نور روح الله | القلـــمُ أداةُ إصلاح وهداية*‏ مع الإمام الخامنئي | الشباب مظهر أمل يخشاه العدوّ* كفاح الإمام المهديّ عجل الله فرجه في إقامة العدل أخلاقنا | الغضب نار تأكل صاحبها* فقه الولي | من أحكام الخُمس في وجه كلّ شرّ... مقاومة تسابيح جراح | كأنّي أرى تاريخ الشيعة | نفوذ شيعة لبنان في ظلّ الدولة العثمانيّة* شبابيك اجتماعيّة | بيوت نظيفة... شوارع متّسخة! آخر الكلام | “ ما أدري!”

أخلاقنا | الغضب نار تأكل صاحبها*

السيّد الشهيد عبد الحسين دستغيب قدس سره


لنعرّف مفهوم الغضب وأثره في النفس، لا بدّ أوّلاً من التمييز بين نوعين منه: الرحمانيّ والنفسانيّ. الغضب الرحمانيّ هو ذلك الذي يشعر به الإنسان عندما يصدر ذنب منه أو من أحد أقاربه، فيكون غضبه متساوياً في جميع الحالات من دون تمييز.

أمّا الغضب النفسانيّ، فهو ذلك الذي يظهر عندما يصدر الذنب من غيره أو من غير أقاربه، فيثير غضبه، بينما الذنوب الصادرة منه أو من أقاربه، حتّى وإن كانت أشدّ، لا تؤثّر فيه ولا يبالي بها.

* عندما تضطرم نار الغضب النفسانيّ
قال بعض المحقّقين: «كلّما اشتدّت نيران الغضب وقويت، فإنّها تعمي صاحبها وتجعله أصمّ عن كلّ نصيحة، فإذا وُعظ لم يسمع بل يزداد عناده»؛
وكأنّ نور العقل يُطفأ على الفور بدخان الغضب، بحيث يبدو دماغه كهفاً مشتعلاً قد اسودّ جوفه واحتدم حرّه، وامتلأت جوانبه بالدخان، فلا تثبت قدمه ولا يسمع كلاماً، ولا يرى صورة، ولا يمكنه إطفاء النار من داخله أو خارجه.

يتمظهر هذا الغضب عبر تغيّر لون الوجه، وصعوبة في السيطرة على الأطراف، واضطراب في الحركة والكلام، وقد يظهر زبد على الشفاه واحمرار في العينين. فإذا شاهد الغضْبان أثر غضبه وقبح مظهره، قد يهدأ خجلاً، لأن ما في القلب أقبح من الظاهر.

أمّا على صعيد الكلام، فالغضبان يطلق الشتائم والألفاظ النابية التي يخجل العقلاء منها، ويشعر هو نفسه بالندم بعد أن يهدأ.

وقد يدفعه الغضب إلى الضرب، والعدوان، والتمزيق، والجرح، أو حتّى القتل إذا سنحت له الفرصة. وقد يسقط مغشيّاً عليه لا يستطيع الحركة بسبب شدّة الغضب، ويتصرّف أحياناً كما يفعل المجانين(1).

* المظلوميّة ليست مبرّراً للغضب
يجب على من تعرّض لظلم من مسلم في ماله، أو كرامته، أو بدنه، أن يتّبع الخطوات الآتية ليتمكّن من التحكّم في غضبه ويمنع قلبه من أن يمتلئ بالحقد على من ظلمه:

1. فليتذكّر أخطاءه السابقة، مثل إنفاق ماله في غير طاعة الله، وارتكابه المعاصي التي تخدش كرامته أمام الله، والأذى الذي قد يلحق بجسده في الآخرة بسبب ذنوبه، ليتمكّن من كبح غضبه ويمنع الحقد من التسلّل إلى قلبه.(2).

2. عليه أن يتذكّر أيضاً جميع المظالم والإيذاءات التي ارتكبها بحقّ الآخرين طوال حياته، فقد يكون ما أصابه من ظلم أثراً بسيطاً لسلوكه. قال الإمام الصادق عليه السلام: «من ظلم مظلمةً، أُخذ بها في نفسه أو في ماله أو في ولده»(3).

3. على المظلوم أن يحتمل أن يكون الظالم قد أخطأ من دون قصد عداء أو حبّ للظلم، وإن تيقّن من تعمّده وإصراره، وليفكّر في حاله الباطنيّ وكيف أنّه أصبح أسيراً للنفس والهوى، مسيطراً عليه الشيطان، غير قادر على الامتناع عن الظلم. عندها، عليه أن يراه أخاً في الدين، يشفق عليه، ويطلب له من الله المغفرة بدلاً من الغضب.

* درس من مالك الأشتر (رضوان الله تعالى عليه)
مرّ مالك الأشتر يوماً في سوق الكوفة مرتدياً قميصاً وعمامة خشنة، فرآه رجل لا يعرفه فاحتقره ورماه بكتلة طين صغيرة، لكنّ مالكاً لم يبالِ. جاء شخصٌ آخر وقال للرجل: هل تعلم من الذي أهنته؟ قال: لا. قال له: هذا مالك الأشتر، صاحب أمير المؤمنين عليه السلام. فارتعب الرجل وجرّه خوفه ليلحق بمالك ويعتذر له. وجده في المسجد يصلّي، وبعد أن أنهى صلاته، خرّ على قدميه وقبّلهما. سأله مالك عن السبب، فأجاب: جئت أعتذر لك عمّا فعلت. فقال مالك: لا عليك، والله ما دخلت المسجد إلّا لأصلّي وأستغفر الله لك(4).

* الوقاية من الغضب
كلّ فساد يصدر عن الإنسان في كلامه أو أفعاله، أو يستقرّ في داخله، يعود في أصله إلى حبّ الدنيا فقط.

فالذي يربط قلبه كلّه بتأمين معيشته الدنيويّة وتنظيم شؤونه الماديّة، ويرى عالم الآخرة العظيم عالماً صغيراً لا قيمة له، يكون همّه الوحيد تحقيق أهوائه النفسيّة. بهذا الهدف فقط، يفكّر ويكدح ويبذل الجهد، ولا يترك فرصة من دون أن يستغلّها، مستعدّاً لتحمّل الصعاب كلّها.

وإذا لم يتمكّن من تحقيق ما يريده، يصاب بحزن شديد، ولا يستطيع تحمّل المشكلات أو الصبر عليها. حتّى إنّه لا يقبل أن يتعرّض لأيّ انتقاد، لا بل يعادي من ينتقده.

* كظم الغيظ
يمكن للشخص الذي يشعر بثورة غضبيّة عارمة، أن يلجأ إلى بعض الوسائل التي تساعده في كظم غيظه، منها:

1. التأمّل في الآيات والروايات: ليتأمّل الغضوب في آيات وروايات فضيلة كظم الغيظ، ولا يحرم نفسه من آثار هذا الخُلق العظيم. قال الإمام الباقر عليه السلام: «من كظم غيظاً وهو يقدر على إمضائه، حشا الله قلبه أمناً وإيماناً يوم القيامة»(5).

2. الاستفادة من سيرة العظماء: ليتأمّل أيضاً في حياة الأنبياء والأئمّة عليهم السلام والصلحاء الذين كانوا يترفّعون عن الغضب والانتقام من أعدائهم وظالميهم، ويختارون العفو والإحسان في التعامل معهم.

3. تغيير الوضعيّة: عندما يشعر الإنسان بغضب شديد، يُنصح بتغيير وضعه الجسديّ؛ فإذا كان قائماً فليجلس، وإذا كان جالساً فليقم، أو فليستلقِ، أو يغسل وجهه بالماء البارد، أو يتوضّأ، لأنّ هذه الأفعال تساعد في تهدئة النفس وكظم الغيظ. قال الإمام الباقر عليه السلام: «فأيّما رجل غضب وهو قائم فليجلس، فإنّه سيذهب عنه رجس الشيطان، وإن كان جالساً فليقم»(6).

4. مسّ الرحم يسكن الغضب: قال الإمام الباقر عليه السلام في تتمّة الرواية السابقة: «وأيّما رجل غضب على ذي رحم، فليقم إليه ولْيدنُ منه وليمسّه، فإنّ الرحم إذا مسّت الرحم سكنت»(7).

5. أن يقدّم العفو والصلح على الانتقام: ورد في الكافي عن الإمام الصادق عليه السلام: «قال رجل للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: يا رسول الله، علّمني، قال صلى الله عليه وآله وسلم: اذهب ولا تغضب، فقال الرجل: قد اكتفيت بذاك. فمضى إلى أهله، فإذا بين قومه حرب قد قاموا صفوفاً ولبسوا السلاح، فلمّا رأى ذلك لبس سلاحه، ثمّ قام معهم، ثمّ ذكر قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا تغضب، فرمى السلاح، ثمّ جاء يمشي إلى القوم الذين هم عدوّ قومه، فقال: يا هؤلاء، ما كانت لكم من جراحة أو قتل أو ضرب ليس فيه أثر فعليّ في مالي أنا أُوفِيكُمُوه، فقال القوم: فما كان فهو لكم، نحن أولى بذلك منكم، قال: فاصطلح القوم وذهب الغضب»(8).

وعليه، فإنّ الطريق الوحيد لعلاج فساد النفس، بما في ذلك الغضب والحقد والحسد، هو تقوية الإيمان بيوم الحساب وحياة ما بعد الموت، وبذل الجهد والاجتهاد للوصول إلى السعادة الأبديّة.


*مقتبس من كتاب: القلب السليم، ج 2، ص 374 - 383.
(1) يراجع: إحياء علوم الدين، الغزالي، ج 3، ص 163 - 168.
(2) يحكى أنّ عاقلاً كان مارّاً في زقاق، فرمى أصحاب البيت من السطح نفايات وأوساخاً. وصادف ذلك مروره من أمام هذا البيت، فوقع ذلك على رأسه، فرفع رأسه وقال: إلهي، هذا الرأس العاصي يستحقّ الرجم بالحجارة، شكراً لك أن أصابته النفايات بدلاً من الحجارة.
(3) الكافي، الشيخ الكلينيّ، ج 2، ص 332، باب الظلم.

(4) يراجع: قصص الأبرار، الشهيد المطهري، ص38-40.
(5) الكافي، مصدر سابق، ج 2، ص 110.
(6) وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج 15، ص 363.
(7) المصدر السابق.
(8) مرآة العقول، المجلسيّ، ج 10، ص 152.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع