مع الإمام الخامنئي | لا تنبهروا بقوّة العدوّ* نور روح الله | لو اجتمع المسلمون في وجه الصهاينة* كيف تكون البيعة للإمام عند ظهـوره؟* أخلاقنا | كونوا مع الصادقين* الشهيد على طريق القدس عبّاس حسين ضاهر تسابيح جراح | إصابتان لن تكسرا إرادتي(1) على طريق القدس | «اقرأ وتصدّق» مشهد المعصومة عليها السلام قلبُ قـمّ النابض مجتمع | حقيبتي أثقل منّي صحة وحياة | لكي لا يرعبهم جدار الصوت

قصة: مفتاح البيت بيدك

الشيخ محمّد باقر كجك

قال لي: "هذا هو اليوم السّابع بعد الألف الذي أدخل فيه إلى منزلي، وأخرج منه، وقلبي جمرة من الغضب.. أنت صديق الطفولة، وتعرفني. لطالما قلت لي تزوّج، تزوّج! (إذا تزوّج الرجل أحرز نصف دينه، فليتَّق الله في النِّصف الآخر)1! هذا كان حديثك معي دوماً.. حسناً، تزوَّجتُ، والآن أنا لا أتّقي الله في النصف الثاني، وأخاف على النصف الأول!".

*القصة ليست معقّدة

شرب ما تبقّى من الشَّاي، وأكمل تدخين النّرجيلة، وهو ينظر إلى المدى البعيد، ليس بعيداً جداً، إلى آخر ما تصل إليه عينه في منطقة بئر العبد.

القصة ليست معقّدة، والعيش في لبنان، كلّه مثل بعضه، "أنت لست حالةً فريدةً يا صديقي. أعرفُ أنّ ضغط الحياة المعيشية الباهظة، في بلدٍ يقضي فيه الإنسان جلَّ وقته من أجل تحصيل أوَّليات الحياة، لهو أمرٌ مرهقٌ".

"أتعرف شيئاً؟ تعلّقك بهذه النّرجيلة، يفشي إليَّ بالكثير من الأسرار. لا أحتاجُ أنْ تكلِّمني كثيراً، أصلاً أنت لا تعرف أنْ تعبّر عن مشكلتك بشكلٍ واضح. بل، غالباً ما تغطِّي الأسباب الحقيقيّة بأسبابٍ واهية. وأنت رجلٌ شرقي يا صديقي، أنت لا تخطئ أبداً".

*بابُ ألف طريق للفشل

"نحن نغيب عن بيوتنا كثيراً، أنت تعلم، أنا أغيب خمسة أيام، وأعود ليومين أو ثلاثة. وأنت تغيب من الصباح إلى المساء. الغياب مشكلة. صحيح؟" سألني صديقي. وقلت في نفسي: "هذا أسلوب من يريد رمي التهمة على أي شيء".

عندما تعود من عملك الهامّ جداً، الضروري، كالماء والهواء، تعود مرهقاً متعباً، في رأسك وجه مديرك المتجهّم، أو زميلك الحسود، أو فرصةٌ ضائعة، أو أفقٌ مغلقٌ، وغلاء المعيشة، وإيجار الشقة، وأقساط المدرسة... إلخ.

تعرف كيف سيكون دخولك المنزل، ورأسك يغلي بهذه الأفكار؟ "مشروع مشكل". وزوجتك؛ ستنظر إليها على أساس أنَّها أحد الأعباء، وأطفالك كذلك، المنزل سيغدو بؤرةَ عبءٍ إضافي. ستهربُ... ستهربُ من دون وعي. ستنظرُ إلى قدميك يأخذانك إلى المقهى، إلى أصدقائك الهاربين مثلكَ أيضاً. المقهى مكانٌ للقاء الأصدقاء القدامى وتجاذب أطراف الحديث، مرَّةً في الأسبوع. وبيني وبينك، هل تثمر هذه السهرات شيئاً مهمّاً جداً لك ولزوجتك ولأولادك؟

ستشعر أيضاً أنّ وقت السهرة يمرُّ بسرعة، ويحزنك هذا أيضاً لأنَّك ستعود إلى المنزل مجدّداً، ذلك المنزل الكئيب البارد، وزوجتك الغاضبة التي لا تسكت.

صديقي، باب بيتك؛ إن بقيت هكذا، سيفتح على ألف طريق للفشل.. ستفشل يا صديقي.

*مفتاح الباب

قال لي: "المفتاح هو زوجتي. هي مفتاح كلِّ شيء. أنا أتحمَّلُ عبء هموم الحياة، وأما هي فلا أجد سوى أنَّها تزيدني همّاً". وقلت له: "تعرف مفتاح قلب الأسرة؟ المودّة، الحبّ2. والرجال قوَّامون على النَّساء. قوَّامون في كلّ شؤون الأسرة. والحب شأنٌ ليس بعده شأن. الحبُّ طاقةٌ محرِّكة. الحبُّ دواءٌ سحريّ يشفي كلَّ شيء. من قال إنَّ قلَّة ذات اليد هي الأزمة؟

صديقي، أنت بالنسبة لزوجتك كلُّ شيء! أنت بوابتها للدنيا، لا دنيا لها غيرك. أنت بوابتها للفرح، لا تفرح عندما تكون وحدها. من قال إنَّ زوجتك لا تستطيع أن تؤنسك؟ أن تضحكك؟ أن تجعلك تدخل إلى عالمٍ مليءٍ باللّطف والبهجة والغرابة؟

ستقول لي: زوجتي!! وتنقلبُ على ظهرك ضاحكاً! نعَم، زوجتك. سرُّ بيتك، وأوَّل مشوار حياتك، وحضن أطفالك، ومستودع أمانتك. رأسمالٌ خطير، بكلِّ المقاييس. كن تاجراً! كن عاشقا3.

صديقي، أول ما تدخل المنزل بعد غيبتك، أَشْعِرْ زوجتك بالحضور. وبَعد البُعد، املأها بالقُرب. وبعد البرد، لُفَّها بالدِّفء. ستجد أنَّك أطلقت عنها كلَّ وحشةٍ وغربةٍ وحزنٍ ونكد. فطيرُ الحبّ إذا بقي في القفص وحده يموت، وإذا صار معه قرينٌ عاشا، في القفص نفسه. ليست المشكلة في القفص أبداً.

قل لها أحبّك، بصدقٍ، ألم تسمع؟ بلى سمعت: "قول الرّجل للمرأة: أحبّك، لا يذهب من قلبها أبداً"؟ تعرف معنى لا يذهب؟ يعني طاقة نووية لا تنتهي، يعني قوة جبّارة تحتاج منك التدبير والتّنظيم والتّوجيه!".

*الأسرة معمل الإيمان

قال لي: "وكيف أدير هذه العاطفة؟ العاطفة مثل شارع بئر العبد، ازدحامٌ دائمٌ!".

قلت له: تعال نمشِ في بئر العبد. أتعلم ما المميَّز هنا؟ أنَّك ترى خليطاً من الحركات المتنافرة والمتفاوتة. لا تعلم خلفها ما يوجد. الله؟ لست أدري. وفقدان اليقين هو المشكلة. لو كنا نعلم أنّ وراء كلِّ حركةٍ يمكثُ حبٌّ لله، لكان الازدحام شيئاً محبوباً.

أتعلم؟

عندما تعود من هذا الشارع ستكونُ أنت شبكةً من الحركة وشغل البال، وحصار الدنيا، ومطبّات الشيطان.. ستكون شديداً مثل الضاحية، قوياً مثلها، لابساً ثوب الجلال. وستحتاج للّطف، لشيء يعيدك إلى لحظة الخلق الأولى حينما "أحبَّ" الله أن يُعرف.

والمرأة عنوان اللّطف يا صديقي، سيدة قوى الجمال4، بين يديها "تدوزن" نفسك على قاعدة "العبدُ كلّما ازداد للنساء حبّاً ازداد في الإيمان فضلاً"5!

وأمّا أنت، فأنت الذي عليه أن يخلع تعلُّقه بدنيا أهل الدنيا قبل دخول المنزل، وعليه أن يُحسن توجيه نظر الأسرة لهذه المعاني. وعندما ستخرج إلى المقهى، إلى أصدقائك، ستخرج وزوجتك تعرف أنّك تحتاج للسَّمر مع بعض الأصدقاء، وأنت ستعود بسرعة، لكي ترمي عندها أثقال الدنيا. ستتغيَّر حياتك، ستتغيَّر أنت، وتتغيَّر امرأتك، وتتغيَّر نكهة بيتك6.

المفتاح في يديك يا صديقي.


1-حديث شريف مرويّ عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، مستدرك الوسائل، ج41، ص153.
2-﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لاَيَات لِقَوْم يَتَفَكَّرُونَ(الروم:21).
3-عن الإمام الصادق عليه السلام: "ويل لمن يبدل نعمة الله كفراً، طوبى للمتحابّين في الله". مستدرك الوسائل، ج12، ص360.
4-يستحبّ لها إظهار الجمال أمام زوجها، فعن الإمام عليّ بن الحسين عليهما السلام: ".. إظهار العشق له بالخلابة والهيئة الحسنة لها في عينه". تحف العقول، ص239.
5-الفقيه، ج3، الحديث 4350.
6-في رواية جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إنّ لي زوجة إذا دخلت تلقّتني، وإذا خرجت شيّعتني، وإذا رأتني مهموماً قالت: ما يهمّك، إن كنت تهتم لرزقك فقد تكفّل به غيرك، وإن كنت تهتمّ بأمر آخرتك فزادك الله همّاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: بشّرها بالجنة، وقل لها: "إنّك عاملة من عمّال الله، ولك في كلِّ يوم أجر سبعين شهيداً". مكارم الأخلاق، ص200.

أضيف في: | عدد المشاهدات: