سوسنة الفجر
مهداة إلى روح الشهيد فادي صبحي مراد "خليل"
لسَوسَنةِ الفجرِ الندي أبحرَ الحُلمْ...
هَدهَدتِ النفسُ فغفا بحرُ المدينة المنسية...
ثم تعلّق بأهدابِ الحقيقةِ بوحُ الرصاص...
فعادت إلى باحةِ النفسِ ترانيمُ الصباح...
والليل ألقى العظةَ الأخيرة...
تناجي الإلهَ بواعثُ النفس...
وهذا العمر الفتي... من يحملُ في المدى غرستيه...
أو يطفأ الدمع في مقلتيه...
تململت ذخيرة القلبِ وصور الأيام القديمة...
وقمة "سُجُد" والفيافي الصغيرة...
ارتضت النفس سوى من ومضة العرفان...
لمكة كان الحجيج والهوى طوفان...
يهيّء تذكرة للسفر...
لقبر الرسول صلى الله عليه وآله كان الحنين... لقبر الزكية عليها السلام
ينادي علياً...
وقبر إسماعيل يُفدى بكبش ثمين...
إلهي ارزقني حجَّ البيت...
وأنعم بفضلك ربِّ عليّ...
طافت النفس بعامل كعبة الثوار...
سعت بين المدينة والجنوب...
واغتسلت بماءٍ طهور...
رمت جمارها صوبَ العدو غضباً...
فدى بنفسه في عرفة...
وأنعش القلب بذكر الحسين...
فانتفض... ثم انتفض...
فعاد ليكمل الطواف السرمدي...
كفراشة المصباح... يحمل في يده سوسنةَ الفجر...
وفي صدره راحةُ المشتاق... ولهفةُ الرحيل السريع...
****
ورحلت البدور/ مهداة إلى الشهيدين طلال ويونس يوسف البزال
سنين مضت
والنجم يغرس على دروب الحياة شموع الأمل
والزهور تحكي قصة الشهادة
في كل ليلة جمعة
وعندما يتعطر الكون برائحة الجنة
يرفع القلب الحزين يديه بالدعاء:
"يا راد يوسف ليعقوب رد لي ولديّ"
وتدق الفراشات أبواب الحنين تحمل البشرى
وعلى أسهم الشمس المضيئة تشع كلمات الحق
"ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل اللَّه أمواتاً بل أحياء ولكن لا تشعرون"
عندها تأتي الطمأنينة حاملة وشاح الصبر
يونس: عبر صحراء الشوق
وتحمّل حرارة البُعد عن الأحباب
وفتح الأبواب لقافلة الشهادة
وودع الحياة بابتسامة الرضى
وطلال: حفر أثراً على أوتار القلب
وتوضأ من مياه واحة الأمل
وسجد على رمال الموت
وعند الفجر رحل: مع الطيور المهاجرة
فعلى قبركما سأزرع ورود الحبق
ونسيم الشوق يحمل سلامي
زهراء حسين البزال
****
جداه خذني إليك
جداه خذني إليك، قالها حين غفا، والخد الشريف تريب على القبر الشريف، جداه أولست خامس أهل الكساء، لما أنتم هناك وأنا وحيد. دعني أنضم إليكم، اشتقت إليكم.. ويرتد الصدى، أي بني يعز عليّ أن أسمعك ولا أجيبك، لأن لك شأناً عند اللَّه لن تناله إلا بالشهادة، وبكى كما بكى من قبل وأبكى حين قبل النحر وشم الصدر... حينها علم الجواب. فأودع قلبه القبر وآب طمعاً بالعودة، والقلب دليل. فجمع الأهل والأصحاب إلى قافلة الرحيل، حيث خطاها مطايا للزمن إلى محرم الحرام، وبأخفافها تطوي البيداء إلى موعد اللقاء والأرض كربلاء. في البلد الحرام... حجيج وطواف، ولكن هل من أحد ينظر للركن المتصدع؟ أو يدرك أبعاد الآية؟ لو أنزلنا هذا القرآن... وهي شرط. كما عرفة شرط... وسنة ستون للهجرة حولها إلى عمرة. ولهذا لا أدري إن قُبل من أحد حج أو عمرة... وقد خرج منها يترقب.
وعلامات الطريق قلوب وسيوف. معك وعليك. وعليك وعليك. وهجير الصحراء يحرق هشيم الرسائل لينبيء بمقتل مسلم بن عقيل شهيداً من أعلى القصر.. وقلوب حرى وأطفال تجزع، من حر جعجع، أو يدري أي قلوب لرسول اللَّه أفزع، ما أجرأهم.. ما أجرأهم.. كيف إستلوا سيوفاً للبغي.. قلمي يأبى أن يكتب كل الأحداث. قلمي حرٌ، لم يجرؤ أن يكتب واقعة الطف. كما الحرُ من قبل لم يجرؤ. فواقعة كتبت بالدم القاني لا تكتب بالحبر الأسود.. كيف نكتب حسيناً في الطف وذائب تلعق دماء؟ كيف نكتب عواء عواسر وغضية في كربلاء(1)؟ كيف نكتب رضَ الأضلاعَ وجرحاً في الريح وناراً في الخيام صلية؟ كيف نكتب أطفالاً تبكي والبوارح أنين الكثبات الرملية(2)؟ كيف نكتب بنات رسول اللَّه مسبية؟ كيف نكتب أن الأرض دماء والسماء دماء في الغاضرية؟ هذا لا يتب إلا بالدم. إما أن نلحق فنستشهد، أو لن نبلغ الفتح.
يوسف محمد عباس
(1) عواسر: الذئاب التي تلوح بأذيالها عندما تريد الإنقضاض على فريستها غضية: الذئاب الأشد شراسة.
(2) البوارح: رياح شديدة الهبوب وتنقل الرمال والكثبان من مكان إلى آخر.