نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

منبر القادة: خصال أهل الإيمان(*)

الشيخ الشهيد راغب حرب (رضوان الله عليه)


يقول الله تعالى في الكتاب الكريم: ﴿قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ * قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ * وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ * قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي * فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلاَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ * لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ * وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الألْبَابِ (الزمر: 10 - 18) صدق الله العلي العظيم.

* سخطٌ لا تتحمّله الأرض ولا السماء
سمّيت سورة الزمر بهذا الاسم، لأن فيها قولَ الله تبارك وتعالى: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا (الزمر: 73) وفيها أيضاً: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا (الزمر: 77). يتحدّث الله تبارك وتعالى في هذه السورة إلى المؤمنين، ثمّ يتحدّث القرآن، بلسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إلى العالمين، حيث يبيّن الله تعالى حال الكافرين وحال المؤمنين في الدنيا والآخرة.

الآية الأولى تقول: ﴿يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ. الخطاب للذين آمنوا بأن يتّقوا الله. ومعنى أن يتّقي الإنسان الله هو أن يجعل بينه وبين الله ما يحجب عنه سخطه، حيث لا تتحمّل الأرض ولا السماء سخط الله، وأن يجعل بينه وبين النار واقياً، حتّى لا يكون وقوداً لها يوم الدين.

أيّها الناس، يُمنِّي الخاطئون أنفسهم بالأمانيّ الكثيرة، ويتصورون أنّ لهم في الآخرة مستقبلاً حسناً وكريماً. هؤلاء تحدّث الله عن نماذج منهم في الكتاب الكريم: ﴿وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا (الكهف: 36). فهذه الآية تصوّر حال الإنسان الذي ما إن يفعل فعلاً حسناً، [حتى] يظن أنّه إذا انقلب إلى ربه سيجدنَّ منقلبه حسناً، هنيئاً. مشكلة الرضا عن النفس هي مشكلةٌ كبيرة عند كثير من الناس، مع أنّ المنهج الإيمانيّ يخالف هذه الرؤية، كما علّمنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وآل بيته عليهم السلام.

* المنهج الإيمانيّ
هذا المنهج الإيماني بيّنه لنا الإمام زين العابدين عليه السلام في دعائه "مكارم الأخلاق"؛ إذ يطلب فيه من ربه، أن يجعله يستكثر الشرّ من نفسه وإنْ قلّ، ويستقلّ الخير منها وإن كثر. المنهج الإيمانيّ يقول: كلّما صنعتَ صالحاً، اعتبر أنّ هذا الصالح قليل، وهو فعلاً قليل إذا ما أردنا أن نحسب الأمور بطريقة علميّة ودقيقة. كلّ شيءٍ في جنب نعم الله قليل... على كلّ حال، الله تبارك وتعالى إنّما يثيب الناس برحمته؛ لأنّ الله يريد بالطاعة أن يميّز الخبيث من الطيب، فيثيب الطيب رحمةً منه، وإلّا فلا يوجد أحد يستحقّ على الله شيئاً أبداً. هذه بديهيّة من بديهيّات الثقافة الإسلاميّة.

إذاً، المنهـــج الإيــمانـــيّ هو منهــجٌ يـدفع الإنــسان إلى الاستــزادة من الخيــر، وهذا الـذي يقـــي من السخط، ويقي من النار. أمّا أولئك الذين يستكثرون الخير من أنفسهم وإن قلّ، هؤلاء حقيقةً يعيشون في الوهم.

يأمر الله الرسولَ صلى الله عليه وآله وسلم بأن يدعو العباد المؤمنين إلى التقوى، والتقوى تكون بالعمل وبطاعة الله طاعةً كاملة، وبأن يخلص المرء وجهه، وقلبه وكيانه لله عزّ وجلّ.

* حقيقة هامة في القرآن
ثم يبين القرآن حقيقة هامة في قاعدتين:
- القاعدة الأولى: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ (الزمر: 10). بعض الناس يظن أنّ الثواب مؤجلٌ إلى يوم الدين، وأنّ العقاب مؤجّل إلى يوم الدين. الحقيقة ليست هكذا؛ بل إن الله يثيب في الدنيا ويعاقب في الدنيا، لكن يوم الدين يكون قمّة العقاب، ويكون قمّة الثواب؛ لذلك نرى الآية تقول: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ. الله تبارك وتعالى لا يؤجل الحسنات كلّها، ولكن قد يؤجّل بعضها لعباده من أجل أن تربو وتكبر.

- القاعدة الثانية: ﴿وَأَرْضُ اللهِ وَاسِعَةٌ (الزمر: 10). بعض الناس قد تكون التقوى بالنسبة إليهم مُكلفة، كما حصل مع الأنبياء وكثيرين قبلنا، فماذا يفعل هذا الذي يضيِّق عليه الشيطان في دينه، أو الذي يضيِّق عليه أولياء الشيطان في دينه؟ يقول الله تعالى: ﴿وَأَرْضُ اللهِ وَاسِعَةٌ؛ فإذا ضيّق عليك الشيطان وأولياؤه في مكان فاختر مكاناً آخر. ثم يضيف سبحانه: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ، فيدخلون الجنّة بغير حساب.

* الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومحاورة المشركين
ثم يقول الله تعالى للرسول صلى الله عليه وآله وسلم: قل لهم يا رسول الله إني أُمرت أن أعبد الله مخلصاً له الدين ﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (الزمر: 11)، فلا أشرك به أحداً في الطاعة، وأمرت بأن أكون أول المسلمين. هكذا أمرني الله. هنا، يُعلّم الله الرسولَ صلى الله عليه وآله وسلم كيف يحاور المشركين، بأن يقول لهم: أولاً، عندي أمر إلهيّ بأن أعبد الله وحده. وثانياً، أمرت أن أكون مسلماً، يعني اختار لي ربي اسمَ ديني وليس كما فعل الفرنسيون عندما اختاروا أن يسمُّونا محمّديّين. وأُمرت أن أكون أوّل المسلمين.

* الطاغوت عدوّ الله
﴿وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللهِ(الزمر: 17). الطاغوت هو كلّ تشريع مخالف لما أَمَرَ الله الذي هو خالقي ورازقي به؛ فأن تحرّم عليّ ما أحلّ الله لي أو تحلّل ما حرّم الله عليّ فهذا عدوان على الله، وهو طاغوت...
أما الذين أنابوا إلى الله و﴿اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللهِ فلهم البشرى، ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ، أيَّ عبادك الذين أبشرهم؟ ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ (الزمر: 18)؛ أي الذين يستمعون القول فيفكّرون فيه فيتّبعون أحسنه.

* أولو الألباب
﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الألْبَاب (الزمر: 18). الذين يتّبعون أحسن القول هم الذين يستأهلون أن يُقال عنهم إنّهم "عاقلون"، وإنهم "أولو الألباب". وهذه الآية طبعاً هي لكل العصور. صحيح أنها آية نزلت بمناسبة، لكنها تصلح لأيامنا أيضاً؛ إذ المسائل تتحرّك في أصل واحد. وهناك سؤال قديم جداً، عن سبب الصراع في الدنيا وعن سبب الصراع في التاريخ واختلف الناس في الجواب، فالفلاسفة والمفكّرون وغيرهم جهدوا في معرفة السبب فقالوا: العامل الاقتصاديّ، وقال آخرون: عامل حبّ البقاء... إلخ.

ونحن كمسلمين لنا فهمُنا أيضاً، فنرى أنّ حركة التاريخ تدور حول النبوّات: محور النبوات بدأ مع آدم عليه السلام، واستمرّ مع الأنبياء، إبراهيم، ونوح، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، ويوسف، وموسى، وعيسى عليهم السلام، ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم، وهو مستمرّ إلى يوم الدين. وفي مقابل حركة النبوات، يوجد الطواغيت وأولياء الشيطان، هم يحاولون دائماً أن يستمرّوا في نهجهم ويصابون دوماً بنكسة تلو النكسة، وبهزيمة تلو الهزيمة، إلّا أنّ الشيطان يمنّيهم مرةً أخرى بأن يواجهوا إرادة الله فيعودون إلى المواجهة. لذلك نعتبر أنّ الصراع القائم في الدنيا محوره الأساس هو الصراع بين حركة "النبوات" ضد الكفر. أيضاً الكفر نفسه يواجه صراعاً مع نفسه، لأنّه يثمر عدم الاستقرار، وعدم الوحدة، والتمزّق، والانحطاط؛ لذلك هو يتصارع مع نفسه. لكن تبقى حركة الصراع الأولى هي حركة الإسلام ضد الكفر.

في بعض الأحيان يُلبس أعداء الدين حربهم عناوين كثيرة، فتارةً يشنّون حرباً باسم الإحياء، وتارةً باسم التحرير، تحرير الشعوب..

ولمدة طويلة أيضاً سمّيت حركة إبادة الإسلام باسم مضلّل هو الاستعمار، واعتبروا هم أنّ الاستعمار يعني إعمار بلادنا التي هي خراب!! وهم من يريد أن يعمّر! هذه التسميات قد سقطت. نحن سنحارب التخلّف والرجعيّة وسنقف في وجه الذين يريدون العودة بالناس إلى الجاهلية الأولى. فالإسلام وقف في الساحة بالمرصاد؛ كاشفاً الأعداء؛ معلناً أنّه سيحارب وسيقطع الأيدي التي تمتدّ إلى الشعوب المستضعفة، التي تريد [هذه الأيدي] أن تسلب منها خيراتها، وقرارها، وحريّتها. المعركة الآن، باتت صريحة على الإسلام... وكلّهم لديهم خوف من الإسلام. ممّا يخافون؟

هؤلاء يخافون من الإسلام على عدوانهم، فالإسلام لا يضرّ غير المعتدين، لأنّ الإسلام رحمةٌ للعالمين. والله تعالى بعث محمداً صلى الله عليه وآله وسلم رحمةً للعالمين، وليس رحمةً للمسلمين فقط.


(*) خطبة ألقاها الشيخ قدس سره في تاريخ: 3/2/1984م.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع