نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

من القلب إلى كل القلوب: درس أجيالنا القادمة(*)

سماحة السيد حسن نصر الله (حفظه الله)


في كلّ سنة، في مثل هذا اليوم، نحيي سنوياً ذكرى القادة الشهداء، الشهيد السيد عباس الموسوي، أميننا العام وقائدنا، وزوجته العالمة المجاهدة الشهيدة أمّ ياسر وطفله الصغير حسين، وسماحة شيخ شهداء المقاومة الإسلاميّة الشهيد الشيخ راغب حرب، والقائد الجهادي الكبير الشهيد الحاج عماد مغنية، الذين هم عنوان ثباتنا وانتصارنا، ونحيي دائماً هذه الذكرى من أجلنا، من أجل أبنائنا، وأحفادنا، وأجيالنا، وليس من أجلِهم هُم.

* هكذا نواجه تحدّيات الحاضر
نحيي هذه الذكرى ليبقى الماضي القريب، الذي عشناه وشاركنا في صنعه سويّاً، المتّصل بالحاضر والمطلّ على المستقبل، ليبقى في وعينا وليسكُن ويتمكّن في وعي أبنائنا وأحفادنا والأجيال القادمة.

هذه الحقبة الزمنيّة، خصوصاً منذ قيام كيان العدو "إسرائيل" عام 1948م، وما حصل بعدها من حروب عامي1967م و1973م، وأحداث لبنان والمقاومة التي أعلنها الشعب الفلسطيني، ولاحقاً المقاومة التي أعلنها سماحة السيد موسى الصدر (أعاده الله بخير ورفيقيه)، إلى "كامب ديفيد" إلى انتصار الثورة الإسلاميّة في إيران بقيادة سماحة الإمام الخميني قدس سره، إلى اجتياح العدو الإسرائيلي عام 1982م، وما بعد الاجتياح إلى اليوم من حروب ومواجهات وأحداث ومؤامرات، هذه المرحلة غنيّة جداً، ولا يمكن، لا نحن ولا أبناؤنا ولا الأجيال الآتية، أن نقارب تحدّيات الحاضر بمَعزل عن هذا الماضي كلّه، وعن تلك المرحلة كلّها بما تحمله من تجارب وتحدّيات وإخفاقات وانتصارات، وبما فيها من معنويّات، وتضحيات، ودموع، ودماء، وآمال وآلام. هذه الحقبة الزمنيّة بما فيها تمثّل مدرسة إنسانيّة، وثقافيّة، وجهاديّة وإيمانيّة عظيمة لشعبنا وأمّتنا. وقد كان هؤلاء القادة الشهداء من أبرز عناوينها وقادتها وهُم شهودها الشهداء.

* هم قُدوة لنا وأُسوة
ولأنّنا نحن بحاجة دائماً وعلى مدى السنة إلى أن نرجع إليهم، إلى السيد عباس، إلى أم ياسر، إلى الشيخ راغب وإلى الحاج عماد، كقدوة وأسوة لنا، نحتاج إلى أن نتعلّم منهم: الزهد عندما تُقدم الدنيا علينا بجاهها ومالها وترَفها، وأن نتعلّم منهم: التواضع؛ بل التذلّل وخفض الجناح عندما نصبح أقوياء، ونتعلّم منهم: الشجاعة عندما نواجه الزلازل والأعاصير، ونتعلّم منهم: الحِكمة عندما نقابل الفتن التي تطيش فيها العقول وتزيغ البصائر. نأخذ منهم ونستلهم الهمّة العالية، عندما يتْعب من يتعَب، والإقدام، عندما يتردّد البعض حين يجب أن يُقدم، ونستلهم منهم ونتعلّم منهم: التضحية بلا حدود عندما يتطلّب الموقف ذلك، نتعلّم منهم: أنْ نثق بالله، وبأمّتنا، وبشعبنا، وبأنفسنا وبمجاهدينا عندما يستيئس الناس وتحيط بهم الشدائد والصعوبات والتحديات من كل جانب، نأخذ منهم الأمل والثقة والبصيرة. عندما كان العدوّ الإسرائيلي يحتلّ أرضنا كان السيّد عباس والشيخ راغب والحاج عماد سابقاً ولاحقاً لا يتحدّثون عن رؤية تقول إنَّ إسرائيل "ستخرج من الجنوب"؛ بل عن رؤية تقول إنّ إسرائيل "ستنتهي من الوجود"، وهم كانوا يحتلّون أرضَنا ويسجنون رجالنا ونساءنا، وكنّا في ضَعف وكانوا في قوّة.

* مدرسة جهاديّة وفكريّة
هكذا نستمدّ الرؤية، والبصيرة، والثقة والأمل؛ والأهمّ أن نتعلّم منهم الإخلاص والصدق والتحمّل لنكون في مستوى مسؤوليّة الحفاظ على إنجازات الشهداء والمقاومين، ومسؤولية مواجهة تحدّيات الحاضر الصعبة، ومسؤولية صُنع المستقبل العزيز والكريم، واللائق لشعبنا ووطننا وأمتنا. ولذلك نحرص دائماً على أن نتحدّث عنهم وعن سيرتهم، وأخلاقهم، وأعمالهم، عن جهادهم وتضحياتهم، لنتعلّم ويتعلّم الأبناء والأحفاد والأجيال منهم. هذا ما يجب أن نحرُص عليه مع كلّ الشهداء، لأنهم يمثّلون، بحقّ، مدرسة فكريّة وجهاديّة كاملة يجب التعريف بها والتعرّف إليها.

* منهم مَن قضى ومنهم مَن ينتظر
منذ 33 عاماً وإلى اليوم تقدّم جيل من الشباب، في ذلك الوقت كانوا شباباً، من علماء، ومجاهدين، ورجال ونساء، حَملوا المسؤوليّة وتقدّموا، منهم من استشهد ومنهم مَنْ كان له باعٌ طويل في ميادين الجهاد، وتحمّل المصاعب والجراح وتوفّاه الله، ومنهم من أُسر وعانى من قيود الاعتقال، ومنهم مَن جُرح وما زال يكابِد جراحه، ومنهم ما زال يواصل الطريق ويحمل دمه على كفّه. عنوان هذا الجيل الأول الذي كان السيد عباس والشهيدة أمّ ياسر، والشيخ راغب والحاج عماد، رمزه وعنوانه هو ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ (الأحزاب: 23).

من الشباب ومن أبناء الجيل الأول الذين عاهدوا وصدقوا وثبتوا وقضى كثير منهم شهداء، وآخرهم الذين قَضَوا في عمليّة القنيطرة في العدوان الإسرائيلي على القنيطرة.

كان أبناء الجيل الأول أيضاً مساهمين كباراً في صنع الانتصارات. تأتي ذكرى القادة الشهداء هذا العام وفيها شاهد على ما أقول. من على هذا المنبر وقَف "جهاد" نجْل القائد الشهيد عماد مغنية، ليبايع ويعاهد ويعلن انتماءه وهويّته وخياره بملء إرادته، وهو الذي لم يُلزمه أحد بذلك. كان يستطيع أن يُكمل جامعته و(هو) شابّ لطيف ومستقبله أمامه والحياة والدنيا كلّها أمامه، ولكن ابن الحاج عماد الذي يحمل في جنباته روح الحاج العماد وروحيّته، ومعرفته وعشقه، ابتعد عن هذا كلّه وذهب إلى الجولان، إلى القنيطرة، ليُختم له بالشهادة. هكذا هم الشهداء من أبناء الشهداء، في تلك اللحظة شعرنا أنّ الحاج عماد قد استشهد من جديد، هذا الإحساس الوجدانيّ المعنويّ والأخلاقيّ، تعاطف معه الناس، هكذا أيضاً. وأعادت شهادة "جهاد" هذا القائدَ الفذّ والألمعيّ والتاريخيّ إلى صدارة الأحداث من جديد، وأكّدت أن ذكره ما زال الأعلى وحضوره ما زال الأقوى في وجدان الصديق، وفي وجدان العدوّ الذي ما زال وسيبقى يطارده دم عماد مغنية.

* الشكر إلى أهلنا الكرام
في الختام، أتوجّه بالشكر إلى كلّ الكرام: إلى أهلنا في بيروت، في الضواحي وفي كلّ المناطق، الذين التزموا بالمناشدة والرجاء في عدم إطلاق النار، وهذا هو المتوقع منهم وهذا حسن الظن بكم دائماً. ويجب أن نتعاون، إن شاء الله، لكي ننتهي من هذه الظاهرة، فليس في كلّ احتفال يجب أن نُصدر بياناً ونقول: "الله (يخلّيكم) لا تطلقوا الرصاص". هذا موضوع يجب أن نتعاون جميعاً فيه. فهذه العادة قديمة في لبنان. ويجب أن نتعاون إعلامياً، ثقافياً، سياسياً وتعبوياً حتّى ننتهي منها إن شاء الله، فالشكر والامتنان كثيراً لكلّ الذين لبّوا والتزموا.

على طريق القادة الشهداء، عنوان ثباتنا وانتصارنا، قوافل شهدائنا تمضي وتصنع بدمائها النصر، والمقاومة ستبقى هي الردّ، وسنبقى نحمل المسؤولية ونصنع الانتصارات بثباتنا ودمائنا، وباستلهام قادتنا وكلّ الشهداء حتّى يحكم الله وهو خير الحاكمين.


(*) من كلمة السيد حسن نصر الله (حفظه الله) في ذكرى القادة الشهداء 16/2/2015م.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع