أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى 

مجتمع: ماذا يحتاج المسنّون؟


فاطمة نصر الله(*)


انتشر مقطع الفيديو الذي يصوّر والداً كهلاً، يقوم بتكرار سؤال لابنه الشاب عن عصفور أمامه في الحديقة، فيما يتذمّر الابن من تكرار السؤال، لنعرف لاحقاً أنّ هدف الأب كان إرسال رسالة غير مباشرة لابنه ليُعْلِمه من خلالها بتغيّرات تطرأ عليه مع تقدّمه في السنّ، لكي يتفهّم حالته ويعامله على هذا الأساس. فما هي هذه التغيّرات؟
وكيف يمكن التعامل مع كبار السنّ لتبديد مخاوفهم في أمّةٍ معنيَّة بالبرّ بالوالدين؟


كبير السنّ في بيئاتنا المحليّة، ولا سيّما المحافظة منها، يُعتبر مصدراً للبركة والخير. وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما أكرم شابٌّ شيخاً من أجل سنّه إلّا قيّض الله له عند كِبَر سنّه من يُكرمه"(1).

إنّ التعاطي مع كبار السنّ يستوجب على المهتمّين، الالتفات إلى العديد من الخصائص والمواصفات التي تختصّ بمرحلتهم العمريّة، والتي لو تمَّ التعاطي معهم على أساسها، لوفّرت الكثير من المتاعب التي قد تنشأ عن سوء فهم خصائص هذه المرحلة، التي تبدأ عادةً بعد تجاوز عمر الستين عامّاً، مع ملاحظة أنّ مرحلة الشيخوخة نسبيّة، فقد تبدأ متأخّرةً بعد السبعين أو أكثر بحسب صحّة الإنسان ونظامه الغذائيّ والرياضيّ، ونشاطه الفكريّ. أمّا أهمّ التغيّرات، فيمكننا تقسيمها كالآتي:

أولاً: التغيّرات التي تطرأ على المسنّين

1- التغيّر في الشكل العام للجسمّ:

ويتمظهر من خلال هبوط في الوزن، وتساقط الشعر وتغيّر لونه فيصبح أبيض، جفاف الجلد، رعشة اليدين، تورّم القدمين، انحناء القامة، وغيرها...

2- التغيّرات الجسميّة الداخليّة:

أ- تغيّر السعة الهوائيّة للرئتين: حيث تنقص بنسبة 25 % عمّا كانت عليه في سنّ الرشد.
ب- تغيّر قوة دفع الدم حيث تتناقص بشكل ملحوظ.
ج- التغيّرات في الجهاز الهضمي، في وظائف الكلى، والكبد، والجهاز العصبيّ... إلخ.

3- التغيّر في الحواس:

أ- ضعف في قوّة البصر، في قوّة السمع، ضعف في التذوّق. كما يقلّ إحساس الكبار بالمادّة السكريّة.
ب- ضعف في اللّمس: يضعف إحساس الجلد مع التقدم في العمر ويصبح تكيّف الجسم مع درجات الحرارة الباردة والساخنة بطيئاً وضعيفاً.
هذا, وقد يفقد الصوت جزءاً كبيراً من حرارته فيصبح مرتعشاً متقطعاً، ويؤثّر هذا التغيّر على مخارج الحروف.

4- التغيّر في الأداء الحركيّ:

تضمر العضلات في مرحلة الشيخوخة ومع التقدّم في العمر، وتقلّ مرونتها بسبب التغيّرات الفسيولوجيّة والعضويّة في الخلايا.
كما يصاب المسنّ بأمراض عديدة ناتجة عن التقدّم في السنّ، مضافاً إلى عوامل أخرى (وراثيّة، بيئيّة).

5- التغيّر الانفعاليّ:

أ- اللامبالاة بالذات: نجد اهتزازاً لدى المسنّ بإزاء قيمة تقديره لذاته، ذلك لأنه غالباً ما يكون قد فَقَدَ الكثير من أهدافه، وبالتالي لم تعد تشكّل مركز اهتمام بالنسبة إليه. أضف إلى ذلك، أن المسنّ لا يجدّد أهدافه، لأنّ الواقع الاجتماعيّ من حوله يوحي له بأنه لا فائدة من تجديد الأهداف، حيث إنّ فترة الحياة الباقية قصيرة، ومن هنا يبدو على المسنّ الضعف والذبول وفتور الهمّة.

ب- أهمّ مخاوف المسنّين:
الخوف من الشيخوخة، من الموت، من المرض وتدهور الصحّة، من الوحدة والعزلة، الإحساس بعدم رغبة الآخرين بهم، الخوف من التقاعد، الخوف من فقدان المكانة الاجتماعيّة والعَوَز الاقتصاديّ، عدم القدرة على الشعور بالسعادة.

ج- التعصّب:
يزداد التعصّب تبعاً لزيادة السنّ، ويتعصّب الشيوخ لآرائهم ولماضيهم. وهكذا يبدو الحنين إلى الماضي في صورته النفسيّة الصحيحة، لأنّه يمثّل الحنين إلى القوّة والشباب والسرعة والمكانة وغيرها...

د- قدرة التكيّف: يتصل التغيّر الانفعاليّ في الشيخوخة بمدى نجاح الفرد أو إخفاقه في عمليات التكيّف التي تفرضها عليه بيئته المتطورة وحياته المتغيرة.

هـ- انفعالات الطفولة:
يمكن تلخيص أهمّها حين تعود إلى الظهور مرّة أخرى في الشيخوخة إلى النواحي التالية:
- انفعالات المسنّين ذاتيّة المركز تدور حول أنفسهم أكثر ممّا تدور حول غيرهم.
- لا يتحكّم الشيوخ تحكّماً صحيحاً في انفعالاتهم، شأنهم في ذلك شأن الأطفال الصغار.
- تتميَّز انفعالات المسنّين بالعناد وصلابة الرأي، وعندما يدركون خطأهم فإنهم غالباً ما يصرّون على عنادهم.
- بالرغم من عنادهم وغضبهم فهم أكثر قابليّة للاستهواء من غيرهم.
- يميل المسنّون إلى المديح والإطراء والتشجيع.

ثانياً: العوامل المؤثّرة في توافق المسنّ اجتماعيّاً
لكي يتمكّن من يتقدَّم في السنّ من أن يتوافق اجتماعيّاً بطريقة ناجحة، لا بدَّ من ملاحظة الأمور التالية:

1- الأنشطة والعلاقات الاجتماعيّة: يكون الأفراد المتوافقون مع التقدّم في السنّ أكثر نشاطاً اجتماعيّاً من الذين يفشلون في توافقهم، حيث يزداد في الشيخوخة اهتمام الفرد بنفسه كلّما تقدَّمت به السنّ. ويصبح في كثير من الأحيان نرجسيّاً، وكأنه بهذا السلوك يحافظ على حياته من مضايقات العالم الخارجيّ المحيط به.

2- مدى الإحساس بعقدة الشيخوخة: يشير مصطلح عقدة الشيخوخة إلى توهّم العجز ويُكشف عنه من خلال اهتمام المسنّ غير المبرَّر وانشغاله الزائد بالقيود والمعوّقات الجسميّة والعقليّة ما يحمله على الانعزال، كما يؤدّي إلى مخاوف: فقدان مركزه في الجماعة، حالته الصحيّة، وضعه الماديّ، كما تزداد لديه حرارة الوحدة كلما انفضَّ من حوله أولاده وأهله.

3- تقبّل الذات لدى المسنين: إنّ اتّجاهات المسنين نحو ذواتهم تتضمّن مشاعر سلبيّة بالقيمة الذاتيّة. إنّهم يتميَّزون بقلق زائد بشأن صحّتهم الجسميّة ويميلون إلى الشكوى من ضعف الصحّة عامّة، ويهدفون إلى كسب العطف والشفقة من جانب الآخرين وعلى الأخصّ أفراد أسرتهم الذين يعتقدون أنهم يهملونهم.

4- علاقة المسنّ بالأسرة: من الطبيعي أن يشعر المسنّ بالوحدة في حال تركه أولاده وحين يجد نفسه وحيداً في المنزل (أو في دور الرعاية). وبشكل عام يعاني المسنّ من مشكلة الإحساس بالفراغ حتى أحياناً من الأصدقاء، ممّا يؤدّي إلى تدهور حالته الصحيّة والنفسيّة.

ثالثاً: أهمّ حاجات المسنّين
1- الحاجة إلى الانتماء والشعور بالأمان: خاصّة بعد الضعف والإحساس باقتراب الموت وموت الرفاق وابتعاد الأولاد والأهل.
2- الحاجة إلى التقدير، والتقبّل والمركز الاجتماعيّ: فالمسنّ محتاج إلى أن يشعر بأهميّته وتقدير الناس له، خاصّة من الأبناء والأحفاد، وبتقديره لنفسه حين يقارنها بغيره.
3- الحاجة إلى الكفاءة، والقدرة وتقدير الذات: كثيراً ما ينخرط المسنّ في أنشطة العمل، وذلك لحاجته إلى الإحساس بالنجاح، وليثبت أنه قادر وقويّ ويمكنه الإنجاز.
4- الحاجة إلى الرعاية الصحيّة.
5- الحاجة إلى الأمن الاقتصاديّ والمردود الماليّ.
6- الحاجة إلى الاندماج في النشاط الترويحيّ: لملء وقت الفراغ، وبالأخصّ بعد التقاعد، ممّا يقتضي تنمية اهتمامات ومهارات جديدة، وأنشطة روحيّة تسعد حياته وتخرجه من عزلته والتفكير في ماضيه.

وفي العدد القادم نعرض كيفيّة التعامل مع كبار السنّ.


(*) ماجستير في الإدارة التربوية.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع

احسنتم كثيرا

طهر فؤادك الموسوي

2016-03-15 11:23:02

احسنتم كثيرا لما جادت به عطر اناملكم المباركة ، فياليت ان تخوضو في موضوع :ضرورة تعليم الأولاد والصغار وتدربيهم على رعاية الوالدين حتى تنموا الإسرة على هذا النوع من الرعاية لكبار السن.