نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

نور روح الله: رفع الموانع والحجب بين المستفيد والقرآن



من اللازم على المتعلم والمستفيد من كتاب الله أن يجري أدباً من الآداب المهمة حتى تحصل الاستفادة وهو رفع موانع الاستفادة، وهو رفع موانع الاستفادة، وقد عبّر عنها الإمام الخميني قدس سره بالحجب بين المستفيد والقرآن، وهذه الحجب كثيرة أشار قدس سره إلى بعضها:

* حجاب رؤية النفس:
فيرى المتعلم نفسه بواسطة هذا الحجاب مستغنية أو غير محتاجة للاستفادة وهذا من المكائد الأصيلة المهمة للشيطان حيث أنه يزيّن للإنسان دائماً الكمالات الموهومة ويرضي الإنسان ويقنعه بما فيه ويسقط من عينه كل شيء سوى ما عنده، مثلاً يقنّع أهل التجويد بذاك العلم الجزئي ويزيّنه في أعينهم إلى حدّ يسقط سائر العلوم عن أعينهم ويطبّق في نظرهم حملة القرآن عليهم ويحرمهم من فهم الكتاب النوراني الإلهي والاستفادة منه، ويرضي أصحاب الأدب بتلك الصورة بلا لبّ ويمثّل جميع شؤون القرآن فيما هو عندهم، ويشغل أهل التفاسير المتعارفة بوجوه القراءات والآراء المختلفة لأرباب اللغة ووقت النزول وشأن النزول وكون الآيات مكية أو مدنية وتعدادها وتعداد الحروف وأمثال تلك الأمور. ويقنع أهل العلوم أيضاً بعلم فنون الدلالات فقط ووجوه الاحتجاجات وأمثالها حتى أنه يحبس الفيلسوف والحكيم والعارف الاصطلاحي في الغليظ من حجاب الاصطلاحات والمفاهيم وأمثال ذلك.

فعلى المستفيد أن يخرق جميع الحجب هذه وينظر إلى القرآن من ورائها، ولا يتوقف في شيء من هذه الحجب ولا يتأخر عن قافلة السالكين ولا يحرم من الدعوات الحلوة الإلهية، ويستفاد عدم الوقوف وعدم القناعة إلى حدّ معين من نفس القرآن.

* حجاب الآراء الفاسدة والمسالك والمذاهب الباطلة:
وهذا قد يكون من سوء استعداد الشخص والأغلب أنه يوجد من التبعية والتقليد. وهذا من الحجب التي حجبتنا بالأخص عن معارف بالأخص عن معارف القرآن مثلاً إذا رسخ في قلوبنا اعتقاد بمجرّد الاستماع من الأب أو الأم أو من بعض جهلة أهل المنبر تكون هذه العقيدة حاجبة بيننا وبين الآيات الشريفة الإلهية. فإن وردت آلاف من الآيات والروايات تخالف تلك العقيدة، فإما أن نصرفها عن ظاهرها أو أن لا ننظر فيها نظر الفهم، والأمثال لذلك فيما يرجع إلى العقائد والمعارف كثيرة، أشير إلى واحد منها. قد وردت الآيات الكثيرة الراجعة إلى لقاء الله ومعرفة الله، ووردت روايات كثيرة في هذا الموضوع في الأدعية والمناجاة للأئمة عليهم السلام. فبمجرّد ما نشأت عقيدة في هذا الميدان من العوام وانتشرت بأن طريق معرفة الله مسدود بالكلّية فيقيسون باب معرفة الله ومشاهدة جماله على باب التفكر في الذات على الوجه الممنوع بل الممتنع، فإمّا أن يؤوّلوا ويوجّهوا تلك الآيات والروايات، وكذلك الإشارات والكنايات والصراحات في أدعية الأئمة عليهم السلام ومناجاتهم، وإمّا ألاّ يدخلوا في هذا الميدان أصلاً ولا يعرّفوا أنفسهم بالمعارف التي هي قرّة العين للأنبياء والأولياء، فممّا يوجب الأسف الشديد لأهل الله أن باباً من المعرفة الذي يمكن أن يقال أنه غاية بعثة الأنبياء عليهم السلام ومنتهى مطلوب الأولياء قد سدّوه على الناس بحيث يعدّ التفوّه به محض الكفر وصرف الزندقة إنّ هؤلاء يرون معارف الأنبياء والأولياء في ما يختص بذات الحق تعالى وأسمائه وصفاته مساوية لمعارف العوام والنساء فيه، بل يظهر من هؤلاء أحياناً ما هو أعظم من ذلك فيقول أحدهم: إن لفلان عقائد عامية حسنة فيا ليت لنا مثلما له من العقيدة العامية..

وهذا الكلام منه صحيح لأن هذا المسكين الذي يتفوّه بهذا الكلام قد أخرج من يده العقائد العامية ويرى معارف الخواص وأهل الله باطلة، فهذا التمنّي منه عيناً كتمني الكفار. وقد نقل عنهم في الكريمة الإلهية ﴿وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا(النبأ/40). ونحن إن أردنا أن نذكر الآيات والأخبار في لقاء الله بتفاصيلها حتى تتضح فضاحة هذه العقيدة الفاسدة الناشئة عن الجهل والغرور الشيطاني، فيستلزم ذلك كتاباً على حدة فضلاً من أن نذكر المعارف التي وقعت وراء ستر النسيان بواسطة هذا الحجاب الغليظ حتى يعلم أنه أحد مراتب المهجورية من القرآن. ومهجورية القرآن ولعلّ الأسف عليها أشدّ هو هذه كما يقول تعالى في الكريمة الشريفة: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا (الفرقان/30).

الاعتقاد بأنه ليس لأحد حق الاستفادة من القرآن الشريف إلا بما كتبه المفسّرون أو فهموه:
وقد اشتبه على الناس التفكر والتدبّر في الآيات الشريفة بالتفسير بالرأي الممنوع، وبواسطة هذا الرأي الفاسد والعقيدة الباطلة جعلوا القرآن عارياً من جميع فنون الاستفادة واتخذوه مهجوراً بالكلية في حال أن الاستفادات الأخلاقية والإيمانية والعرفانية لا ربط لها بالتفسير، فكيف بالتفسير بالرأي، فمثلاً إذا استفاد أحد من كيفية مذاكرات موسى عليه السلام مع الخضر عليه السلام وكيفية معاشرتهما وشد موسى عليه السلام رحاله إليه مع ما له من عظمة مقام النبوّة لأخذ العلم الذي ليس موجوداً عنده وكيفية عرض حاجته إلى الخضر كما ذكرت في الكريمة الشريفة: ﴿هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا(الكهف/66).

ئوكيفية جواب الخضر والاعتذارات التي وقعت من موسى عظمة مقام العلم وآداب سلوك المتعلم، مع المعلّم ولعلها تبلغ من الآيات المذكورة إلى عشرين أدباً فأي ربط لهذه الاستفادات بالتفسير فضلاً من أن تكون تفسيراً بالرأي والاستفادة من هذا القبيل في القرآن كثيرة، ففي المعارف مثلاً إذا استفاد أحد من قوله تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (الفاتحة/1) الذي حصر جميع المحامد لله، وخصّ جميع الأثنية للحق تعالى التوحيد الأفعالي وقال بأنه يستفاد من الآية الشريفة أن كل كمال وجمال وكلّ عزّة وجلال الموجودة في العالم وتنسبها العين الحولاء والقلب المحجوب إلى الموجودات من الحق تعالى وليس لموجود من قبل نفسه شيء، ولذا المحمدة والثناء خاص بالحق ولا يشاركه فيها أحد، فأيّ ربط لهذا إلى التفسير حتى يسمّى بالتفسير بالرأي أو لا يسمى؟ إلى غير ذلك من الأمور التي تستفاد من لوازم الكلام ولا ربط لها بوجه إلى التفسير، مضافاً إلى أن في التفسير بالرأي أيضاً كلام لعلّه غير مربوط بآيات المعارف والعلوم العقلية التي توافق الموازين البرهانية وبالآيات الأخلاقية التي فيها للعقل دخل، لأن التفاسير التي من هذا القبيل مطابقة للبرهان المتين العقلي أو الاعتبارات العقلية الواضحة، فإذا كان ظاهر الكلام على خلافها فاللازم أن يصرف الكلام من ظاهره، مثلاً في كريمة ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ (الفجر/22)، و﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى(طه/5). التي يكون الفهم العرفي فيها مخالفاً للبرهان ليس تفسيراً بالرأي ولا يكون ممنوعاً بوجه فمن المحتمل بل من المظنون أن التفسير بالرأي راجع إلى آيات الأحكام التي تقصر عنها أيدي الآراء والعقول، ولا بد وأن تؤخذ بصرف التعبّد والانقياد من خزّان الوحي ومهابط ملائكة الله.

* حجاب المعاصي:
الكدورات الحاصلة من الطغيان والعصيان بالنسبة إلى ساحة رب العالمين المقدسة، فتحجب القلب عن إدراك الحقائق. وليعلم كما أن لكل عمل من الأعمال الصالحة أو السيئة كما أن له صورة في عالم الملكوت تتناسب معه فله صورة أيضاً في ملكوت النفسن فتحصل بواسطتها في ملكوت النفس: أمّا النورانية ويكون القلب مطهّراً ومنوّراً وفي هذه الحالة تكون النفس كالمرآة المصقولة صافية، ويليق للتجليات الغيبية وظهور الحقائق والمعارف فيه، وأما أن يصير ملكوت النفس به ظلمانية وخبيثة، وفي هذه الصورة يكون القلب كالمرآة المريّنة والمدنّسة لا تنعكس فيها المعارف الإلهية ولا الحقائق الغيبية، وحيث أن القلب في هذه الحالة يقع بالتدريج تحت سلطة الشيطان ويكون المتصرف في مملكة الروح إبليس فيقع السمع والبصر وسائر القوى أيضاً في تصرف ذاك الخبيث، وينسد السمع بالكلية عن المعارف والمواعظ الإلهية، ولا ترى العين الآيات الباهرة الإلهية وتعمي عن الحق وآثاره وآياته ولا يتفقّه القلب في الدين ويحرم من التفكر في الآيات والبيّنات وتذكر الحق والأسماء والصفات (المقصود بها عين الذات وليست الأعراض الزائدة على الذات)، كما قال الحق تعالى ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ (الأعراف/179). فيكون نظرهم إلى العالم كنظر الأنعام والحيوانات الخالية عن الاعتبار والتدبّر، وقلوبهم كقلوب الحيوانات لا نصيب لها من التفكر والتذكّر، بل تكون حالة الغفلة والاستكبار تزداد فيهم يوماً فيوم من النظر في الآيات واستماع المواعظ، فهم أرذل وأضلّ من الحيوان.

* حجاب حب الدنيا:
من الحجب الغليظة التي هي ستر صفيق بيننا وبين معارف القرآن ومواعظه: حجاب حبّ الدنيا، فيصرف القلب بواسطته تمام همّته في الدنيا وتكون وجهة القلب تماماً إلى الدنيا ويغفل القلب بواسطة هذه المحبة عن ذكر الله، ويعرض عن الذكر والمذكور، وكلما ازدادت العلاقة بالدنيا وأوضاعها ازداد حجاب القلب وساتره ضخامة، وربما تغلب هذه العلاقة على القلب ويتسلّط سلطان حب الجاه والشرف على القلب بحيث يطفئ نور فطرة الله بالكلّية وتغلق أبواب السعادة على الإنسان، ولعل المراد من أقفال القلوب المذكورة في الآية الشريفة ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا(محمد/24). هذه الأقفال وأغلال العلائق الدنيوية، ومن أراد أن يستفيد من القرآن ويأخذ نصيبه من المواعظ الإلهية لا بدّ وأن يطهّر القلب من هذه الأرجاس، ويزيل لوث المعاصي القلبية وهي الاشتغال بالغير عن القلب لأن غير المطهّر ليس محرماً لهذه الأسرار قال تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (الواقعة: 78). فكما أن غير المطهّر الظاهري ممنوع عن ظاهر هذا الكتاب ومسّه في العالم الظاهر تشريعاً وتكليفاً، كذلك ممنوع من معارفه ومواعظه وباطنه وسرّه من كان قلبه متلوثاً بأرجاس التعلّقات الدنيوية، وقال تعالى: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (البقرة/2)، إلى آخر الآية. نختتم بذكر آية شريفة إلهية تكفي لأهل اليقظة بشرط التدبّر، قال تبارك وتعالى: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (المائدة/16).

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع