الكثير من القيم وتنمية مختلف جوانب الشخصية عند الفرد، والتي من شأنها أن تشكّل هويّته الثقافية ورؤيته لذاته ودوره في الحياة، لا تشغل أولوية عند الكثير من الشباب. ولو أردنا الغوص في أسباب ذلك، لأمكننا ردّها إلى الكثير من العوامل؛ منها الهمّ الاقتصادي المعيشي الذي يعتبر أولوية في مجتمع تكثر فيه المشاكل الاجتماعية وتقلّ فيه فرص العمل، مع أنّه ليس في مقدورنا أن نغفل عاملاً أساساً، وهو عامل التربية الذي يزرع منذ الصغر في الفرد بذرة الذات الثقافية والاجتماعية، والتي يعمل الشخص لاحقاً خلال كل مراحل حياته على تنميتها، ويشعر بالفراغ والخواء إن لم يجد ما يروي له هذا الظمأ الثقافي والفكري، فلا تعود مهمّته في الحياة بالنسبة إليه، مجرّد الحصول على وسيلة كسب عيش، بل أن يكون قادراً على أن يحقّق إضافة ما إلى المجتمع من حوله.
ويمكننا تسجيل أمر ملحوظ، وهو أنّ الكثير ممّن هم في مواقع متقدّمة في المجتمع اليوم، هم من أبناء الطبقة المتوسّطة أو حتى الفقيرة، وبالتالي لا شرط لأن يكون الشاب فاعلاً في الحياة الثقافية والاجتماعية لكي يعيش الرفاه على المستوى الاقتصادي. هذا، عدا عن أمر آخر، وهو أن لهذه الفئة (من يعيشون الرفاهية) مشكلاتها المختلفة التي قد تعيقها أيضاً عن هذا الأمر، ولسنا هنا بصدد معالجة هذا الموضوع.

* المنظومة القيميّة حبل وثيق
فإذاً، إن كان على الأهل، كما على الشباب، مسؤولية تربية أولادهم وأنفسهم على البحث عن "المعنى"في الحياة، فإن على تلك التجمعات الثقافية الشبابية أيضاً أن تحدّث الشباب بلغتهم؛ إذ قد نجد أن كثيراً منها لا تزال آليّات عمله على ما هي عليه منذ عقود، وبالتالي لا تستطيع أن تلبي احتياجات شباب هذا العصر، مما يشكّل عاملاً جوهرياً في عدم استقطابها لهم؛ إذ يشعرون بالهوّة بين تطلّعاتهم وطموحاتهم وبين ما تتيحه هذه التجمّعات والمجالس. وأخيراً، لا بد من الإشارة إلى أن أياً كان عنوان "الساعة"التي يقضيها الإنسان، سواء ساعة العمل أم ساعة العبادة أم ساعة الترفيه، فهي حتماً إما تعزّز قيمة إيجابية اكتسبها أو العكس. فما ينبغي أن يربط نشاطات الإنسان على مدار نهاره وليله هو تلك المنظومة القيمية المستمدّة من رؤيته إلى الحياة وما بعدها، فتكون تلك المنظومة بمثابة حبل وثيق يجمع جزئيات ذاته؛ وإن أيّ فعل، أو نشاط، أو لقاء، أو مجلس يشترك فيه الإنسان، فهو إمّا أنّه يحافظ ويدعِّم من خلاله وثاقة هذا الحبل، وإمّا أنّه يحدث فيه فتقاً، فيبدأ، شيئاً فشيئاً، بالتمزّق إلى أن ينقطع، ويصبح الإنسان في مكان غير الذي رسمه لذاته أو الذي تمنّى أبواه أن يرسماه له.


(*)مختصة في علم النفس الاجتماعي والأنتروبولوجيا
1) يرم: يصلح.
2) ميزان الحكمة، الريشهري، الشيخ محمد، ج2، ص 1111.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع