الشيخ علي معروف حجازي
إنّ صحّة عقد الزواج ضروريّةٌ لصحّة الزواج في نفسه، ولصحة الأحكام المترتبة عليه، ومنها ضمان حقوق الطرفين وحماية العلاقة الزوجيّة من النزاعات مستقبلاً.
• عقد الزواج
أ. ينقسم الزواج إلى قسمين: دائم ومنقطع، وكلّ منهما يحتاج إلى عقد يشتمل على إيجاب وقبول لفظيّين، يدلّان على إنشاء المعنى المقصود والرضى به، فلا يكفي مجرّد الرضى القلبيّ من الطرفين، ولا تكفي الكتابة.
ب. يُشترط أن يكون الإيجاب من جهة الزوجة والقبول من جهة الزوج.
ج. الأحوط وجوباً أن يكون الإيجاب في الزواج الدائم بلفظَي «أنكحت» أو «زوّجت»، ويجوز الاقتصار في القبول بذكر «قبلت» فقط، بعد الإيجاب، من دون ذكر المتعلّقات الّتي ذكرت فيه، فلو قال الموجب -الوكيل عن الزوجة- للزوج: «أنكحتك موكّلتي فلانة على المهر الفلانيّ»، فقال الزوج: «قبلت»، من دون أن يقول: «قبلت النكاح لنفسي على المهر الفلانيّ»، صحّ ذلك.
د. قد يقع عقد النكاح بين الزوج والزوجة بمباشرتهما، فبعد الاتّفاق وتعيين المهر، تقول الزوجة مخاطبةً الزوج: «أنكحتك نفسي أو أنكحت نفسي منك -أو لك- على المهر المعلوم»، فيقول الزوج بغير فصل معتدّ به: «قبلت النكاح لنفسي على المهر المعلوم»، أو تقول الزوجة: «زوّجتك نفسي أو زوّجت نفسي منك -أو لك- على المهر المعلوم»، فيقول: «قبلت التزويج لنفسي على المهر المعلوم».
هـ . قد يقع العقد بين وكيلَيهما، فبعد الاتّفاق وتعيين الموكّلين والمهر، يقول وكيل الزوجة مخاطباً وكيل الزوج: «أنكحت موكّلَك فلاناً موكّلتي فلانة -أو من موكّلِك أو لموكّلك فلان - على المهر المعلوم»، فيقول وكيل الزوج: «قبلت النكاح لموكّلي على المهر المعلوم»، أو يقول وكيلها: «زوّجت موكّلتي موكّلك -أو من موكّلك أو لموكّلك فلان- على المهر المعلوم»، فيقول وكيله: «قبلت التزويج لموكّلي على المهر المعلوم».
• بعض شروط العقد
أ. يشترط في صحّة العقد اختيار الزوجين؛ فلو أُكرها أو أُكره أحدهما على الزواج، لم يصحّ العقد. نعم، لو رضي المكرَه بعد العقد صحّ.
ب. يشترط أن يكون العقد باللفظ، فلا يصحّ بالكتابة أو بالتسجيل الصوتيّ.
ج. يجوز العقد بواسطة الهاتف ويصحّ عبره، بشرط أن يكون بشكل مباشر، ويشترط عدم الفصل المعتدّ به بين الإيجاب والقبول.
د. الأحوط وجوباً أن يكون العقد في الإيجاب والقبول باللفظ العربيّ، فلا يجزي غيره من سائر اللغات إلّا مع العجز عن اللغة العربيّة، بشرط أن يكون ترجمة لما هو في اللغة العربيّة.
هـ . لا يشترط في عقد الزواج أن تكون المرأة في حالة الطهر، فيصحّ حتّى لو كانت في الحيض، المهمّ أن لا تكون متزوّجة ولا في عدّة زواج من رجل آخر.
• الزواج من أهل الكتاب
أ. لا يجوز للمسلمة الزواج مطلقاً من غير المسلم حتّى لو كان كتابيّاً.
ب. لا يجوز للمسلم الزواج من: غير المسلمة غير الكتابيّة، لا دائماً ولا منقطعاً، وفي الكتابيّة تفصيل، فلا يجوز له الزواج منها دائماً على الأحوط وجوباً، ويجوز منقطعاً.
• إذن الوليّ
يجب على الأحوط وجوباً استئذان البنت البكر من وليّها، وهو أبوها أو جدّها لأبيها، ولا يصحّ العقد على الأحوط وجوباً من دون إذن أحدهما.
• العصمة أو كالة الطلاق
أ. لا يصحّ وضع أيّ شرط يخالف الكتاب الكريم أو السُّنَّة الشريفة؛ فكلّ شرط من هذا القبيل باطل.
ب. إنّ اشتراط العصمة في عقد الزواج باطل لا يصحّ.
والمقصود بالعصمة أن يكون الطلاق بيد الزوجة، وهذا مخالف للشرع الإسلاميّ؛ لأنّه جعل الطلاق بيد الزوج.
ج. نعم، يجوز للزوجة الاشتراط على الزوج أنْ تكون وكيلةً عنه في طلاق نفسها، إمّا مطلقاً، أو في حالاتٍ معيّنة. فإذا طلّقت حينئذٍ نفسها بوكالتها عنه، صحّ طلاقها.
د. الصيغة المثلى التي يفترض أن يقولها عالم الدين: (زوّجتك موكّلتي فلانة، بمهر قدره كذا، شرط أن تكون وكيلة عنك في طلاق نفسها مرّة بعد مرّة لو أنّك راجعتها، كما تشترط أن تكون وكيلة عنك في قبول البذل، وفي إيقاع الطلاق الخُلعيّ)، فيقول الرجل: (قبلت التزويج منك بالشروط المذكورة).
فتصير وكيلة عنه وكالة لازمة غير قابلة للعزل، وذلك طبقاً للتفاصيل التي ستُذكر.
هـ. المقصود بـ«مرّة بعد مرّة»، أن تُعطى الزوجة صلاحيّة طلاق نفسها أكثر من مرّة في حال أراد الزوج أن يرجع لها بعدما طلّقت نفسها طلاقاً رجعيّاً.
و. إنّ جعل وكالة الطلاق بيد الزوجة ﻻ يلغي حقّ الزوج بطلاقها متى شاء، من دون الحاجة إلى الحصول على موافقتها، بل يبقى له حقّ طلاقها مطلقاً لأنّه الأصيل وهي وكيل فقط. ويحقّ للزوجة في الوقت نفسه طلاق نفسها بالشروط المتّفق عليها.
• الحقوق قبل الزفاف
أ. يبدو أنّ حقوق الطرفين مثل: نفقة الزوجة، والتمكين، والخروج من البيت بإذن الزوج، تسقط في حال لم تُزفّ الزوجة بعد إلى بيت زوجها؛ وهو ما يعرف بفترة الخطوبة بعد عقد القِران. ويرجع ذلك إلى الاعتماد العام في المجتمعات الإسلاميّة على معاملتها كفتاة لا تزال تحت وصاية أبيها. وعادةً، يُبنى عقد الزواج على هذا الأساس، ما لم يصرّح بخلاف ذلك.
ب. الأفضل أنْ تستأذن الزوجة زوجها وتتشاور معه قبل خروجها، بل يجب أن تطيعه في ذلك. كما إنّ من الأفضل أنْ يكون الزوج متسامحاً ضمن الضوابط الشرعيّة؛ لِمَا في ذلك من ترسيخ للمحبّة والمودّة، وهو ما يعدّ أساساً صحيحاً ومتيناً للحياة الزوجيّة.
• تنبيه
لا يجوز الزواج من ذات العدّة، سواء كانت عدّتها رجعيّةً أم بائنة. فلو عقد رجل عليها وهو يعلم أنّها في العدّة، وأنّ العقد عليها حرام، فتحرم عليه مؤبّداً.
ولو عقد عليها جاهلاً بأنّها في العدّة أو بالحرمة، ولكنّه أقام معها العلاقة الزوجيّة الكاملة، فإنّها تحرم عليه مؤبّداً أيضاً. أمّا مع الجهل وعدم إقامة العلاقة الكاملة، فلا تحرم عليه مؤبّداً، بل يبطل العقد فقط.
• اشتراط الزوجة الخروج متى شاءت
أ. لا يجوز للزوجة أن تشترط على خاطبها في عقد الزواج أن تذهب إلى بيت أهلها وأقاربها متى شاءت أو في أوقات معيّنة من دون إذنه؛ لأنّ الشرط مخالف للشرع.
ب. نعم، يجوز لها أن تشترط عليه أن يأذن لها بالخروج عند طلبها؛ فإذا وافق على هذا الشرط، وجب عليه الوفاء به.
إنّ التفاهم بين الزوجين هو الأساس الذي تقوم عليه الحياة الزوجيّة السعيدة والمستقرّة، لأنّه يعزّز المحبّة والاحترام بينهما.