إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد

الإمام المهدي: على ضوء النقل والعقل


 

نحن نفخر بأنّ أئمتنا هم الأئمة المعصومون بدءًا من علي بن أبي طالب عليه 

السلام وختماً بمنقذ البشرية الإمام المهدي صاحب الزمان عليه وعلى آبائه آلاف التحية

والسلام وهو بمشيئة الله القدير حي يراقب الأمور
.

الإمام الخميني قدس سره

 

أثبتنا في الحلقة الماضية أنّ الإمام الفعلي والخليفة الحق بعد الرسول صلّى الله عليه وآله بدون فصل هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وقد اكتفينا بالنزر اليسير من الروايات الشريفة لعدم الحاجة للإسهاب في هذا المقام. ولو شئنا لأطنبنا مسامع القرّاء الكرام بالآيات والروايات المفيدة لهذا الأمر. لكن في الإحالة إلى المصادر الأساسيّة كفاية وأهمّها كما ذكرنا "الغدير" للعلاّمة الأميني و"المراجعات" للسيد شرف الدين.
 

.. لقد تضافرت الروايات الكثيرة لدى الفريقين السنّة والشيعة على كون الخلفاء والأئمة بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله اثني عشر خليفة وإماماً، وأنّه لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً إلى اثني عشر خليفة كلّهم من قريش.

إنّ هذه الأحاديث الشريفة التي اشتهرت عنه صلّى الله عليه وآله بطرق كثيرة تؤكّد أن المراد من الخلفاء أئمة أهل البيت عليهم السلام، فلا يعقل أن يكون المقصود هم الصحابة بعده لأنّهم أقل من ذلك بكثير، ولا بنو أميّة لأنّهم أكثر من ذلك مضافاً إلى ظلمهم وطغيانهم ويكفي أنّ منهم يزيد بن معاوية، وهذا الأمر عينه ينطبق على بني العبّاس أيضاً. فالتفسير الواقعي الوحيد لهذه الأحاديث المتضافرة هو ما تقول به الإمامية الإثنا عشرية من كون الأئمة بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هم عليّ عليه السلام وبنوه الأحد عشر آخرهم الحجّة ابن الحسن المهدي عليه السلام. وخير دليل على ذلك أيضاً حديث الثقلين المتواتر عند السنّة والشيعة

والذي يقول صلّى الله عليه وآله: "إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض".
والشيء الوحيد الذي قد يستغربه البعض هنا هو مسألة الإمام المهدي عليه السلام وطول عمره الشريف، فماذا في جعبتنا حول هذه المسألة في هذه الحلقة؟

* الحقيقة المتفق عليها
لم يحدث أن اتفقت البشرية جمعاء، بمختلف أديانها ومذاهبها حتّى الإلحادية منها، على التطلّع إلى طموح أشبه بالمستحيل وأمل أشبه بالكاذب، اتفاقها على انتظار الغد المشرق والإيمان بأنّ للإنسانية يوماً موعوداً على الأرض تصل فيه المسيرة المكدودة للإنسان على مرّ التاريخ إلى مرحلة الاستقرار والطمأنينة، وتصفى فيه كلّ تلك التناقضات، كما يحلو للمادية الجدلية أن تعبّر، ويسود فيه الوئام والسلام.
 

إنّ اتفاق البشريّة هذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على كون هذا الطموح والأمل باليوم الموعود ليس سوى صياغة لإلهام فطري نابع من صميم أعماق الإنسان ويجري مجرى الدم في عروقه.
وليس الاعتقاد بالإمام المهدي عليه السلام، وهو ما اتفقت عليه الفرق الإسلامية كافة، سوى التجسيد العملي لهذا الطموح البشري الكبير وتحويل هذه الفكرة العظيمة إلى واقع قائم وأمل حاضر ينتظر ولادته باكتمال الظروف التي تسمح له بقطع دابر الظلمة وبسط العدل والوئام والسلام على كلّ ربوع الأرض.
 

وهذا ما وعد الله جلّ جلاله المؤمنين بقوله عزّ من قائل: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون "النور/55".
وقال سبحانه: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُون "الأنبياء/105"، وقد اتفق المسلمون أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال ما مضمونه: لو لم يبقَ من الدنيا إلاّ يوم واحد، لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يخرج رجل من ولدي فيملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً.

* المهدي عليه السلام عند المسلمين
إنّ كلّ من كان له إلمام بالحديث، وبالرجوع إلى الصحاح والمسانيد وكتب الحديث والتاريخ، يقف على تواتر البشارة عن النبي وآله وأصحابه بظهور المهدي عجل الله فرجه الشريف في آخر الزمان لإزالة الظلم والجور والجهل وبسط العدل والأمان ونشر العلم والوعي واستخراج كنوز الأرض وخيراتها وإظهار الدين كلّه ولو كره المشركون. فقد ورد أكثر من ستمائة وخمسين رواية في كتب السنّة والشيعة تبشّر بظهوره، كما ورد زهاء أربعمائة رواية تؤكّد أنّه من أهل البيت، وما يقارب المائة والخمسين رواية أنّه التاسع من ولد الحسين ومثلها أنّه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً. ونظراً لعدم إمكانية استقصائها

جميعاً نكتفي بذكر القليل منها وهاكم بعضها:
1- روى الإمام أحمد في مسنده عن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: لو لم يبقَ من الدهر إلاّ يوم واحد لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملؤها عدلاً كما ملئت ظلماً.

2- أخرج أبو داود عن أم سلمة، رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: المهدي من عترتي من ولد فاطمة.

3- أخرج الترمذي عن ابن مسعود أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي" قال: وقال أبو هريرة: "لو لم يبقَ من الدنيا إلاّ يوم لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يلي".

4- أخرج ابن ماجة في سننه عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: "نحن بني عبد المطلب سادة أهل الجنّة أنا وحمزة وعلي وجعفر والحسن والحسين والمهدي".

5- وفي سنن ابن ماجة أيضاً، قال رسول الله: "إنّا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإنّ أهل بيتي سيلقون بعدي بلاءً شديداً وتطريداً حتّى يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات سود، فيسألون الخير فلا يعطونه فيقاتلون فينتصرون، فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتّى يدفعونها إلى رجل من أهل بيتي فيملأها قسطاً كما ملئت جوراً".

* المهدي عجل الله فرجه الشريف بين السنّة والشيعة

وكما ترى فلا خلاف بين السنّة والشيعة حول مسألة المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشريف، والخلاف إن وجد فهو في ولادته أو عدمها، فالأكثرية من أهل السنّة يقولون بأنّه سيولد في آخر الزمان، أمّا الشيعة فيذهبون إلى أنّه ولد في "سر من رأى" عام 255 ه واختفى بعد وفاة أبيه بأمر من الله عام 260 ه، وهو يحيا حياة طبيعية كسائر الناس، غير أنّ الناس يرونه ولا يعرفونه. وقد وافقهم على ذلك جمع من علماء السنّة

وقالوا بأنّه ولد وأنّه الحجّة ابن الحسن العسكري نذكر هنا بعضاً منهم:
1- كمال الدين محمد بن طلحة بن محمد القرشي الشافعي في كتاب "مطالب السؤال في مناقب آل الرسول".

2- أبو عبد الله محمد بن يوسف بن محمد الكنجي الشافعي في كتابه "البيان في أخبار صاحب الزمان".

3- نور الدين علي بن محمد بن الصبّاغ المالكي في كتابه "الفصول المهمّة في معرفة الأئمة".

4- الفقيه الواعظ شمس الدين أبو المظفّر يوسف البغدادي الحنفي المعروف بالبسط ابن الجوزي في "تذكرة الخواص".

5- محيي الدين ابن العربي الشهير في كتابه "الفتوحات المكيّة".
 

وغيرهم من علماء السنّة ومحقّقيهم، وقد ذكرهم العلاّمة الأمين في الجزء الرابع من "أعيان الشيعة" فمن أراد أن يقف على مكانتهم وعظيم قدرهم فليراجع هناك.
والشخص الوحيد الذي اعتبر أن الأحاديث الواردة في المهدي عجل الله فرجه الشريف ضعيفة ولا يعوّل عليها هو ابن خلدون في مقدّمته، لكن بعض المحقّقين من أهل السنّة فنّد مقالته هذه، منهم محمّد صديق في رسالة أسماها "إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون" وكذلك الدكتور عبد الباقي في كتابه القيّم "بين يدي الساعة" حيث يقول في الصفحة 123:
 

"إنّ المشكلة ليست في حديث أو حديثين أو راوٍ أو راويين، إنّها مجموعة من الأحاديث وأخبار تبلغ الثمانين تقريباً، اجتمع على تناقلها مئات الرواة، وأكثر من صاحب كتاب صحيح.
فلماذا نرد كلّ هذه الكمية؟ أكلّها فاسدة؟

لو صحّ هذا الحكم لانهار الدين – والعياذ بالله – نتيجة تطرّق الشك والظن الفاسد إلى ما عداها من سنّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم".

* تساؤل لا بدّ منه
قد عرفت حتّى الآن أصل الإيمان بظهور المهدي عجل الله فرجه الشريف وأنّه من أهل البيت عليهم السلام ومن ولد فاطمة عليها السلام لا خلاف فيه، وإنّما الخلاف في أنّه هل وُلد أم لا؟ وتؤكّد النصوص المروية عن أهل بيت العصمة عليهم السلام أنّه ولد وأنّه ابن الإمام الحسن العسكري وأنّه غاب عن الأنظار بعد وفاة والده بأمر من الله وسيظهر حين يأذن له بذلك.
 

ثمّ إنّ العلامات المروية في كتب السنّة عن المهدي عليه السلام لا تنطبق إلاّ عليه. يقول كمال الدين محمد بن طلحة بن محمد القرشي الشافعي في كتاب "مطالب المسؤول في مناقب آل الرسول" بعد سرد إسمه ونسبه: "المهدي الحجّة الخلف الصالح المنتظر، فأمّا مولده فبسرّ من رأى، وأمّا نسبه أباً فأبوه الحسن الخالص" ثمّ أورد عدّة أخبار واردة في المهدي من طريق أبي داود، والترمذي، ومسلم، والبخاري وغيرهم وقال: وهذه الأخبار وإن كانت لا تدلّ على أنّه محمّد بن الحسن العسكري، لكن الرسول لمّا وصفه وذكر اسمه ونسبه وجدنا تلك الصفات والعلامات موجودة في محمد بن الحسن العسكري علمنا أنّه هو المهدي".
انتهى كلامه.
 

تبقى الإجابة على سؤال لا بدّ منه وهو: بناء على ولادته سنة 255 هـ يكون عمره الآن أكثر من 1170 سنة، فهل يمكن لإنسان أن يعيش هذا العمر الطويل؟
أما العلم فلا يمانع في ذلك مطلقاً، فاتجاه العلم إنّ هرم الخلايا الحيّة وموتها نتيجة صراع مع عوامل خارجيّة كالميكروبات أو نتيجة تناول غذاء مكثّف أو القيام بعمل مجهد وأمثال ذلك، ولذلك فلو استطاع الإنسان أن يعزل نفسه عن مثل هذه العوامل فإنّه سيظفر بحياة أطول.
 

ثمّ لنفرض أنّ موت هذه الخلايا خاضع لقانون طبيعي يقضي بأنّ لها حياة محدودة لا تزيد عليها مهما تحسّنت الظروف الخارجية، لكن لا مانع عقلاً أنّ الله سبحانه وتعالى يخرق هذا القانون الطبيعي لحفظ حجته في الأرض كما فعل بالكثير من أنبيائه ورسله فتعطّل قانون الإحراق ولم يحترق إبراهيم عليه السلام بنار النمرود وتحوّلت العصا إلى أفعى وفُلق البحر لموسى عليه السلام إلى غير ذلك من المعجزات المذكورة للأنبياء عليهم السلام.
 

ثمّ إنّ القرآن الكريم يؤكّد إمكانية طول العمر للإنسان، فهذا نوح عليه السلام لبث "في قومه ألف سنة إلاّ خمسين عاماً" وضرب الله تعالى على آذان أصحاب الكهف ثلاثمائة وتسع سنين، فطول العمر ليس غريباً أبداً في عرف القرآن والسنّة النبويّة الشريفة.
وبذلك يظهر لك – عزيزي القارئ- أنّ الإمام المهدي عليه السلام حقيقة واقعية لا ينكرها العقل والعلم، ويؤكّدها القرآن والسنّة.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع